"أبو حفيظة" يثير حفيظة الإعلام المصري ضد السعودية
٧ نوفمبر ٢٠١٥بالرغم من أن الحلقة الساخرة من برنامج "أسعد الله مساءكم" قدمها ضابط الشرطة المصري السابق أكرم حسني المعروف بشخصية "سيد أبو حفيظة" والذي عادة ما يسخر في حلقاته من أداء بعض مؤسسات الدولة، إلا أن بعض الإعلاميين المصريين أطلقوا حملة ضد القناة امتدت لتشمل الهجوم على السعودية نفسها.
فقد اعتبر البعض هذا النقد الساخر إهانة للدولة المصرية مثل الإعلامي تامر أمين في برنامجه بقناة الحياة، الذي قال إنه "شعر بإهانة عندما شاهد المقطع"، مضيفا "هناك فارق كبير بين النقد بهدف الإصلاح والتشويه والسخرية من أجل الهدم". بينما اتهم الإعلامي خالد صلاح مجموعة إم بي سي بأنها تقوم "بدور مخيف للقضاء نهائيًا على التليفزيون المصري، ليكون رأس المال غير المصري هو المتحكم الأول في عقول المصريين". فيما أصر رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري عصام الأمير على ضرورة تقديم القناة السعودية اعتذارا عن الحلقة، وذلك بالرغم من أنهم جميعا يعترفون علنا بتراجع مستوى التليفزيون المصري وضرورة إصلاحه، حتى أن الإعلامي سيد علي قال في برنامجه على "قناة العاصمة "تعليقا على الحلقة الساخرة "إن أبو حفيظة أخطأ بسبب انتقاده التليفزيون المصري، لكن معه حق"، وعرض مقطعاً من حلقته.
تضارب المصالح الإعلامية؟
وفي نفس السياق، كشف مصدر من اتحاد الإذاعة والتليفزيون طلب من DW عربية عدم ذكر إسمه، أن السخرية من التلفزيون المصري جاءت بعد فشل شراكات ما بين المؤسستين، من بينها رفض اتحاد الإذاعة والتليفزيون شراكة مع قنوات إم بي سي مصر بعرض التليفزيون برامج من إنتاج هذه القناة مقابل الحصول على أرشيف التليفزيون المصري. ويضيف المصدر أنه ربما يكون السبب هو بروز الدور الإماراتي، إذ أن شركة إماراتية، أصبحت حاليًا الراعي الرسمي للكرة المصرية بالكامل، وتنظيم كافة فعالياتها وتمولها منذ أغسطس/آب 2014، لمدة ثلاث سنوات.
وحول ما إذا كان هذا السجال يخفي خلفه صراع مجموعات مصالح إعلامية ومالية في السوق الإعلامي المصري، أكد الإعلامي والكاتب السعودي أنور العسيري أن هذا العامل ليس العامل الأهم؛ فالبعدين السياسي والاقتصادي هما العاملان الأبرز.
في المقابل أصدرت قناة إم بي سي مصر بيانا قالت فيه إنّ "البرنامج ساخر؛ ولا يجب تحميل فقرة وردت فيه أكثر ممّا تحتمل، والسعي -عن سابق قصد وتصميم ولأهداف مشبوهة- إلى تضخيم تلك الفقرة ووضعها خارج سياقها الكوميدي وذلك خدمة لغايات باتت معروفة من الجميع"، مضيفة أنها تكن الاحترام للتليفزيون المصري.
انعكاس لخلافات سياسية بين القاهرة والرياض
ويرى سامح راشد، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتجية، أن الأمر أخذ أكبر من حجمه الحقيقي، مشيرا إلى أن فريق عمل برنامج أبو حفيظة يحدد موضوعاته بشكل جماعي تشاوري وفرصة فرض موضوعات معينة محدودة.
لكن الإعلامي والكاتب السعودي أنور العسيري يرى، في حديث مع DW عربية، أن ما يجري من هجوم من قبل إعلاميين مصريين محسوبين على النظام السياسي الحاكم في مصر "ليس سوى عملية ممنهجة بدأت مع إعادة قراءة السعودية للمشهد السياسي الإقليمي والعالمي وطبيعة الأخطار التي تتهدد السعودية والمنطقة العربية". ويضيف أن "هذا الاستيعاب والتحالف السعودي مع تركيا وقطر بشكل خاص قد أزعج السيسي وحساباته القائمة على تخويف الخليج من أطماع تركيا وتجاهل الخطر الحقيقي الكامن في إيران وإيهام الخليجيين بقدرته على حمايتهم بعبارة (مسافة السكة). وكل هذه المسارات السياسية المختلفة أثرت على حجم الدعم الذي كان ومازال يريد أن يتلقاه السيسي ما أنعكس بوضوح على الخطاب الإعلامي للنخبة الرسمية المسيطرة على وسائل الإعلام".
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يهاجم فيها الإعلام المصري السعودية، إذ بدأت حملة ضدها؛ عندما شعر البعض بأن السعودية بدأت في خفض مساعداتها المالية، بعد أن استدرجت مصر في حربها ضد الحوثيين في اليمن كمقابل للمساعدات التي قدمتها والتي وصلت إلى مليارات الدولارات. وكان من أبرز الإعلاميين الذين شنوا هجوما حادا ضد السعودية، الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسى، الذي اتهم الرياض بأنها "راعية للوهابية"، مشبها المملكة؛ بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في تعاملها مع المرأة، كما أتهمها بأنّها "تسعى إلى تدمير اليمن على غرار ما فعلت في سوريا والعراق وليبيا، للإطاحة ببعض الخصوم كصدام حسين وبشار الأسد ومعمر القذافي"، وقال إنّها "جرّت المنطقة إلى حروب بالوكالة لصالح أميركا وإسرائيل، وصلت لمحاربة الاتحاد السوفييتي السابق بإعلان الجهاد ضده، وتحاول أن تشيطن إيران والشيعة في المنطقة".
وكان رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام أحمد السيد النجار قد وصف عملية "عاصفة الحزم" العسكرية السعودية باليمن بأنها "عدوان". وقال في حلقة تليفزيونية: "مصر ليس لها علاقة بهدم المستشفيات ولا المدارس ولا المطارات المدنية ولا كل ما يجري"، مشيرا إلى أن مصر "تشارك في العملية بتأمين باب المندب فقط باعتباره مدخلا لقناة السويس".
الأزمة جاءات في ظروف مواتية
وفي المقابل يقول الإعلامي السعودي أنور العسيري، في حديثه مع DW عربية، إن السعودية اعتادت ارتفاع أصوات "حفنة من الإعلاميين المأجورين وإسكاتهم لا يأتي إلا بحبات رز غير ممكن تقديمها اليوم، ولذلك التجاهل الكبير الذي يمارسه السياسي السعودي وكذلك النخبة المثقفة السعودية دليل على عدم أهمية هذه الأصوات، كونها تحاول إشغال السعودية عن مواجهة تاريخية وحاسمة مع إيران في اليمن وسوريا".
فيما يرى سامح راشد، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، في حديث مع DW عربية، أن الاختلاف المصري السعودي قائم منذ عدة أشهر ويتعلق تحديداً برؤية الحل المفترض في سوريا، وهو ما انعكس ـ في رأيه ـ على حجم ومعدل تدفق المساعدات السعودية لمصر؛ مما تسبب في حالة من التوتر المكتوم يكشفها الإعلام من الجانبين أحياناً. وأشار راشد إلى أن أزمة التليفزيون المصري مع إم بي سي جاءات في ظل هذه الأجواء.
لكن راشد يضيف: "كما أن الاختلاف بين الدولتين محدد وجزئي، فإن دور ووزن الأزمة الإعلامية الأخيرة أيضاً جزئي ولن تكون هذه الأزمة سبباً في مزيد من التوتر السياسي بين القاهرة والرياض".