أصداء احتجاجات سوريا في بيروت: انقسام واتهامات متبادلة
٢٦ أغسطس ٢٠١١اعتصامات سلمية تواجهها اعتصامات مضادة في المكان والزمان نفسه، هذه هي صورة انعكاس حركة الاحتجاجات السورية على الوضع اللبناني بين متضامن مع المحتجين ومؤيد للنظام السوري. فأي تحرك سلمي يؤيد ثورة الشعب السوري في شوارع بيروت وخاصة منها شارع الحمرا، يقابله تحرك مناهض لعمال سوريين وأعضاء من أحزاب لبنانية حليفة للنظام السوري. هذه الأزمة والتي تتعلق بالحريات العامة وحرية التعبير، ظهرت بقوة على الساحة اللبنانية مؤخراً، فقد وصل الأمر إلى ترهيب وتخويف معنوي للمتضامنين مع الشعب السوري من قبل الفريق الموالي للنظام عبر اتهامهم بالعمالة لأميركا وإسرائيل، إضافة إلى اعتداءات جسدية يقوم بها البعض من حلفاء النظام السوري في لبنان ضد ناشطين سياسيين ومثقفين وصحفيين مستقلين أو ذوي أهواء سياسية متنوعة خلال وقفاتهم التضامنية مع الاحتجاجات السورية.
المتضامنون اللبنانيون مع الشعب السوري يؤكدون أن الحافز الأول للإعتصامات المتضامنة مع ثورة الشعب السوري هو بالمبدأ العام انحياز لكل الثورات العربية كما حصل مع ثورتي تونس ومصر، يضاف إليها أن سوريا ولبنان يتشاركان في فضاء ثقافي واجتماعي واقتصادي واحد. ولأن النظام السوري كانت له أفعاله في داخل سوريا وداخل لبنان، ولذلك فهم يعتبرون أن تأييد الاحتجاجات السورية واجب سياسي وثقافي وأخلاقي. بالمقابل يرى مؤيدو النظام السوري أن المتضامنين اللبنانيين مع الحراك الشعبي السوري يتضامنون بسبب عدائهم لسياسات حزب البعث السوري.
إرهاب معنوي وارتباط مصيري
ينطلق الصحافي يوسف بزي، وهو أحد المشاركين في كتابة بيان المثقفين اللبنانيين المتضامنين مع حركة الاعتصامات في سوريا، من وجهة نظر إنسانية وسياسية معاً، فيقول إن النظام السوري يمارس نوعاً من الوصاية غير المباشرة على لبنان كما يمارس القمع على الشعب السوري. ويجد الصحافي اللبناني أن "أغلب اللبنانيين لديهم قناعة مفادها أن التخلص من هذا النظام يتيح لهم الأمل في تحقيق السيادة الوطنية في سوريا ولبنان، وربما تكون هذه الثورة حافزاً للإصلاح السياسي في النظام اللبناني نفسه".
أما علي فخري وخضر سلامة (مستقلان عن الانقسام السياسي اللبناني)، واللذان شاركا في تنظيم اعتصامات متضامنة مع الثورة السورية، كما نظما قبلاً اعتصامات مؤيدة للثورات العربية، فيؤكدان أن انطلاق التحركات من هوية إنسانية حقوقية قبل أي نظرة سياسية. ويشيران إلى أن موقفهما واحد من أنظمة سقطت في مصر وتونس ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، "الذي فقد شرعيته عندما قتل أول مواطن سوري في الشارع".
بالمقابل يعتبر زينون النابلسي وسعد القادري، وهما عضوان منتسبان إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، أن الاعتصامات المناهضة للنظام السوري مسيسة ومغرضة فالمشاركون فيها يطغى عليهم فريق قوى 14 آذار. ويرى الشابان أن هذه الإعتصامات هي للتعبير فقط عن كراهية المعتصمين للرئيس الأسد أكثر من أي شيء آخر.
وجهة النظر هذه تسببت بإشكالات أمنية واعتداءات على المتضامنين مع الثورة قام بها عمال سوريون أو منتمون إلى حزب البعث العربي الإشتراكي بحماية أو مشاركة من الحزب السوري القومي الإجتماعي على المعتصمين السلميين، كما يقول المتضامنون مع الثورة السورية. ويرى هؤلاء أن وصاية النظام السوري في لبنان ووجود أحزاب سياسية لبنانية مسلحة ومجموعات ميليشياوية موالية للنظام، يرتبط وجودها ببقاء النظام، هو الذي يؤدي إلى الإعتداء على أي تحرك سلمي ينظم من أجل التضامن مع الشعب السوري.
كما يجدون أن الإرهاب المعنوي والجسدي الذي يمارسه الفريق الآخر هو لإثبات أن شارع الحمرا في العاصمة بيروت والذي يضم السفارة السورية واحتضن حتى الآن العدد الأكبر من الإعتصامات، هو شارعهم ومربعهم الأمني الممنوع المساس به. وبينما يجوب هؤلاء بمسيرات سيارة ترفع صور الرئيس السوري بشار الأسد وتردد شعارات "الله سوريا وبشار وبس"، يُمنع الآخرون من التعبير عن رأي مخالف لهم.
اعتداءات واتهامات بالعمالة
يروي فخري الاعتداء الأبرز والأشد قساوة الذي مورس عليهم عندما قرروا القيام بأحد التحركات السرية والمفاجئة من خلال إرسال رسائل خاصة على الفيسبوك تدعو الناشطين السياسيين والحقوقيين اللبنانيين إلى اعتصام سلمي أمام السفارة السورية تضامناً مع الحراك الشعبي السوري وتكريماً للشهداء بتاريخ 2 آب. ويضيف فخري بالقول: "تفاجئنا بمجموعة من "الشبيحة" من الجنسيتين السورية واللبنانية التابعين للسفارة السورية والذين توظفهم السفارة كـ"جمهور مناهض" لأي تحرك يقام أمام أبوابها ويعارض نظام دولتها، فأتوا مدججين بالسلاح الأبيض من عصي وسكاكين" وبحماية أو مشاركة من حزب البعث العربي الإشتراكي والحزب السوري القومي الإجتماعي.
ويروي خضر الذي أصيب بسكين حاد في رجله تفاصيل الحادثة ذاتها "حاصرونا وبدأوا الشتائم والإتهامات بالعمالة لأميركا وإسرائيل وما لبث أن تدهور الأمر ليهجم "الشبيحة" بالعصي والسكاكين علينا"، ما أدى إلى إصابة العديد منهم بإصابات طفيفة وأخرى خطيرة استدعت دخول المستشفيات وإجراء عمليات جراحية طارئة. ويتابع خضر "القوى الأمنية والجيش وقفت موقف المتفرج ولم تضع حداً لهذا الاعتداء المبرمج، فقد رفضوا اعتقال حملة السكاكين أمام السفارة لأن "ما في أوامر بالاعتقال" كما قال لي أحد الضباط". ومن ثم عندما حاول المعتدى عليهم رفع دعوى في المخفر، تم رفض الشكوى بحجة "عدم اختصاص المخفر".
رداً على هذه الرواية يقول النابلسي إن المعتصمين افتعلوا هذه المشكلة من أجل أن يتم استغلالها في الإعلام وإلقاء الضوء على اعتصامهم. وفي الوقت عينه لا ينفي زينون أن الإعتصامات المضادة الموالية للنظام السوري تنظم أصلاً من أجل أن تحظى بتغطية إعلامية أيضاً "لكي نثبت أن هناك جزءا من السوريين لا يريدون إسقاط النظام". وبرأيه فإن "هذه هي حرية الرأي بحيث لكل طرف الحق بالتعبير عن موقفه".
أما سعد القادري فيجد أنه من الطبيعي أن تدافع السفارة عن حرمها، ويقول: "المعتصمون يتطاولون على شخص الرئيس الأسد، وهذا ما لا نقبل به"، ويضيف: "لا أحد يزايد علينا بالغيرة على ما يجري داخل الأراضي السورية. فالعمال السوريون في بيروت موقفهم واضح "لا تتدخلوا بأمور بلدنا".
ممنوع التعبير.. ممنوع التضامن
بعد هذه الحادثة وجه الناشطون والمثقفون والصحافيون دعوة رسمية إلى اعتصام أكبر في ساحة الشهداء وسط بيروت بسبب الرمزية التاريخية للنصب الموجود فيها. ويقول يوسف بزي "من المعروف انه في عام 1916 قام الحاكم العثماني بتنفيذ سلسلة إعدامات بحق طلاب الحرية والإستقلال في ساحتي البرج في بيروت والمرجة في دمشق. وهذا ما يدل على وحدة المصير التاريخي بين بيروت ودمشق ووحدة الطموح للإستقلال والحرية".
ويضيف بزي بالقول: "أهمية الاعتصام تأتي من أنه يجري أيضاً في المكان الذي اندلعت فيه انتفاضة اللبنانيين ضد الوصاية السورية في العام 2005. وفي عام 2011 في المكان نفسه رفع اللبنانيون العلم السوري بإرادتهم الحرة هذه المرة لأنه بات يخص الشعب السوري الحر وليس علم النظام الإستبدادي". لكن الإعتصام جوبه أيضاً بمجموعة من "الشبيحة المحليين للتعكير على الإعتصام وتخويف المعتصمين"، بحسب بزي.
وبينما يرى الفريق المتضامن مع الثورة السورية أن الاعتداءات وقمع الحريات له علاقة بمحاولة البعض تحويل لبنان إلى ناقص للسيادة وإظهاره كدولة عاجزة من خلال انتشار المربعات الأمنية الخارجة عن سلطة الدولة وأمنها كما في منطقة الحمرا ومحيط السفارة السورية وغيرها، "يطالب الفريق الموالي للنظام هؤلاء بعدم المطالبة بحرية الشعب السوري لأنهم يتبعون أجندات خارجية تريد انهاء مشروع الممانعة والمقاومة في الشرق الأوسط".
دارين العمري- بيروت
مراجعة: عماد غانم