استئناف محاكمة صدام وسط شكوك بعدالتها وبالنتائج الأولية للانتخابات
٢١ ديسمبر ٢٠٠٥استؤنفت اليوم في العاصمة العراقية بغداد محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وسبعة من معاونيه بدعوى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ويأتي في مقدمتها قتل وتعذيب الأبرياء والخصوم السياسيين بصور وحشية إضافة إلى غزو الكويت واستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً ضد الأكراد العراقيين. ويطالب الادعاء في المحاكمة الحالية بإدانة صدام ومعاونيه بتهمة قتل 148 قروياً في بلدة الدجيل شمالي بغداد. أما الأدلة على ذلك فيقدمها 40 مواطناً عراقياً شهدوا عمليات القتل التي جرت هناك إثر محاولة لاغتيال صدام جرت في البلدة المذكورة عام 1982.
استمرار الشكوك في عدالة المحاكمة ...
وفي الوقت الذي استؤنفت فيه محاكمة صدام ومعاونيه، يستمر تشكيك العديد من المراقبين بعدالة المحاكمة وموافقتها للمعايير الدولية. وقد استند هؤلاء في أقوالهم على عدة وقائع بينها التأخير الشديد في تزويد محامي صدام بملفات الاتهام لدراستها وإعداد دفاعهم عنه. كما تم قتل اثنين من محاميه وتهديد العديد من أعضاء فريق الدفاع عنه. وكان آخرها التهديدات والشتائم والمضايقات التي تعرض لها نجيب النعيمي، عضو الفريق ووزير العدل القطري السابق لدى وصوله إلى مطار بغداد لاستئناف مهامه في الدفاع عن موكله صدام. وسبق للعديد من الجهات الدولية بينها منظمة حقوق الإنسان "هيومان رايتس" أن اشتكت من عدم التكافؤ بين فريقي الدفاع والادعاء من حيث الإمكانيات. فبينما يتمتع فريق الادعاء بدعم فني ومالي يتعرض أعضاء فريق الدفاع للتهديد والقتل. وتبلغ قيمة هذا الدعم بنحو 128 مليون دولار تم تخصيصها لتجهيز المحكمة وتحضير الأدلة والوثائق ضد صدام ومعاونيه. وعلى ضوء التهديدات التي يعترض لها أعضاء فريق الدفاع طالب المدعي الأمركي السابق وأحد محامي صدام رمزي كلارك الأمين العام للأمم المتحدة باتخاذ الإجراءات السريعة لحمايتهم.
وعلى النقيض من ذلك أكدت السلطات العراقية والأمريكية مجددا على أن صدام ومعاونيه سيخضعون إلى محاكمة عادلة بعيداً عن التأثيرات السياسية. وعلى ضوء ذلك يرى العديد من الخبراء فيها فرصة لبناء مستقبل العراق. فالخبير الألماني هيلموت كرايكر، مسؤول القانون الجزائي الدولي في معهد ماكس بلانك يشبهها مثلاً بمحاكم نورنبرغ التي تم من خلالها محاكمة النازيين على جرائمهم بحق الإنسانية. ويرى كرايكر أن هذه المحكمة ستساهم في توحيد العراقيين وبناء مستقبل أفضل لهم على ضوء قيامها بعقاب الأشخاص الذين ارتكبوا مجازر بحقهم وفي مقدمتهم المتهم الأول صدام حسين.
... وفي نتائج الانتخابات التشريعية
ويأتي استئناف محاكمة صدام كذلك في وقت بدأ فيه الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية العراقية التي جرت الأسبوع الماضي. وقد أظهرت هذه النتائج استقطاباً طائفياً حاداً تمثل في تقدم الائتلاف العراقي الشيعي بزعامة عبد العزيز الحكيم في العاصمة بغداد وتسع محافظات أخرى يشكل العرب الشيعة غالبيتها سكانها. وفازت جبهة التوافق العراقية في محافظات صلاح الدين والأنبار وديالي ونينوى التي تقطنها غالبية من العرب السنة. أما المحافظات الكردية دهوك والسليمانية وأربيل وكركوك فكانت من نصيب التحالف الكردستاني. وقد شككت العديد من القوى العراقية بهذه النتائج واتهمت الحكومة التي يتزعمها رئيس الوزراء الحالي ابراهيم الجعفري، الذي ينتمي إلى الائتلاف العراقي، بتزوير الانتخابات. وجاءت معظم الاحتجاجات من قبل القوى السنية. فقد وصفت جبهة التوافق العراقية التي تضم الحزب الإسلامي ومؤتمر أهل العراق ومجلس الحوار الوطني النتائج بأنها تعكس عمليات احتيال. وأعربت القائمة العراقية، التي يقودها رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي، عن تحفظها على النتائج. أما مفوضية الانتخابات فرفضت الاتهامات على أن غالبية الساحقة تفتقد إلى الأدلة. وذكر متحدث باسمها أن الطعون المقدمة لن تؤثر على النتائج بناء على ذلك.
خطر التقسيم الطائفي والعرقي
محاكمة صدام التي يرى فيها القسم الأكبر من السنة العرب انتقاماً منهم من جهة، والشكوك الذي يبديها هؤلاء في نزاهة الانتخابات التشريعية من جهة أخرى ليست من العوامل التي تساعد على عودة الاستقرار إلى بلاد الرافدين. ويعزز من هذا الاستنتاج ضعف الأداء الذي يميز حكومة الجعفري، علاوة على السلوك الطائفي لبعض أعضائها وفي مقدمتهم وزير الداخلية بيان جبر صولاج. ومما يساهم في عدم الاستقرار كذلك استمرار الهجمات المسلحة، التي لا تطال قوات الاحتلال فقط، وإنما المواطنين العراقيين الأبرياء لا سيما الشيعة منهم كذلك. ومن شأن ذلك تعقيد الوضع ودفعه إلى التأزم على ضوء المخاوف من تشكيل كيانات طائفية وعرقية، شيعية وسنية وكردية تمهد لتقسيم العراق وإنهاء تجربة مجتمعه في التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الأديان والعراق. كما ستنهي حلم العراقيين وأصدقائهم بإقامة دولة علمانية تكون نموذجاً يُقتدى في منطقة الشرق الأوسط.
ابراهيم محمد