اضطرابات تونس هل تنذر بثورة مضادة تئد الثورات العربية؟
٧ مايو ٢٠١١في آخر تطور على الساحة التونسية اشتبكت الشرطة بالهراوات والغاز المسيل للدموع وبالأيدي (السبت 7 مايو/ أيار) مع مئات المحتجين الذين يطالبون باستقالة الحكومة المؤقتة والغاضبين من الرد العنيف على المظاهرات الأسبوع الماضي.
كما قمعت قوات الأمن بشدة 15 صحافيا يعملون لوسائل إعلام تونسية ودولية خلال تغطية تظاهرات مناهضة للسلطات الانتقالية الخميس والجمعة في العاصمة التونسية دعت إلى "استقالة" حكومة الباجي قائد السبسي وإلى "ثورة جديدة". وأنهالت عناصر من قوات الأمن التونسية ضربا وشتما لصحافيين في كما صودرت معداتهم في أجواء قمع لا سابق لها منذ سقوط الرئيس زين العابدين بن علي. فلما كل هذا العنف؟
يقول المحتجون في تونس، التي شكلت نقطة انطلاق للثورات التي تجتاح حاليا العالم العربي، إنهم يتخوفون من أن تتراجع الحكومة الجديدة عن تعهدها بالديمقراطية بعد الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في يناير/ كانون الثاني، فيما بات العديد من التونسيين يخشون من "ثورة مضادة" في البلاد تقضي الثورة أو في أسوأ الأحوال تفرغها من مضمونها. فإلى مدى تعتبر هذه المخاوف مبررة؟
في هذا السياق يؤكد المحلل السياسي توفيق مجيّد، في حديث مع دويتشه فيله، أن الحكومة الحالية لا تزال هشة، وأن المواطنين التونسيين يتبنون ديمقراطية وصفها بالمطلبية، مضيفاً أن "هناك رهان كبير تنتظره تونس في الرابع والعشرين من يوليو/ تموز المقبل، وهو انتخابات المجلس التأسيسي ... كل الشرائح الاجتماعية تطالب بالمزيد وتعتقد أن هذه الحكومة هي بقرة حلوب قادرة على أن توفر كل ما يطلبه المواطن. والآن جاءت مسألة العنف".
نظريات مؤامرة ومحاولات لتأجيل الانتخابات
ويشير مجيّد إلى أن التصريحات التي أطلقها وزير الداخلية التونسي الأسبق فرحات الراجحي، والتي قال فيها إن قيادة الجيش التونسي تحاول القيام بانقلاب عسكري عن طريق دعم حركة النهضة الإسلامية لتولي مقاليد الحكم في البلاد، كلها تندرج تحت بند "نظرية المؤامرة"، وأنها قد تدل على وجود "جيوب" قديمة تابعة للنظام السابق تحاول النخر في عظام الثورة.
يذكر أن حدة التوترات في تونس ازدادت الأسبوع الماضي بعد تحذيرات الراجحي، فيما تقول حركة النهضة، وهي الحركة الإسلامية الرئيسية في تونس ويقودها راشد الغنوشي، إنها ستخوض الانتخابات ولا تخشى الانقلاب. ومن المتوقع أن تحقق الحركة، التي كانت محظورة إبان حكم بن علي، نتائج جيدة في بعض المناطق، لاسيما في الجنوب المحافظ، الذي شكل مهد الثورة التونسية بفعل الإحباط الشديد العائد بسبب الفقر والبطالة هناك.
ويتفق توفيق المجيّد مع هذا التوقع، ويتابع بالقول إن "حركة النهضة الإسلامية لم تنتقد الحزب الحاكم سابقاً حتى الآن، لأنها تريد استيعاب أصوات ناخبيه التي تبلغ عدداً لا بأس به، باعتبار أن هناك مليون ونصف المليون من الناخبين كانوا تابعين لحزب بن علي سابقاً. هؤلاء سيصوتون بنوع من الانتقام لما حصل لحزبهم، وبالتالي فإن أصواتهم قد تذهب لحركة النهضة".
هذا ويؤكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون التونسية أن حركة النهضة لا ترغب في الحصول على رئاسة الجمهورية، لكنها تفضل مناصب قيادية في المناطق، ويوضح أن التحركات السياسية في الشارع التونسي تقودها أحزاب يسارية تهدف إلى استغلال الفراغ السياسي القائم لتصدر الواجهة السياسية للبلاد، وربما تلعب على ورقة التحالف مع حركة النهضة لتحقيق أهدافها.
انعكاسات سلبية على "ربيع الثورات العربية"
لكن تطورات الوضع السياسي الداخلي في تونس لن يكون له انعكاسات محلية فحسب، وإنما قد تمتد إلى بقية الدول العربية التي تشهد ثورات وتحركات احتجاجية شعبية، إذا ما وصل الأمر في بلاد الياسمين إلى حد حدوث "ثورة مضادة" تقضي على منجزات التحرك الشعبي الذي أسقط نظام الرئيس السابق بن علي.
ويقول توفيق مجيّد إن هناك تخوفاً "لدى الجميع أن يتحول ما حصل يوم 14 يناير/ كانون الثاني (يوم هروب الرئيس السابق بن علي) إلى مجرد حدث ... ما يحصل في تونس هو صحي باعتبار أن الأمور كانت معلبة وصعبة جداً وكان هناك نوع من التسلط المهيمن على الحياتين السياسية والاجتماعية" ويستدرك مجيّد بالقول "لكن من ينكر أنه توجد بالفعل بصمات فوضى؟ ويتابع "عمليات السرقة التي حصلت في محيط العاصمة تونس الليلة الماضية لا علاقة لها بالديمقراطية وحرية التعبير ... هذه العوامل لا تساعد على التهدئة وقد ينتهزها البعض سياسياً لإحداث نوع من البلبلة".
هذه الضبابية في الوضع التونسي قد تنعكس سلبيا على التحركات الشعبية في الدول العربية الأخرى، بحسب مجيّد، وربما تقود إلى "وأد" أي ثورة محتملة. فالتجربة التونسية شكلت – برأيه – منارة لبقية الثورات العربية، وإذا ما أعاد التونسيون النظر في ثورتهم، فإنه من الممكن لبقية الشعوب العربية الثائرة أن تعيد النظر ليس فقط في ثوراتها، بل في مبدأ التحرك الشعبي بمجمله، وهذا من شأنه "أن يقوّض كل المحاولات المستقبلية التي قد تصبو إليها شعوب عربية أو أفريقية أخرى".
ياسر أبو معيلق
مراجعة: عبده جميل المخلافي