الأنبار: حوافز ومشاريع ضخمة هل تكفي لجذب المستثمرين؟
٦ ديسمبر ٢٠١٣انعقد في مدينة اربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، المؤتمر الدولي الثالث للاستثمار في محافظة الأنبار يومي 26-27 من تشرين الثاني الفائت. حضر هذا المؤتمر الاستثماري الدولي، عدد من الشركات والمستثمرين العراقيين والأجانب ومسؤولون من الحكومة العراقية ومحافظة الأنبار، التي تأمل في اجتذاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، سيما وأن فيها فرص واعدة ومشاريع طموحة كبيرة منها بناء مصفاة ضخمة للنفظ ومطار دولي ومعامل فوسفات، هذا ناهيك عن مشاريع سكنية وزراعية وخدمية يأمل المسؤولون أن توفر آلاف فرص العمل لسكان المحافظة.
المؤتمر بحث الفرص الاستثمارية والإمكانيات التي تتيحها المحافظة والتسهيلات التي يمكن أن تقدمها للمستثمرين. كما تم بحث مخاوف أصحاب رؤوس الأموال ومعوقات الاستثمار التي يأتي في مقدمتها غياب الأمن والاستقرار في المحافظة التي تشهد عمليات "إرهابية"، حسب تعبير المسؤولين، وتشهد منذ نحو عام احتجاجات واعتصامات، هذا ناهيك عن الفساد.
حاول منظمو المؤتمر تقديم محافظة الأنبار بصورة مختلفة عما هو متداول في وسائل الإعلام، التي تشير أغلب تقاريرها إلى ما تشهده المحافظة من احتجاجات واعتصامات وتفجيرات وبالتالي غياب الاستقرار. فقد حضر حميد أحمد الهاشم، عضو مجلس محافظة الأنبار- رئيس لجنة الاستثمار في المجلس، المؤتمر وصرح لبرنامج العراق اليوم حول الجديد الذي يقدمه المؤتمر، بأنه يعرض الفرص الاستثمارية الكبيرة والواعدة لمحافظة الأنبار، منها ما وافق عليه "رئيس الوزراء مثل مطار الأنبار الدولي ومصفاة الأنبار، وعرضه كفرصة استثمارية على المستثمرين الكبار" وأضاف الهاشم أن هناك فرص للاستثمار في قطاعات الزراعة والصناعة والصحة والتعليم والسكن. وأشار إلى أن المحافظة الكبيرة المترامية الأطراف تحتوي على "ثروات باطنية كبيرة تعتبر مادة أولية لكل الصناعات التحويلية والأساسية".
وقد أكد د. مهران موشيخ، المختص والخبير في الجيولوجية النفطية والغاز، على غنى المحافظة بالثروات الباطنية وخاصة الغاز الطبيعي، وقال في لقاء خاص مع برنامج العراق اليوم إن المحافظة لا تحتاج إلى مصفاة واحدة فقط، و"إنما لأكثر من مصفاة، لسبب استراتيجي لا يخص المحافظة والعراق فقط وإنما أبعد من ذلك، وهو مد أوروبا بالغاز العربي (العراقي والقادم من الخليج بما فيه السعودية) والإيراني، عبر الأنبار ومن هناك إلى سوريا فإلى أوروبا" عبر البحر المتوسط. ومن هذا المنطلق "تحتاج محافظة الأنبار إلى محطات تصفية لهذا الكم الهائل من الغاز الذي سيمر عبرها".
البنية التحتية أولا
مقابل هذا التفاؤل الذي يبديه مسؤولو المحافظة والخبير النفطي موشيخ بشأن الاستثمار والازدهار في المنطقة، يرى الإعلامي والمحلل السياسي العراقي كفاح محمود في لقاء خاص ببرنامج "العراق اليوم"، أن محافظة الأنبار وباقي مدن العراق بحاجة اليوم إلى بنى تحتية قبل الحديث عن الاستثمارات والمشاريع الضخمة. فالبني التحتية اليوم تكاد تكون شبه معدومة أو أنها مهترئة "وخصوصا ما يتعلق بالمواصلات والكهرباء وما يتعلق بالخدمات الأساسية، المتعلقة بالمواطن الفرد أو بأي مشروع زراعي أو صناعي كبير" فسنوات الحرب والحصار الطويلة أنهكت العراق وبنيته التحتية، إن لم تكن قد دمرته، حسب تعبير محمود الذي أشار إلى أن الملف الأمني يستحوذ على جزء كبير من ميزانية الحكومة المركزية والمحافظات، "وإذا لم يتم إغلاق الملف الأمني، فلن تستطيع الحكومة الاتحادية وحكومات المحافظات البدء ببناء بنية تحتية تؤهل هذه المحافظات للانتقال إلى مشاريع إستراتيجية في مجالي الصناعة والزراعة أو مجالات أخرى".
لكن رغم الظروف الحالية الصعبة، هناك طموح لدى المستثمرين الأجانب والعراقيين الذين حضروا مؤتمر الاستثمار، في أن يحصلوا على فرص استثمارية في مختلف المجالات، وقدا عبر عن ذلك المهندس عواد شيحان عبود، ممثل شركة الشرق للأعمار، الذي حضر المؤتمر وصرح لبرنامج العراق أن هناك مجالات وقطاعات كثيرة للاستثمار في المحافظة، ولاسيما في قطاع السكن والزراعة والسياحة أيضا، خاصة بعد التخطيط لبناء مطار دولي في المحافظة. أما عن كيفية تذليل العقبات التي تحول دون قدوم الاستثمارات الغربية، فأشار عبود إلى أن "هذا الموضوع قد تمت مناقشته ولاسيما فيما يتعلق بالتأمين على الشركات والأموال التي ستجلبها والمصارف الداعمة الموجودة، لتستطيع الشركات المستثمرة العمل والتحرك".
وبالإضافة إلى الجوانب التي أشار إليها عبود للاستثمار في محافظة الأنبار، يرى د. مهران موشيخ أن هناك إمكانية لإنشاء "منطقة حرة مشتركة بين الأنبار وسوريا والأردن والسعودية، وأن هناك تعاون في المجال النفطي بين الأنبار وسوريا وتوجد لجنة للطاقة تشترك فيها سوريا والعراق وتركيا وإيران".
غول الفساد يرعب المستثمربن
لكن الوضع الأمني المتردي في الأنبار، يثير التساؤل عن مدى واقعية وإمكانية تنفيذ الخطط والأفكار وترجمتها على أرض الواقع في ظل الوضع الراهن في العراق والمنطقة عامة ولاسيما ما تشهده سوريا من اضطراب وحرب أهلية. ففي محاولة منه لطمأنة المستثمرين الحاضرين في المؤتمر وتشجيع آخرين للقدوم والاستثمار في الأنبار، أعرب المحافظ عن تفاؤله بالمستقبل، متعهدا أن تعمل الحكومة المحلية في المحافظة على توفير الأمن والاستقرار والحماية للمستثمرين وأن يصبح الوضع أفضل خلال مئة يوم. لكن الكاتب والإعلامي العراقي كفاح محمود، يرى أن المحافظ قد بالغ في تفاؤله بالمستقبل وتحسن الوضع الأمني "المتردي" خلال فترة قصيرة، كما يأمل. وأضاف محمود أن الملف الأمني معقد وليس سهلا، كما يتصور المحافظ. واستشهد بتجربة إقليم كردستان الذي بات يعتبر ملاذا آمنا للاستثمارات الأجنبية، فقال إن سلطات الإقليم "واجهت ولسنوات، مشاكل كثيرة لحين ما تم إقناع المستثمر الأجنبي وحتى الوطني في بغداد لكي ينتقل بأمواله إلى إقليم كردستان.. ففي التسعينات والسنوات الأولى (بعد سقوط نظام صدام عام 2003) لم تكن هناك أي شركة أجنبية في الإقليم" وبدأت الاستثمارات بالتدفق بعد عام 2005.
وممثل إحدى الشركات الاستثمارية في المؤتمر أكد لبرنامج العراق اليوم على أهمية الجانب الأمني، بقوله إن أصحاب الاستثمارات ورؤوس الأموال سيراقبون الوضع "حتى يحين اليوم الذي تتلاشى فيه المخاطر الماثلة في هذه المدينة (الأنبار) فيتاح لرؤوس الأموال الأجنبية التدفق إلى المكان وتحقيق استثمارات مجدية".
إلى جانب الأمن وغياب المناخ الاستثماري، يعتبر الفساد المستشري في المحافظة، كما في باقي أنحاء البلاد، معوقا أساسيا لقدوم الشركات والاستثمارات وخاصة الأجنبية منها. وتشكل مكافحة الفساد تحديا كبيرا للحكومة المركزية في بغداد وللمحافظة أيضا، والتي تسعى جاهدة لتحسين صورتها لتشجيع المستثمرين وإقناعهم بالمشاركة والاستثمار في المشاريع وخاصة الضخمة منها.
وبشأن مكافحة الفساد في محافظة الأنبار يقول حميد أحمد الهاشم، عضو مجلس المحافظة، في حواره مع برنامج العراق اليوم، إن الحكومة المحلية عازمة على "ألا يكون هناك فساد إداري أو مالي في كل جوانب الحياة وخاصة الاستثمار، وهذا ما سيلاحظه المستثمر الموجود حاليا والذي سيأتي إلى المحافظة".
لكن الأمر ليس بهذه السهولة التي يتصورها الهاشم، وقد أشار إلى ذلك د. مهران موشيخ بقوله إن ذلك "بعيد ويدخل في حيز الاستحالة، لأن الفساد الموجود في العراق عموما، هو أخطبوط" ليس بإمكان أي محافظ أو نائب أو وزير أو أي مسؤول أن يقضي عليه بالتصريحات.
وإلى حين تحسن الوضع في محافظة الأنبار وقدوم الاستثمارات المحلية والأجنبية، يبقى السؤال عن مدى إمكانية تحقيق الطموحات وترجمة الخطط والمشاريع على أرض الواقع وعدم بقائها مجرد حبر على ورق، يتغني بها المسؤولون لإسكات المحتجين وذر الرماد في العيون، كما يقول المتابعون للشأن العراقي.