الاقتصاد جسر للتواصل بين ألمانيا وتركيا
تعتبر ألمانيا أحد أهم البلدان بالنسبة لتركيا وخاصة على الصعيد الاقتصادي. فلو نظرنا الى قائمة شركائها على صعيد التجارة الخارجية، نجد أن ألمانيا تحتل مركز الصدارة بدون منازع. وعلى الجهة المقابلة تنظر ألمانيا الى تركيا باعتبارها احدى أهم الاسواق المؤهلة للنمو بوتيرة سريعة ومستمرة، الامر الذي يشكل مرتعا خصبا للشركات الالمانية الباحثة عن توسيع نشاطاتها الاقتصادية. ورغم أن الارقام المسجلة لحجم التبادل التجاري بين البلدين مرتفعة والعلاقات الاقتصادية بين البلدين في قمة ازدهارها، يزمع المسؤولون الالمان والاتراك على وضع خطط طموحة تجعل من البلدين شريكين استراتيجيين على المدى الطويل. ومن هنا جاءت فكرة عقد الملتقى الاقتصادي المشترك الاول في اسطنبول اليوم حيث سيتم التباحث فيه بين كبار الساسة ورجال الاعمال حول السبل الكفيلة برفع وتحسين مستويات التصدير والاستيراد والاستثمار المتبادل بين البلدين العضوين في حلف شمال الاطلسي الناتو. وقد افتتح الملتقى كل من المستشار الالماني غرهارد شرودر ورئيس الحكومة التركي رجب طيب اردوغان. وحسب المعلومات المتوفرة لدينا، سيشارك قرابة 2000 شخص في الملتقى، حيث يعمل معظمهم على استغلال الفرصة لايجاد شركاء يتمتعون بالجاذبية والمصداقية ليس على الصعيد الاقليمي فحسب، بل على الصعيدين الاوروبي والدولي.
النمو هو القاعدة الصلبة لأي تعاون
"العلاقات الاقتصادية الالمانية قوية جدا الآن، ولا يمكن أن تكون في المستقبل الا افضل وأقوى"، هذا ما قاله البروفسور فاروق شين رئيس مركز الدراسات التركية. وتجدر الاشارة الى أن الاقتصاد التركي حقق نسبة نمو بلغت 8.9 % في العام الماضي، ويتوقع المحللون أن تصل نسبة النمو هذا العام 5% وهي أرقام تفوق مثيلاتها في ألمانيا بشكل كبير جدا. ومن الملفت للنظر في ألمانيا هو تعديل الخبراء والحكومة على السواء ارقامهم بشأن نسب النمو المتوقعة للسوق المحلية في بلادهم الى الأسفل، بينما يشهد قطاع التصدير ازدهاراً منقطع النظير. وتأتي تركيا على رأس الدول المستوردة للسلع الالمانية من كافة القطاعات، فقد أوضحت البيانات الاقتصادية بهذا الخصوص أن الصادرات الألمانية ارتفعت بنسبة ثلاثة أضعاف في السنوات العشر الاخيرة. وشهد عام 2004 لوحده ارتفاعا للصادرات الالمانية الى تركيا بنسبة 30%. وتحتل تركيا المركز 18 في قائمة الدول التي تربطها علاقات تجارية مع ألمانيا، قبل اليونان والبرتغال البلدين العضويين في الاتحاد الاوروبي.
استثمارت ألمانية مباشرة
على صعيد آخر تشكل تركيا أيضا تربة خصبة للاستثمارات الالمانية المباشرة. فهناك عدد من شركات صناعة السيارات والانسجة وصناعات الادوية ومستحضرات التجميل التي تملك خطوطا انتاج في المدن التركية. ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر شركة صناعة المركبات "مان MAN" التي قامت بانشاء معمل ضخم لصناعة قطع غيار الباصات السياحية الفاخرة وتقوم بتسويق منتجاتها في تركيا والدول المجاورة اضافة الى دول شرق أوروبا. ولا يقتصر الوجود الالماني على الشركات الضخمة والبنوك، بل أن الشركات المتوسطة الحجم التي تشكل عماد ومصدر قوة الاقتصاد الالماني اتجهت في السنوات الاخيرة الى فتح خطوط انتاجية لها في تركيا. وعلى ضوء ذلك ترى هذه الشركات في المؤتمر الاقتصادي التركي- الالماني فرصة ذهبية للبحث عن شركاء ذي مصداقية وكذلك لتوضيح بعض المسائل الإجرائية والقانونية ذات العلاقة.
جاذبية السوق الألمانية للأتراك
لم يتأخر رجال الاعمال الاتراك في التغلغل في السوق الالمانية في الوقت المناسب واكتشاف جاذبيتها ومواطن قوتها، لا سيما وان أكثر من 2.5 مليون تركي يعيشون في ألمانيا وتربطهم علاقات اقتصادية وطيدة بوطنهم الأم، الامر الذي يفسر وجود مؤسسات خدمية تركية بشكل كبير في معظم المدن الالمانية الكبرى. وهناك على سبيل المثال حوالي عشرة بنوك تركية فتحت لها فروعا متعددة في ألمانيا، اضافة الى شركات السياحة وعلى رأسها الشركة السياحية الالمانية العملاقة "أوغر تورز" التي تحمل اسم مؤسسها التركي فورال أوغر الذي قدم الى ألمانيا في سن الـ 17 وعمل في احدى المصانع، ثم قام بتأسيس الشركة التي تعد اليوم واحدة من أكبر الشركات السياحية في المانيا وبرأس مال يُقدّر بمئات الملايين.
حنكة الأتراك لا تقتصر على "الكباب"
ظلت سمعة الأتراك في ألمانيا مرتبطة لفترة طويلة ببيع الكباب (الشاورما التركية)، ولذلك يرى الزائر الى ألمانيا الانتشار الكبير لهذه المحلات التي يمكن تشبيهها بأكشاك بيع الفلافل في بلاد الشام. الا أن هذا الامر شهد تغيرا جذريا في السنوات العشرة الأخيرة، وذلك على حد قول البروفسور فاروق شين، الذي لاحظ انتقالا في هيكلية ونوعية الشركات التركية من حيث كونها شركات عائلية بسيطة الى شركات خدمية متنوعة المنتجات. ويشكو البروفسور من أن هذه الحقيقة لم تجد طريقها بشكل كاف الى وعي الألمان الذين ما زالوا يحتفظون بصورة الاتراك في ستينات وسبعينات القرن الماضي. واشار فاروق شين الى أن "23% فقط من الشركات التركية تعمل في قطاع المطاعم السريعة، في حين أن 77% منها هي شركات خدمات متنوعة مثل شركات التأمين والمحاماة والعيادات الطبية والاستيراد والتصدير. عن هذه الشركات لا يتحدث أحد." ومن الجدير بالذكر أن هناك 60 ألف شركة تركية مسجلة في ألمانيا، تم أنشاء معظمها من قبل العمالة التركية الوافدة الى المانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
لا شك أن الحكومة الالمانية تعي هذه الحقائق جيدا وهذا ما يفسر الاندفاع القوي للحكومة والاقتصاد الألمانيين بقوة باتجاه بلاد الاناضول مستفيدين من وجود أكثر من 2.5 مليون تركي في ألمانيا يشكلون بالتأكيد قاعدة صلبة لأي تعاون اقتصادي في المستقبل.