الانتخابات الألمانية وتداعياتها على العلاقات مع العالم العربي
تلعب ألمانيا دورا اقتصاديا وتنمويا وسياسيا هاما في المنطقة العربية وان كان هذا الدور غير معروف ولا يحظى بالتغطية الإعلامية اللازمة. المواطن العربي لا يعرف كثيرا عن مشاريع التنمية التي تقوم بها ألمانيا في بلاده، كما لا يعرف سياسة ألمانيا تجاه قضايا الشرق الأوسط عموما والصراع العربي الإسرائيلي بوجه خاص. وتختلف إلى حد كبير سياسة ألمانيا تجاه الشرق الأوسط ومواقفها باختلاف توجهات الحزب الحاكم أو أحزاب التحالف الحاكم.
سياسة ألمانيا تجاه المنطقة
ويتوقف دور ألمانيا في المنطقة العربية وسياستها الخارجية عموما على طبيعة الحزب الحاكم والحكومة المنبثقة عنه. وتؤكد التجارب التاريخية في مواقف عدة أن هوية الحكومة في ألمانيا، يسارية أو يمينية، هي التي تحدد طبيعة السياسة الخارجية الألمانية في الشرق الأوسط ومن القضايا العربية عموما. فالحكومات اليمينية المحافظة تنتهج على سبيل المثال سياسة خارجية أكثر تبعية للسياسة الأمريكية في المنطقة إلى حد تبدو وكأنها ـ ان لم تكن كذلك بالفعل ـ سياسة تابعة للسياسة الأمريكية. أما الحكومات ذات التوجه اليساري فانها تحاول صوغ سياستها تجاه المنطقة بشكل متحرر من التبعية الأمريكية.
الصراع العربي الإسرائيلي
حاولت حكومة اليسار الألمانية الحالية المؤلفة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر انتهاج سياسة متوازنة إلى حد كبير فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي مع عدم إهمال استحقاقات التاريخ الألماني على ألمانيا تجاه إسرائيل الذي يعد بمثابة خط أحمر أمام أي حكومة ألمانية، الأمر الذي أكسب ألمانيا ثقة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. وفي هذا الصدد عملت حكومة شرودر سواء بشكل منفرد أو في إطار مؤسسات الاتحاد الأوروبي على دعم عملية السلام وتقديم الدعم للسلطة الفلسطينية في مجالات تنمية مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني وإعادة البنية التحتية وتحقيق الاستقرار. وفضلاً عن ذلك لعب وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر المشهور بالحنكة الدبلوماسية دورا مهما في تقريب وجهات النظر والتوسط لإعادة طرفي الصراع إلى الحوار والعودة إلى الحل السلمي كلما توتر الوضع بينهما. ويذكر في هذا السياق أن الحكومة الألمانية بذلت جهودا مضنية للتوسط بين حزب الله اللبناني وإسرائيل لتبادل إطلاق الأسرى ورفات قتلى الحرب.
الموقف من حرب العراق...
عقب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية أعلن المستشار الألماني جيرهارد شرودر "تضامن ألمانيا غير المحدود مع واشنطن" في حربها على الإرهاب وأرسل قوات ألمانية إلى افعانستان للمشاركة في تلك الحرب. غير أن موقف شرودر من الحرب على العراق كان مختلفاً تماماً، فقد رفض رفضا قاطعا مشاركة بلادة في الحرب مبررا ذلك بأن الوسائل الدبلوماسية لم تستنفد بعد لإقناع صدام حسين بالإلتزام بقرارات الأمم المتحدة. كما قطع وعداً أمام ناخبيه مفاده أن "ألمانيا لن تشارك في الحرب على العراق مادام هو في السلطة". هذا الموقف الالماني اصاب العلاقات الالمانية الامريكية بالفتور والجمود. غير ان شرودر بهذا الموقف قد انقذ المانيا من الدخول في مستنقع الحرب الذي كان سيكلفها الكثير دون ان يعود عليها بشيء. وبناء على هذا الموقف نجح شرودر في كسب أصوات الكثير من الناخبين الألمان في حملته الانتخابية قبل أربعة أعوام. ويذكر ان غالبية الشعب الالماني كان معارضا بشدة لشن الحرب على العراق.
....ومن الملف النووي الإيراني
سياسة ألمانيا تجاه إيران نابعة أصلاً من مصالح اقتصادية لألمانيا بالدرجة الأولى. وقد تجلت تلك السياسة بوضوح في تبني ألمانيا ومعها بعض دول الاتحاد الأوروبي لموقف يدعو إلى التوصل إلى صيغة سلمية لحل الملف النووي الإيراني. فقد حاولت ألمانيا في إطار الترويكا الأوروبية التعامل مع هذا الملف للحيلولة دون نشؤ أزمة دولية ونقل الملف إلى أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهو موقف مناقض لما كانت الإدارة الأمريكية تسعى إليه. وعموما يمكن القول أن هذا الموقف يحسب لحكومة شرودر اليسارية، كما يعتقد على نطاق واسع ان أي حكومة يمينية أخرى كانت ستتعامل مع الأمر حسب وجهة النظر الأمريكية.
......و انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي
موضوع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في حد ذاته ليس ذو أهمية كبيرة بالنسبة للعالم العربي. غير ان المسالة تؤخذ كمثال على مدى رغبة الغرب الأوروبي في قبول دولة إسلامية في "النادي المسيحي" الأوروبي وقدرته على التعايش مع ثقافة إسلامية. وتدعم حكومة تحالف الحزب الاشتراكي وحزب الخضر الألمانية الحالية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بينما تعارض الأحزاب اليمينية المسيحية ذلك بشدة وتكتفي بمنح تركيا صفة "الشريك المفضل".
الانتخابات الألمانية في مرآة الأعلام العربي
كما سبقت الإشارة فان السياسة الألمانية في الشرق الأوسط لا تحظى بتغطية إعلامية مناسبة من قبل وسائل الإعلام العربية وبالتالي فان الانتخابات الحالية وما قد يتمخض عنها تظل إلى حد كبير خارج نطاق اهتمامات الأعلام العربي. الاعتقاد السائد هو ان الأمر سيان ان وصلت إلى السلطة حكومة يمينية أو يسارية. ويلاحظ المراقب ان الاعلام العربي لا يُعطي اهتماما مناسبا للسياسة الألمانية الداخلية أو الخارجية مقارنة مع الاهتمام الإعلامي بالسياسة البريطانية والفرنسية مثلاَ. ويغلب محور الاقتصاد على تناول الإعلام العربي للانتخابات البرلمانية الألمانية الحالية وما قد يقود إليه انتقال السلطة من تغير في السياسة الاقتصادية الألمانية وبالتالي في سوق الاستثمارات الأجنبية وذلك ما يهم المستثمرون العرب.
د. عبده جميل المخلافي