الانتخابات العربية: خطوة إلى الأمام..."قفزة" الى الخلف
الانتخابات المصرية التي هلل لها الجميع بتفاؤل حينا وتشاؤم أحيانا كثيرة تم إجراؤها ونتيجتها طبعا معروفة مقدما قبل فرز الأصوات. المواطن المصري أدلى بصوته بصرف النظر عن الطريقة التي تمت بها عملية الاقتراع و تحت أي ظرف وبأي شكل، بثمن أو بدون ثمن، بل ربما إن البعض لم يدل بصوته وأقُتُرع عنه بالوكالة حيا كان أو حتى ميتا. بالمناسبة الاموات يصوتون في الانتخابات العربية فقد سجلت في بعض الدول العربية حالات تصويت اناس متوفين تم الاقتراع نيابة عنهم باشهار بطاقاتهم في المراكز الانتخابية.
وسائل الإعلام لم تحقق سبقا صحفيا مثيرا عندما خرجت على جمهورها قبل إعلان النتيجة لتخبرهم بأن عمليات الفرز أكدت تقدم الرئيس مبارك على منافسيه وتوقعت بأنه "سيفوز" "بأغلبية مريحة" و "أغلبية ساحقة". هذه النتيجة كانت أصلا متوقعة بل ومعروفة سلفا للمواطن العربي العادي جدا قبل المحلل السياسي البارع. ولا يحتاج المرء إلى براعة معينة أو قدرة تحليلية خارقة للتنبؤ وقراءة الطالع لمعرفة الفائز. المواطن العربي في هذه النقطة بالذات يفوق في قدراته التحليلية عباقرة السياسة وقراء الحظ والطالع. وهذه ـ أي قراءة الطالع ـ رغم أهميتها وانتشارها في العالم العربي عموما ومصر تحديدا ولها رجالها ومتخصصيها إلا أنه فيما يتعلق بالتنبؤ بنتائج "الانتخابات العربية" فكل مواطن عربي يجيد هذا الفن ببراعة ويمارسه انطلاقا من حق مكتسب لكل مواطن ومواطنة في التنبؤ. ولعل ذلك من الحقوق الديمقراطية الأساسية المسوح بممارستها سرا وعلنا!
ربما لهذا السبب لا توجد في العالم العربي معاهد معتبرة لاستطلاع أراء الناخبين وقياس توجهاتهم. فحدس وخبرة المواطن العربي يفوقان قدرة تلك المعاهد المتوفرة. وهي ـ أي المعاهد ـ إن وجدت فليست ذات معنى كما لا تحتاج للقيام بأية مسوحات ميدانية. فنتائج الانتخابات معروفة مقدما ومعروف أن "الريس" سوف يحصل على "الأغلبية الساحقة" وفي أسوأ الأحوال "الأغلبية المطلقة" قبل أن تتم الانتخابات.
بالمناسبة مصطلح "الأغلبية الساحقة" اختراع عربي بحت ويعني سحق الحاكم لمنافسيه وللشعب سحقاً ديمقراطياً. أما مصطلح "الأغلبية" فيعني في نظريات النظم السياسة والقانونية نصف الأصوات زائد واحد، أي 51%. أما في قاموس "الانتخابات العربية" فيعني نصف الأصوات زائد النصف الأخر، أي 50% + 50% وهو ما يعادل ـ طبعا وفقا لنظرية الحساب التي هي ايضا اختراع عربي ـ 99.99%، علما انه قد تم مؤخرا اتخاذ قرار جرئ بتخفيض النسبة قليلاً لكي تبدو "المسرحية الديمقراطية" أكثر اتقانا وتتناسب وعصر العولمة.
لا نريد أن نكون متشائمين وسوداويين ومنكري "هبة" الزعماء العرب وفضلهم علينا. هؤلاء الذين يتفضلون علينا بأجراء انتخابات بغض النظر عن نتائجها. فالانتخابات في حد ذاتها "قفزة نوعية" في رأي البعض. وهي "قفزة" محسوبة للحاكم الذي جاء إلى السلطة عن طريق "القفز" على ظهر الشعب. وهي كذلك بالمقاييس العربية فقط لان الانتخابات في العالم الديمقراطي هي استحقاق دستوري وحق نابع من المواطنة وليس "للقفز" مجال هنا ولا للحاكم أي فضل فيها.
الانتخابات في العالم العربي تعتبر في نظر البعض "خطوة جبارة". قد تكون كذلك، لكنها تشبه إلى حد كبير وضع مريض مشلول كليا استطاع فجأة تحريك إحدى أصابع قدميه فهلل وصاح فرحا على اعتبار أن"مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة" أو"حركة أصبع". وينسى في غمرة الفرحة الطارئة والمؤقتة أن الوصول إلى نهاية المسافة هو الهدف، وهو ما قد يحتاج إلى ألف سنة وليس إلى ألف خطوة أو حتى ألف "قفزة". إذ أن الخطوات وحتى "القفزات" في حد ذاتها ليست الهدف وإنما الوسيلة، وهي لا تعني دائما التقدم نحو الإمام فهناك خطوات إلى الأمام مثل ما هناك خطوات إلى الخلف. وما ينطبق على عالمنا العربي هو منطق خطوة إلى الإمام و"قفزة" أو ربما "قفزتين". ..ولكن ...إلى الوراء...
تعليق: د. عبده جميل المخلافي