البودكاست – إعلام رقمي لمواجهة الإعلام الرسمي في المغرب
١٦ أكتوبر ٢٠١٤في ظل الإقبال الكبير للشباب على المواقع الاجتماعية وخاصة فيسبوك، تسعى مجموعة من الشباب المغربي إلى صناعة إعلام بديل ومستقل يتطرق إلى الطابوهات ويعالج "المسكوت عنه" في الإعلام الرسمي، ويتجاوز كذلك خدمات البودكاست ذات الخلفية الوعظية أوالإرشادية.
تجاوز للإعلام الرسمي؟
وفي هذا السياق، يقول "البودكاستر" (المهتم بخدمات البودكاست) الشاب محمد اعبابو لـ DW /عربية إن المواضيع التي تتطرق إليها خدمة البودكاست التي يقوم بها فريقه في برنامجه "مشيتي بعيد"، هي "بالدرجة الأولى مواضيع تشكل طابوهات في المخيلة العامة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، لكن الجانب السياسي حاضر أكثر، لأننا نحاول الربط بين الواقع وسياسات الدولة وأخطائها". ويضيف اعبابو: "إنها برامج بديلة بالنسبة للمشاهد كتعويض لما نرى حولنا من تفاهات ولما يُقال في الإعلام الرسمي أيضا ".
ويتفق "البودكاستر" الشاب علي بيدار مع زميله محمد اعبابو في أن البودكاست يشكل محاولة لتجاوز الإعلام الرسمي. فبرنامجه بعنوان "هذا ماشي بودكاست" يهدف حسب قوله إلى "تقديم مضمون يحترم ذكاء المشاهد المغربي، وهو الشيء الذي يفتقد إليه الإعلام الرسمي، ولذلك اخترت للبرنامج شعار"المغاربة ماشي مكلخين" (أي المغاربة ليسوا أغبياء)".
غير أن "البودكاستر" الشاب بلال الجوهري يرى من جهته أن كلمة الإعلام الرسمي "كلمة ثقيلة جدا لأن جمهور الأنترنت محدود ومن الصعب منافسة الإعلام الرسمي ، غير أنه يمكن الحديث عن خدمة البودكاست كإعلام بديل في المستقبل إذا حدثت تجارب عالمية في هذا المجال".
من جهتها، ترى شامة درشول، محاضرة دولية في الإعلام الاجتماعي من أجل التغيير، أنه "يجب تجاوز مصطلح "الإعلام البديل" لأن خدمة البودكاست تدخل في إطار إعلام جديد، انطلق بقوة وأصبح يُطلق عليه الإعلام الرقمي، كما يمكننا أن نتحدث هنا عن إعلام وسيط تستخدمه فئة لديها الشعور أن الإعلام التقليدي لا يمثلها".
السخرية والعقل
ينشر البودكاستر بلال جوهري فيديوهات على موقعي يوتيوب وفيسبوك، تتناول مواضيع اجتماعية وثقافية مختلفة وتدخل في نطاق ما يسميه بـ"السخرية السوداء"، غير أن ذلك لم يمنعه من إنتاج "فيديوهات أخرى تدخل في قالب الجدية، تحدثت فيها عن مواضيع سياسية مختلفة، ومنها قضية الاعتقال السياسي" كما يقول.
ولا يخلو برنامج "مشيتي بعيد" لمحمد اعبابو وفريقه من طابع السخرية أيضا، حيث يعتبر هذه الأخيرة الطريقة الأنسب من أجل كسب تفاعل الشباب والمساهمة في توعيته وخلق نوع من التثقيف السياسي.
تتضمن خدمة البودكاست للشابة المغربية ابتسام فجار أفكارا وكيفية رؤيتها للعالم والإنسان والمجتمع المغربي، كما تتناول التفاصيل في الحياة اليومية للإنسان المغربي والتي تمر أحيانا دون أن تثير انتباه أحد. الهدف منها هو إثارة انتباه المشاهد لهذه الأشياء، كما تؤكد المتحدثة. "هدفي هو أن أجعل الناس يفكرون وينتقدون ويناقشون القضايا التي تهمهم، وهذا بالنسبة لي طريقة مثلى لتغيير المجتمع".
نفس الشيء بالنسبة للبودكاستر الشاب علي بيدار الذي يسعى إلى "خلق عصف ذهني افتراضي للرقي بمستوى النقاش الشبابي في الويب المغربي، وكذا لتشجيع المشاهد المغربي على النقد والتحليل والتساؤل والبحث عن المعلومة عوض استهلاك المعلومة الجاهزة.
تؤكد شامة درشول، المحاضرة في الإعلام الاجتماعي من أجل التغيير، أن "البودكاستيين الجدد" يتميزون عن غيرهم من خلال ما يطرحونه من مواضيع تلمس واقعهم بطريقة ساخرة أو فكاهية. وهذا المزج بين النقد والسخرية، كان غائبا بشكل ما عن "البودكاستر السابق"، حيث كانت الجدية تطغى على كيفية طرح الموضوع وتضيف: "لقد استطاع الكثير من "البودكاستيين الجدد" لمس مناطق كانت تُعتبر محظورة، كما انتقدوا المجتمع المحافظ بروح فكاهية ودون استفزازه".
البودكاست والنضال
انتقل الكثير من الناشطين في حركة 20 فبراير بالمغرب من النضال في الشارع إلى النضال من خلال المواقع الاجتماعية وبالضبط عبر خدمة البودكاست، فعالجوا عبره مختلف المواضيع والقضايا التي كانوا يدافعون عنها أثناء الحراك، مثل موضوعات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار جاء محمد التسولي ببرنامجه "التسوليزم" الذي حقق نسب مشاهدة مرتفعة، وكذا برنامج "مشيتي بعيد" لمحمد اعبابو، وغيرها من البرامج التي أعادت التنفس للشباب لمناقشة القضايا الحقوقية والسياسية بعد أن هدأ حراك 20 فبرايرفي الشارع.
يقول "البودكاستر" محمد التسولي لـ DW/عربية : "قد ظهرت الكثير من الأشكال الإبداعية في المغرب بعد حركة 20 فبراير، ومنها "الفلسفة في الزنقة"، و "مسرح الشارع" و"البودكاست". لقد جاءت كل هذه الأشكال لتكون امتدادا لهذا الحراك. وبالطبع يختلف الأمر عند الحديث عن مدى التأثير، غير أن كل شكل نضالي له تأثيره الخاص".
ظهرت في المغرب تجارب عديدة في هذا المجال، غير أنها اختلفت عما ما يقوم به "البودكاستيون الجدد"، حيث كانت تتميز بنفس وعظي، مثل بودكاست حنان أمجد، والبودكاست الديني (الشيخ سار)، والبودكاست الساخر (ياسين جرام، مول الكاسكيطة).
وترى شامة درشول أنه "أمام هذا الغزو الكبير للبودكاست في الشبكات الاجتماعية يجب على البرامج التدريبية التي تقدمها المنظمات الدولية والوطنية أن تتماشى مع طموح "الشباب البودكاستي" الحالي ومع رغبتهم في وجود وسيلة تعبر بدقة وسرعة، بعيدا عن تعقيدات التكنولوجيا".