التحرش مجدداً في مصر ـ الشرطة في دائرة الاتهام
١٦ ديسمبر ٢٠١٤على مرأى ومسمع من المارة في وسط العاصمة المصرية القاهرة، ألقت فتاة بنفسها في نهر النيل في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، هربا من شاب كان يحاول التحرش بها. ورغم تأكيد شهود عيان أن الفتاة كانت تجري هربا من الشاب المتحرش بها، وألقت بنفسها في النيل بعد تهديد الشاب لها بإلقاء مياه النار عليها، نفى ضباط للشرطة أن تكون الفتاة قد ألقت بنفسها هربا من التحرش، وقالوا إنها "انتحرت بسبب خلافات أسرية".
وحسب دراسة أصدرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومعهد التخطيط القومي، والمجلس القومي للمرأة في أبريل/ نيسان 2013، يعاني نحو 99 بالمائة من النساء في مصر من ظاهرة التحرش الجنسي، كما أشارت الدراسة إلى أن 95 في المائة من المصريات لا يشعرن بالأمان في وسائل النقل العام وأن 91 بالمائة من النساء لا يشعرن بالأمان في الشوارع المصرية.
"قفزت في النيل حتى لا يستباح جسدها"
قصة الفتاة التي ألقت بنفسها في النيل، لقت متابعة من مبادرة "شفت تحرش"، والتي أصدرت بيانا "نعت فيه "قتيلة التحرش الجنسي" التي اختارت مقاومة المتحرش بالقفز في نهر النيل حفاظاً على حقها في حياة آمنة وكريمة لا يستباح فيها جسدها"، مشيرة إلى أن النائب العام بدأ تحقيقا في الواقعة.
واعتبرت المبادرة التصريحات التي صدرت عن بعض ضباط قسم شرطة قصر النيل حول الواقعة بأنها "غير مسؤولة"، ووجب التحقيق معهم بتهمة الإهمال الجسيم نظرًا لمحاولتهم طمس الحقيقة والادعاء كذباً بأن الفتاة حديث الموضوع قد انتحرت نتيجة خلافات أسرية، وهو ما نفاه شهود عيان على الواقعة"، حسب البيان.
ويشير فتحي فريد، المتحدث باسم مبادرة "شفت تحرش"، في حديثه مع DW عربية إلى أن صناع السياسات ومسؤولي الأمن في مصر يحملون النساء مسؤولية التحرش الجنسي، فعندما تم الاعتداء جنسيا على طالبة داخل كلية الحقوق في جامعة القاهرة العام الماضي علق رئيس الجامعة الدكتور جابر جاد نصار أن ملابس الفتاة كانت غير لائقة وأنها قيد المحاسبة وكأنها هي الملامة.
وبمناسبة عيد الأضحى الماضي، قال اللواء إيهاب مخلوف مسؤول إدارة مكافحة العنف ضد المرأة ضمن نصائحه للفتيات أنه يجب أن يبتعدن عن الملابس الصارخة التي تثير حماس الشباب". وطالب فريد بتفعيل تواجد ضابطات الشرطة في الأماكن العامة، على أن تتواجد ضابطة شرطية كحد أدنى في ديوان كل قسم شرطة على نطاق الجمهورية، مشددا على ضرورة التعامل بجدية في جرائم العنف الجنسي، وليس الاستخفاف بهذه الجرائم كما يحدث حاليا في أقسام الشرطة" حسب قوله.
معاناة ضحايا التحرش داخل أقسام الشرطة
وتؤكد الصحفية الشابة آلاء سعد حديث فريد حول الاستخفاف بقضايا التحرش قائلة: "كان أول احتكاك مباشر شخصي بجهاز الشرطة لمحاولة أخذ حقي من متحرش بالقانون في 2013. خلال هذه التجربة واجهت تعنّتاً من قبل القائمين على قسم الدقي، وتعرضت للإهانة من الضابط المسؤول آنذاك". وتابعت الصحفية الشابة: "قال لي الضابط: إنتي عندك عقدة من الرجالة؟".
وواصلت آلاء سعد سرد تجاربها مع جهاز الشرطة لـDW عربية قائلة: "تكررت التجارب السيئة في محاولاتي المتكررة لتحرير محاضر للمتحرشين في أقسام الشرطة مثل "قسم الساحل بشبرا" والذي كدت أقضي فيه ليلتي في الزنزانة كخصم في مشاجرة، وليس كضحية تحرش". واستطردت سعد قائلة: "لم أسلم من انتهاك الشرطة نفسها مثلما حدث أثناء أداء عملي الصحفي في 28 يناير/ كانون الثاني 2013 حين تعدت علّي الشرطة النسائية أمام أكثر من 15 ضابطًا وبمباركتهم ونزعت عني حجاب الرأس، وشهدوا تحرشًا تعرضت له بعد اعتدائهم دون أن يُحركوا ساكنًا".
وتشير إلى أنه في إحدى المحاولات للحصول على حقها من فرد أمن متحرش بمنطقة غاردن سيتي، "اضطررت إلى تحرير محضر صلح بقسم قصر النيل قائلة "لأنني حين اعترضت على تحرشه بي اتهمني بأنني "اعتديت عليه أثناء أداء مهامه الرسمية".
خبير أمني: الشرطة غير مقصرة
بيد أن العميد خالد عكاشة، الخبير الأمني والمحاضر بأكاديمية الشرطة اعتبر أن "قصة انتحار الفتاة موضوع شاذ، لم يحدث من قبل، وارتباطها بظرف الموقف، وبالتالي لا يمكن القياس على هذه الحالة فيما يخص أداء الشرطة"، مشيرا في حديثه مع DW عربية "أن أصل مشكلة التحرش أخلاقية ومجتمعية يمكن أن تحصل في أي وقت وأي مكان دون وجود الشرطة". وحاولت DW عربية الحصول على تصريحات رسمية من قيادات في وزارة الداخلية إلا أنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريحات قبل الحصول على تصريح مكتوب من المكتب الإعلامي للوزارة.
ولا يرى عكاشة أن الدولة أو الشرطة مقصرة تجاه مواجهة التحرش، وبرهن على ذلك بجهودها في تغليظ العقوبات وانتشار الدوريات الأمنية وتراجع عدد بلاغات التحرش، ولكنها لم تصل إلى الحد الآمن. ورفض في الوقت ذاته الاتهامات الموجهة للشرطة حيال سوء طريقة تعاملهم مع المتحرشات، قائلاً" الأمر تغير في السنوات السابقة، لأنه أصبح هناك تعامل جاد من الجهاز الأمني في القبض على المتحرش ومواجهته". ورأى أن مسؤولية الشرطة للحد من مشكلة التحرش تكمن في تكثيف تواجد الشرطة في الشارع العام، والاستعانة بالتقنيات التكنولوجية.
"ممارسات أجهزة الدولة متورطة في العنف الجنسي"
ونظمت 6 أحزاب سياسية مؤتمرًا صحفيًا الأربعاء الماضي لإعلان موقفها من تصاعد العنف الجنسي بالمجتمع، وذكرت في بيان مشترك أن "خطاب الدولة الرسمي محافظ، وممارسات أجهزتها متورطة في العنف الجنسي وضالعة فيه".
وقالت منى عزت المتحدثة باسم حزب العيش والحرية- تحت التأسيس وأحد الأحزاب التي وقعت على البيان- في تصريح لـDW عربية "إن الشرطة هي جزء أساسي من حل مشكلة التحرش الجنسي، لكن عدم وجود سياسات واضحة للتعامل مع هذه القضية يؤدي إلى استمرارها وتفاقمها".
وأكدت عزت أن هناك الكثير من المطالب حول هذه القضية أهمها ضرورة إعادة هيكلة وزارة الداخلية من منظور النوع المجتمعي، بداية من المناهج التعليمية التي يجب أن تشمل حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وتأهيل الشرطة في كيفية التعامل مع هذا الملف".