الحيوان الباكي: الشرق في الوجدان الغربي اليوم
١٨ فبراير ٢٠٠٦أربعة أسابيع قضاها الكاتب والمترجم الألماني ميشائيل كليبيرغ متجولاً في شوارع بيروت، في إطار برنامج "الديوان الشرقي الغربي" للتبادل الثقافي برعاية معهد غوته. كانت هذه الأسابيع الأربع حافلة بالذكريات واللقاءات التي شكلت مادة يوميات رحلته اللبنانية التي يتأمل فيها الكاتب الحالة الإنسانية عموماً ونفسه بشكل خاص. في إطار برنامج "الديوان الشرقي- الغربي"، الذي يقوم على التلاقي الأدبي، قام معهد غوته باعداد البرنامج الذي مكن أدباء عرب وألمان من العيش في بيئة الآخر ومحيطه الثقافي. وكان الجزء الأول من التلاقي زيارة الكاتب اللبناني عباس بيضون لبرلين في نهاية عام 2002 لعدة أسابيع، ليكون ضيف الشرق على الغرب. وعايش بيضون الحياة اليومية وطريقة تفكير مثقف ألماني، كان ميشائيل كليبيرغ نفسه. وفي المرحلة الثانية من البرنامج حل كليبيرغ ضيفاً على بيضون لمدة أربعة أسابيع ليسجل معايشاته وذكرياته في بيروت، التي شكلت المادة الأساسية للكتاب الذي أتى على شكل رواية عن رحلة، تدور أحداثها على مسرح خلفيته رؤى وأفكار متنوعة تتعلق بالسياسة وعلاقة الغرب بإسرائيل مروراً بمحارق النازيين لتنتهي بالحرب الأهلية.
المدينة البيضاء
كليبيرغ لا يكتشف مشرقاً في بيروت، التي يطلق عليها تسمية "المدينة البيضاء"، بل يرى الغرب هناك. إذ يلتقي المرء في "جمهورية الأدب الغربية" بنفسه، فالكثير من الأدباء والمثقفين اللبنانيين يعرفون هيغل ونيتشه وغوته وغيرهم من أعلام الفكر الغربي، في حين يجهل فيه نظرائهم الألمان عادةً الكثير عن أعلام الثقافة المشرقية. وهو ما يعيبه عليهم.
المؤلف لا يروي لنا عن حياته في بيروت وعن سكانها وحيواناتها فحسب، بل يرسم لنا صوراً شخصية لصداقته بمضيفيه البيروتيين عباس بيضون ورشيد الضعيف بشكل يتسم بالراهنية والحضور. وهذا الوصف يتيح للقارئ الإطلال على الثقافتين الغربية والمشرقية لاستقاء ما يريده من تراث الثقافتين في مجالات الفلسفة والأدب. كما يتناول المؤلف استمرارية هذه الصداقة ولقاءه بالآخر وبعالم بيروت الغريب الذي يفتح أمام كليبيرغ باباً مؤدياً إلى الذات.
ترجمة الكتاب إلى العربية
صدرت ترجمة عربية للكتاب مؤخراً عن دار كنعان بدمشق قام بها المترجم المصري سمير جريس، الذي تحدثنا معه عن المصاعب التي واجهها عند قيامه بترجمة الكتاب الحافل بالرؤى والأصوات المتعددة والأحداث المتشعبة. عن المصاعب الرئيسية التي واجهته يقول جريس: "ان الكاتب يحكي على لسان شعراء وكتاب أحياء، فكان لابد لي من توخي الدقة ومحاولة محاكاة لغتهم." كما ان الكتاب يضم بين طياته الكثير من الجمل المكتوبة بالفرنسية التي لا تعتبر لغة المثقفين في لبنان فحسب، بل اللغة المشتركة التي كان يتواصل بها الكاتبان، مما تطلب من المترجم، الذي لا يجيد الفرنسية، إلى الرجوع إلى بعض الأصدقاء من اجل مساعدته في ترجمتها إلى العربية. كما ان المترجم واجه صعوبة أخرى تمثلت في إعادة ترجمة أسماء الكثير من الاماكن والشوارع في بيروت التي أوردها كليبيرغ وقارنها مع أماكن تعرف اليها في رحلة له إلى ايطاليا. واعتبر جريس ان أمام الكتاب فرص تلقي كبيرة في العالم العربي قد لا تقتصر على تلقي القراء، بل سيتعداه إلى التلقي النقدي، لان الكتاب يتناول الكثير من المواضيع التي تهم القارئ العربي على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، كما انه يقدم تصوراً عن طبيعة علاقة الألمان بإسرائيل. وكانت بداية هذا التلقي النقدي الكثير من المقالات التعريفية بالكتاب.
الجدير بالذكر ان مشروع ليتريكس، الذي يسعى إلى التعريف بأحدث الإصدارات الألمانية في مجالات الأدب والفكر، قام بنشر مقتطفات من ترجمة الكتاب على موقعه. وعن دور الموقع في تقديم الأدب والثقافة الألمانيتين يرى جريس ان الموقع قدم ما من شأنه "تقريب المسافة بين الثقافتين الألمانية والعربية" من خلال تقديم الدعم المباشر لعشر ترجمات لكتب ألمانية إلى العربية، وما تزال هناك كتب أخرى قيد الترجمة.