السعودية- سياحة العمرة أم سياحة البيكيني!
٢٤ أغسطس ٢٠١٧إنه زمن الرؤى والخطط والمشاريع الهادفة لتنويع مصادر الدخل في السعودية. تعيد كثرة هذه الخطط والمشاريع والتفاؤل المرافق لإطلاقها، بالذاكرة إلى أيام دول الحقبة الشيوعية السابقة التي اعتمدت مشاريع وخطط مركزية سنوية وخمسية وعشرية ما يكاد يبدأ تنفيذ إحداها حتى يتم الإعلان عن الأخرى في أجواء احتفالية تبشر بوصول نسبة التنفيذ إلى أكثر من مائة بالمائة. في هذا السياق يمكن النظر إلى "المشروع السياحي العالمي" أو "مشروع البحر الأحمر" الذي أطلقه ولي العهد السعودي الأمير الطموح محمد بن سلمان على 50 جزيرة في البحر الأحمر "ضمن رؤية السعودية 2030".
ويشمل المشروع الذي ينبغي إنجاز مرحلته الأولى بحلول عام 2022 إقامة عشرات المنتجعات السياحية من فنادق ومسابح ومطاعم ومراكز ترفيه أخرى بمعايير عالمية في الرفاهية. ومما يعنيه ذلك حسب هذه المعايير عدم فرض ارتداء الحجاب والسماح باختلاط الرجال والنساء وحرية المرأة في ارتداء لباس السباحة التي يعجبها حتى ولو كان "البيكيني". وعلى هذا ستكون منطقة المشروع خارج نطاق القوانين والتقاليد السعودية التي تحرم على المرأة الاختلاط بالرجال من غير محارمها في الأماكن العامة وتمنعها من قيادة السيارة وتجبرها على ارتداء النقاب. أما تكاليفه التي لم يعلن عنها فيتوقع وصولها في المرحلة الأولى إلى عدة مليارات في الوقت الذي تواجه فيه البلاد صعوبات متزايدة في توفير المال بسبب استمرار تدهور أسعار النفط.
إشكالات لاتنتهي!
من حيث المبدأ أمر جيد جدا أن يطرح ولي العهد الشاب والطموح مشاريع في مختلف المجالات من أجل تحديث المملكة التي ما تزال بعيدة عن الحداثة باستثناء هذا المجال أو ذاك، غير أن طرح مشروع كهذا في بلد كالسعودية يطرح إشكالات لا تنتهي. أول ما يتبادر إلى الذهن هنا تمريره في بلد يسود فيه التزمت الديني والتطبيق الوهابي المتطرف والضيق لممارسة الشعائر الدينية بشكل يذّكر بالقرون الوسطى. الإشكالية التالية تكمن في الجدوى الاقتصادية الضعيفة التي يمكن توقعها منه، فالسعودية محاطة بمنافسين أقوياء أولها المنتجعات المصرية الرخيصة على البحر الأحمر والأردنية على خليج العقبة إضافة إلى الإماراتية في دبي وهي منتجعات اعتاد عليها الكثير من السياح الأجانب الذين تريد السعودية جذبهم. ومن الإشكاليات الأخرى المطروحة عدم توفر الكفاءات السعودية الشابة للعمل في المشروع وإدارته. ومما يعنيه ذلك الاعتماد على الأيدي العاملة الأجنبية بشكل يتناقض مع أهداف "رؤية السعودية 2030" التي تقول بأولوية توفير فرص العمل للشباب السعودي الذي يعاني في قسمه الأكبر من التهميش والبطالة.
أين المشروع من الرؤية؟
تشمل "رؤية السعودية 2030" التي أطلقها الأمير محمد مشاريع وأهداف عديدة من أبرزها زيادة عدد الحجاج والمعتمرين من 8 إلى 30 مليون معتمر وتخفيض نسبة البطالة إلى 7 بالمائة ورفع مساهمة الشركات المتوسطة والصغيرة من 20 إلى 35 بالمائة في الناتج الإجمالي. ويبدو هذان الهدفان الأكثر ملاءمة لطبيعة وظروف المجتمع السعودي الحالي. فالسياحة الدينية الذي اعتاد عليها من خلال الحج والعمرة يمكن أن تتضاعف أكثر من مرة لترفد الموازنة السعودية بأكثر من عشرة مليارات دولار إضافية قبل عام 2030. أما الشركات المتوسطة والصغيرة الجديدة فيمكن لقسم كبير منها التخصص بتقديم الخدمات والمستلزمات اللازمة لتطوير هذه السياحة التقليدية في المملكة المتزمتة. وعلى ضوء ذلك لم يكن من المتوقع الإعلان عن مشروع للسياحة العالمية على جزر شبه معزولة، بل عن مشروع إضافي لتطوير السياحة الدينية والثقافية يشمل مختلف مناطق المملكة التي لاتزال مجهولة للسائح والزائر بسبب ضعف الخدمات السياحية الداخلية والقوانين التي تقيد تنقل الزائر أو السائح من منطقة إلى أخرى.
الحل في السياحة الدينية
راهنت بلدان مثل مصر وقبلها تونس وتركيا على السياحة الدولية كمحرك للنمو، غير أن مشكلة السياحة في حساسيتها الزائده للهزات والأزمات السياسية والأمنية وما أكثرها في المنطقة العربية. وبما أن السعودية ليست خارج دائرة الهزات هذه، فمن الحري بها في هذا الزمن الذي يغرب فيه عصر النفط توخي الحذر الشديد وإعادة النظر في مشروع يكلف خزينة الدولة المليارات كمشروع البحر الأحمر. أما البديل فيكمن في القيام بمشاريع إضافية من شأنها تطوير السياحة الدينية والثقافية والصحراوية بالاعتماد على السعوديين والحجاج والمعتمرين. وهنا يطيب التذكير ببرنامج سياحي سعودي اسمه "سياحة ما بعد العمرة" يشمل جولات سياحية على أربع مسارات مكة- الطائف، ومكة- جدة، والمدينة ينبع والمدينة- العلا. وعلى هذه المسارات يستطيع السائح التعرف على مدن ومواقع تاريخية كثيرة في إطار زيارته للأماكن المقدسة. إن تطوير المرافق والمنتجعات السياحية على مسارات كهذه وصرف المليارات على البنية التحتية السياحية فيها يبدو في الظروف الراهنة أكثر جدوى من تطوير سياحة على جزر يمكن تصنيفها من المحميات الطبيعية النادرة والفريدة في عالمنا الملوث والذي تحدق به أيضا مخاطر التغيرات المناخية.