"الصدور العارية" شكل نضالي في مواجهة التشدد أم استفزاز للمجتمع؟
٥ أبريل ٢٠١٣"جسدي ملك لي و ليس مصدر شرف أحد" جملة ما كانت لتثير كل هذا الجدل لو أنها لم تكتب على صدر امرأة عربية عارية، صورة التونسية أمينة تيلر على الفيسبوك بملامحها الواضحة و هي تدخن سيجارة و تكشف عن صدرها شكلت خطوة غير مسبوقة في تونس، وأثارت مواقف متناقضة بين من خرج للشارع يتظاهر من أجل حمايتها و احترام حقها و حريتها في التعبير، وبين من اعتبر فعلها هذا شنيعا يستحق العقاب و القتل.
بدأت القصة أواسط الشهر الماضي عندما عرضت أمينة الناشطة في الفرع التونسي لحركة فيمن الحقوقية، صورتين على الفيسبوك يظهر فيها صدرها عاريا على غرار الشكل الاحتجاجي الذي تتبعه ناشطات الحركة في باقي أنحاء العالم، الهدف من هذه الخطوة حسب المنظمة هو "حماية النساء من القمع و سلطة الإسلاميين و تحقيق المساواة بين الرجل و المرأة"، غير أن الأمر تحول إلى جدل كبير، وصل تداعياته إلى التهديد بقتل الناشطة.
وبينما لم تتفق بعض الحقوقيات في تونس على أسلوب أمينة النضالي رغم معارضتهن للتهديدات التي تلقتها، يعتبر الحقوقي المغربي أحمد عصيد أن ما قامت به أمينة هو "شكل احتجاجي جديد تسعى من خلاله المرأة إلى التمرد على التقاليد البالية التي تقلص من ديناميتها في المجتمع".
"جهاد الصدور العارية"
منظمة فيمن النسائية الحقوقية هي حركة أنشئت في سنة 2008 في العاصمة الأوكرانية كييف تناهض استغلال النساء الأوكرانيات. أسست المنظمة فروعا لها في أوروبا الشرقية قبل أن تصبح معروفة عالميا بتنظيم احتجاجات عارية ضد عدد من الظواهر و الأحداث التي يشهدها العالم و التي ترى فيها الحركة اتجارا و استغلالا للمرأة و منها وكالات الزيجات، السياحة الجنسية، قضية السياسي الإيطالي سيلفيو برلسكوني، الأفلام الإباحية، ترخيص ممارسة الدعارة و غيرها...
مؤخرا أعلنت المنظمة عن إنشاء فرع لها في تونس بالتزامن مع نشر أمينة لصورتين لها على الفيسبوك أقامتا الدنيا و لم تقعداها في تونس، ووصلت الأمور إلى تلقي أمينة لتهديدات بالقتل.
فتحية حيزم عضوة جمعية النساء الديمقراطيات في تونس اعتبرت في حوار مع DW أن المواقف من خطوة أمينة في الشارع التونسي مختلفة و متباينة و تضيف " نحن كجمعية نعتبر أن ما أقدمت عليه لا يتناسب مع أساليبنا و رؤيتنا و لكننا في نفس الوقت لا يمكن أن نقبل الاعتداءات و التضييق على حرية النساء، ولا يمكن أن نكون ضد حق فرد أو جماعة في التعبير عن رأيه، خاصة أن أمينة انطلقت من أن العنف الذي تتعرض له المرأة التونسية حاليا يستدعي ردا بنفس العنف".
من جهتها ذكرت أمينة ذات التسعة عشر ربيعا أنها ربطت الاتصال بحركة فيمن بعدما أعجبت بأشكالها الاحتجاجية و أبدت استعدادها لنقل هذا النوع من النضال لتونس التي تعاني فيها النساء من العنف و الاستغلال. و أضافت الشابة التونسية خلال مقابلة أجرتها معها قناة تلفزيونية تونسية "لا أعلم ما سر كل هذا الجدل هل هو جسدي أم الرسالة التي أردت توجيهها و أرجح أن تكون الثانية هي السبب، لأني لست أول تونسية تتعرى، التونسيات يتعرين في الملاهي الليلية و في الأفلام الإباحية و لا يخلق الأمر جدلا. أنا لم أتعر من أجل الإغراء أو الإثارة الجنسية و إنما لأمرر خطابا ما وهو ما أزعجهم".
تهديدات بالقتل
أمينة ليست أول عربية تنشر صورا عارية لها بل سبقتها لذلك الناشطة و المدونة المصرية علياء المهدي التي نشرت صور عارية لها على مدونتها قبل أن تتعرى في ديسمبر الماضي في مظاهرة أمام السفارة المصرية بالسويد للتعبير عن رفضها للدستور المصري الجديد.
أمينة تأثرت بما قامت به علياء كما تقول، لكن ردود الفعل على خطوتها كانت أكثر حدة فقد دعا الداعية السلفي التونسي عادل العلمي مؤسس "الجمعية الوسطية للتوعية و الإصلاح" إلى إقامة حد الجلد و الرجم حتى الموت على أمينة لتفادي تقليد نساء أخريات لها. هذه التهديدات و اختفاء أمينة أثار حملة استنكار و احتجاجات و نشرت نساء من مختلف أنحاء العالم صورا لهن بصدور عارية للتضامن مع أمينة و المطالبة بحمايتها و متابعة من يهددونها.
ما قامت به أمينة يعتبر حسب القانون التونسي "تجاهرا بما ينفي الحياء" و هي جريمة تستوجب عقوبة السجن لمدة ستة أشهر، غير أن الشابة التونسية تقول " أنا أحمل رسالة أردت تبليغها و لا يهمني ما قد يحصل بعدها لأنه لن يصيبني أسوأ مما يصيب نساء بلدي حاليا".
و يعتبر الحقوقي الليبرالي المغربي أحمد عصيد أن ما قامت به أمينة هو شكل جديد من أشكال النضال يستخدم الجسد أو رموزه للتعبير عن آراء معينة، و يضيف في حوار مع DW " هي طريقة مغايرة لما يحتفظ به الوعي التقليدي المحافظ حول الجسد. هي طريقة صادمة لهذا الفكر التقليدي لكنها بالنسبة للحداثيين و الحقوقيين ظاهرة لها سياقها و تهدف لإثارة الانتباه و الاستفزاز بالمعنى الإيجابي لتمرير خطاب معين".
رد فعل على تنامي التشدد
و كانت بعض الجمعيات النسائية في تونس اتهمت أمينة بالإساءة لمطالبها بخطوتها تلك، لكن حيزم لا تعتقد أنها أساءت لمطالب الحركة التونسية النسائية لان الأخيرة نابعة من واقع النساء التونسيات، ومن يسيء في الواقع لهذه المطالب، حسب الحقوقية التونسية، هو "القوى الرجعية الظلامية التي توظف مطالبنا للإساءة لنا". ووصفت الناشطة الحقوقية الدعوات لقتل أمينة برجمها و جلدها بأنها "مواقف متخلفة تعود للقرون الوسطى" قائلة" حتى لو أخطأ الإنسان فهناك وسائل متحضرة لمعاقبته و منها السجن، أما الرجم و الجلد فهي أفكار متخلفة لا تتناسب و العصر الذي نعيش فيه".
لكن حيزم لا تعتبر أن ما قامت به أمينة سيغير من وضع المرأة التونسية أو يخدم مصالحها، و تتأسف على أن خطوة أمينة لم تسلط الضوء على القضايا الأساسية للمرأة التونسية بقدر ما خلقت نقاشات هامشية حول طريقتها في الإحتجاجات، و تضيف قائلة" للأسف هي لم تستطع أن تتقدم بوضع المرأة التونسية بل اقتصرت في حواراتها لوسائل الإعلام على طبيعة شكلها الاحتجاجي ".
غير أن أحمد عصيد لا يشاطر هذا الرأي و يقول في هذا السياق" خطوتها لم تخلق نقاشات هامشية و بالعكس فكون مجتمعاتنا محافظة لا يعني الحجر على الناس في اختيار أساليبهم في التعبير، فالمجتمع المحافظ هو في حقيقته يعكس اختلافات كثيرة و به فئات متباينة في منظومات قيمها و رؤيتها للإنسان و المجتمع". ويضيف الناشط المغربي أن هذا الإصرار على التعري ما هو إلا رد فعل على صعود الإسلاميين و توليهم مناصب المسؤولية و بالتالي فان كسر تابوهات "المحرم" يعكس إصرار هؤلاء الشباب على التمسك بمنظور حداثي ديمقراطي، و يعتبر عصيد أن على المحافظين الذين تستفزهم مثل هذه الصور أن يعملوا على عدم المس بحقوق المرأة العصرية و عدم التسبب في تراجع مكتسباتها و هذا وحده سيوقف انتشار مثل هذه الأشكال الاحتجاجية.
وكانت الممثلة المغربية لطيفة أحرار أثارت بدورها جدلا كبيرا في المغرب بعدما ظهرت على خشبة إحدى المسارح و هي شبه عارية بلباس البحر، ويعتبر عصيد أن ما حدث مع لطيفة لا يختلف كثيرا عن ردود الفعل حول خطوة أمينة التيلر لأن كلا الشكلين يعكس دور المرأة في التعبير الجسدي عن التقاليد البالية التي تقلص من ديناميتها في المجتمع.