العالم يحل ضيفا على معرض دوكومينتا للفن الحديث
١٥ يونيو ٢٠٠٧افتتح اليوم في مدينة كاسيل الألمانية معرض الفن الحديث دوكومينتا في دورته الثانية عشرة أبوابه لهواة وعشاق الفن الحديث بمختلف أشكاله وأصنافه. ويشارك في هذا المعرض الذي افتتحه الرئيس الألماني هورست كولر حوالي 108 فنان ومجموعات فنية من مختلف أنحاء العالم لعرض أعمالهم الفنية المتعددة والمختلفة.
ويقدم معرض دوكومينتا الذي يعد من أكبر المعارض الدولية للفن الحديث عروضا فنية في الفن المعماري والنحت والرسم والتصوير والأفلام وأشرطة الفيديو بالإضافة إلى التمثيليات المسرحية والإيمائية. و من المنتظر أن يزور نحو 650 ألف زائر من مختلف أنحاء العالم المعرض الذي يستمر طوال مائة يوم من السادس عشر من شهر يونيو/ حزيران الجاري إلى الثالث والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول القادم.
أعمال فنية تكسر الرتابة وتخرج عن المألوف
ومن بين الأعمال الفنية التي تُعرض في إطار معرض دوكومينتا والتي تخرج عن المألوف عمل فني للفنانة الكرواتية سانيا إيفيكوفيتش والذي يتمثل في حقل مزروع بنبتة الخشخاش، زُرع في ساحة فريدريش في وسط مدينة كاسيل الألمانية التي تستضيف معرض دوكومينتا. مع العلم أن حقل الخشخاش الذي ترمز به الفنانة إلى قبور الجنود الذين سقطوا في الحرب في يوغوسلافيا السابقة، قد حظي قبيل انطلاق المعرض باهتمام عدد لا بأس به من مواطني مدينة كاسيل وزوارها اللذين قاموا بالتقاط عدة صور للحقل وبإرسالها إلى منظمي معرض دوكومينتا. في هذا السياق أكد المشرف الفني للمعرض روجير مارتين بورغيل أن المقصود مثلا من وراء زرع حقل الخشخاش هو تشجيع التواصل بين الجمهور وبين الفن، كما أضاف أن من ضمن أهداف المعرض هو جذب عدد لا بأس به من الزوار وتشجيعهم على التقرب من الفن بمختلف أشكاله، لأن الفن يستلهم أفكاره من حياة الإنسان وليس بذلك الشيء الغريب و غير المفهوم.
حوار بين الفن والمتلقي
تكشف هندسة المعرض وكيفية اختيار وتنسيق القطع والأعمال الفنية عن الرسالة الأساسية التي تبنتها الدورة الثانية عشرة لمعرض الفن الحديث دوكومينتا، وهي دفع الحوار والتواصل بين الفن وبين الجمهور الواسع بمختلف خلفياته الثقافية والعلمية وميوله الفنية. ويهدف المعرض كذلك إلى كسر الأفكار المسبقة وإلى التمعن والتفكير والتفاعل مع الفن. في هذا الإطار نذكر على سبيل المثال بناء جناح في صالة دوكومينتا، وهي قاعة العرض الرئيسية، على شكل غرفة زجاجية على غرار الغرف الزجاجية التي تُستعمل في أوروبا لزرع النباتات القادمة من البلدان الحارة والتي لا يمكن زراعتها في المناطق الباردة. يبدو أن منظمي المعرض قد اختاروا هذه الغرفة الزجاجية لعرض بعض الأعمال لفنانين لا ينتمون بالضرورة إلى مناطق حارة، وبالتالي فإن هذا الاختيار لم يكن عفويا وإنما له غايات أخرى، وهي كسر الأفكار المسبقة وكسر المألوف.
وفي ركن آخر يعرض الفنان البرازيلي ريكاردو باسباوم عمله الفني الذي يتمثل في شريط فيديو. المُلفت للنظر أن طريقة عرضه غريبة ومثيرة للفضول، إذ تم وضع شاشات تلفزيون لعرض شريط الفيديو وكذلك توزيع مخدات في قفص حديدي تم وضعه فوق مساحة من العشب الأخضر الصناعي الذي يُستعمل في ملاعب كرة القدم.
وتجدر هنا الإشارة إلى أن المعرض لم يكن حكرا على الفنانين فحسب وإنما قدم للجمهور فرصة المشاركة فيه، إذ يُعرض في دوكومينتا عمل فني على شكل حوض من حديد شارك في إنجازه أشخاص لا علاقة لهم بالفن بصفة مباشرة وكذلك ليس لهم علاقة ببعضهم البعض. فقد جاب الحوض الحديدي عدة بيوت في عدة مناطق في العالم قبل أن يحط به الرحال في دوكومينتا، بعد أن ساهم عدة أشخاص في تشكيله حسب أذواقهم الفنية، وهذا مما لا شك فيه مثال على أن الحوار بين الفن والجمهور الواسع مفتوح وعلى أن الفن ليس حكرا على فئة معينة من المجتمع.
الترحيل والإبعاد والحرب
عند التجول في باحات المعرض يتجلى للزائر أن معرض الفن الحديث دوكومينتا له أبعاد سياسية ناقدة وهو ما تبرزه العديد من الأعمال الفنية المشاركة في المعرض: حول تمثال القيصر فريدريش الثاني الذي يقع أمام إحدى قاعات المعرض تم نصب أرجوحة تحمل مجسمات ورقية لمشاهد وشخصيات سياسية عالمية وكذلك ألمانية محلية، ومن بين هذه المشاهد مشهد له دلالة سياسية قوية، إذ أنه يصور رجالا للشرطة الألمانية وهم يحتمون وراء دروع. وراء هذا المشهد المستفز يقف الرسام الألماني أندرياس زيكمان الذي أراد أن يلقي الضوء على سياسة الترحيل القسري التي تمارسها السلطات الألمانية مع المهاجرين غير الشرعيين في ولاية هيسين.
من جانبها، أرادت الفنانة الإنجليزية ماري كالي اشعار الجمهور بويلات الحرب من خلال عملها الفني الذي يروي قصة طفل فقد هويته خلال الحرب في يوغوسلافيا السابقة. أما الفنان النمساوي بيتر فريدل فقد أراد لفت اهتمام الجمهور إلى الوضع المتأزم بين إسرائيل والفلسطينين من خلال عمل غريب جدا، إذ أنه قام بحشو زرافة ميتة، ويبدو الأمر للمشاهد للوهلة الأولى مرعبا، خاصة عندما يرى أن جلد الزرافة مرقع، بيد أنه حين يعلم أن الزرافة قد فارقت الحياة في حديقة الحيوانات الوحيدة في الأراضي الفلسطينية أثناء القصف الإسرائيلي لها، عندها يفهم أن للفن كذلك رسالة قد تكون مؤلمة أحيانا، لكن الفن يستلهم أفكاره من واقع الإنسان وحياته.