العراق: ما سر التعاطف الشعبي مع طالباني بعد تدهور صحته؟
٢٣ ديسمبر ٢٠١٢يتابع العراقيون منذ أيام ما يُكشف من تفاصيل عن الحالة الصحية للرئيس العراقي جلال طالباني أولا بأول، الأمر الذي يذكر العراقيين أيضاً بزمن مضى قبل عام 2003 حين كانت صحة الرئيس سراً من أسرار الدولة، ولا يُتحدث عنها إلا همساً بين من يثقون ببعضهم.
وكان رئيس الجمهورية العراقي الملقب بـ "مام جلال" (ومام تعني هنا العم باللغة الكردية) قد تعرض لجلطة دماغية، رقد على إثرها في البدء في إحدى مستشفيات بغداد تحت رعاية فريق طبي مختص من العراقيين والأجانب. وعلى الرغم من أن رئاسة الجمهورية العراقية قد أكدت في أكثر من بيان لها أن الحالة الصحية للرئيس طالباني مستقرة وأنه يخضع لعناية طبية مركزة، لكن عبارتي "مات الرئيس" و"كلا لم يمت" انتشرت بقوة في الشارع العراقي حتى نقله إلى ألمانيا لتلقي العلاج.
لكن نادرا ما تابع الشارع العراقي بمختلف قومياته وطوائفه صحة الرئيس بمثل هذا القلق، كما يفعل الآن في حالة العم جلال، إذ انتشرت على صفحات الفيسبوك الكثير من الدعوات له بالشفاء. لم يقتصر الأمر على العراقيين من القومية الكردية، التي ينتمي إليها الرئيس، بل امتد إلى العراقيين الشيعة والسنة أيضاً. بعضهم كتب "لا ترحل أيها العم قبل أن يراك أطفالك العراقيون يوم عيد" وآخر "العراق ما يزال بحاجة إليك". قد تكون مثل هذه الكتابات "مألوفة" في البلدان التي تهيمن عليها "بروبغاندا" الرئيس، لكنها طرحت أكثر من تساؤل في ضوء الاستقطاب والانقسام الذي يشهده العراق. فما سر هذا التعاطف والمتابعة لحالة مام جلال؟
التسامح سبب شعبيته
"يتمتع (الرئيس) طالباني بصفة التسامح وهو ما يميزه عن غيرة من شركائه السياسيين... إنه راعي حقوق الإنسان في العراق مما جعله يمتلك شعبية كبيرة بين مختلف أطياف الشعب العراقي"، بهذا يحاول أحمد حسين الشرع، طالب كلية اللغات قسم اللغة التركية بجامعة بغداد، أن يجيب على هذا السؤال. ويقول الشرع (23 عاماً) في حديث مع DW عربية: "على الرغم من الاضطهاد الكبير الذي عاناه طالباني خلال فترة حكم البعث والحكم عليه غيابياً بالإعدام، إلا أنه رفض التوقيع على حكم إعدام صدام حسين"، بعد سقوط النظام العراقي السابق في عام 2003، "وهذا درس كبير في التسامح يحتاج أن يتعلمه الشعب العراقي".
ولم يذهب جمال العاني (33 عاماً)، الصحفي المستقل ببغداد بعيداً عما قاله الشرع، فصفة التسامح واحترام الآخر أبرز ما يتميز به جلال طالباني عن نظرائه في العملية السياسية. ويقول العاني "أدعو الله أن يشفي مام جلال"، مبيناً أن الأخير يعد صمام أمان الشعب العراقي "وسدا منيعا بوجه الحاقدين على العراق. الطالباني هو رجل السلام... ويبذل قصارى جهده مع جميع الأطراف السياسية (العراقية) لكي يشاهد وحدة البلاد"، بحسب تعبيره. وعّد مقربون من الرئيس أن أزمة طالباني الصحية جاءت عقب الجهود الكثيفة التي بذلها مؤخراً لتحقيق الوفاق في البلاد.
ويضيف العاني في حوار مع DW عربية: "أعتقد أن طالباني يعتبر من السياسيين المحنكين بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء"، مشيراً إلى أنه يتمتع بروح مرحه "بالرغم من تقدمه بالعمر". وغالباً ما كان طالباني يقاطع خطاباته ولقاءاته مع المسؤولين بكلمات ساخرة ونكات متنوعة غالباً ما تطال شخصه بالذات. هذا يذكر العراقيين بزمان ولى قبل عام 2003، حين كان الإعدام مصير من يتهكم على "مقام" الرئيس بنكتة مهما كان نوعها، لكن العم جلال خرج عام 2005 بعد اختياره رئيساً للعراق ليسرد ضاحكاً طرائف عن نفسه، شاعت في الشارع العراقي آنذاك. وذلك خلال لقاء تلفزيوني.
صلاحياته المحدودة والدعوة للحوار
أما هبة الجراح الطالبة في كلية الفنون الجميلة ببغداد فترى أن "الصلاحيات المحدودة التي أناط بها الدستور العراقي منصب رئيس الجمهورية ووقوفه على الحياد في العديد من المواقف، كان السبب وراء شعبية مام جلال طالباني والتعاطف الجماهيري مع حالته الصحية". وعن المواقف التي امتاز بها جلال طالباني، تضيف الجراح (32 عاماً)، في حديثها مع DW عربية: "امتاز طالباني بالحكمة والتهدئة في اتخاذ القرار وحل النزاعات من خلال جمع الفرقاء السياسيين على طاولة الحوار، ولهذا يعتبره الشعب العراقي رمزاً للوحدة".
سر التعاطف الشعبي؟
وعن سر تعاطف الشعب العراقي مع الرئيس طالباني يرى عبد الحميد فاضل حسن، أستاذ الفكر السياسي في جامعة بغداد، بأن هناك عدة صفات تجمعت بشخصية طالباني أبرزها البساطة والتواضع وحب السلام "وهذه الخصائص قد اختزلت الكثير من الخطوات بينه وبين شعبه (...) ويحاول دائماً لملمة جراحهم والأخذ بيدهم إلى بر الأمان".
وعن المواقف التي عرف بها جلال طالباني يضيف حسن في حوار مع DW عربية: "بعد توتر العلاقات بين الكرد والعرب بعد عام 1991 حرص طالباني على أن يكون شخصية وسطية بين الطرفين ليكون حلقة وصل بين أبناء القوميتين الكردية والعربية في العراق". ويبين حسن بالقول: "لقد انحاز طالباني للمشروع العراقي قبل أن ينحاز للمشروع الكردي، لأنه كان لاعباً رئيسياً في بقاء المالكي في منصب رئيس الوزراء وهذا لم يخدم المشروع السياسي الكردي الذي يتطلع إلى استبعاد المالكي".
ويعاني طالباني من أزمات صحية متلاحقة، كانت آخرها رحلته العلاجية التي استمرت ثلاثة أشهر في ألمانيا وعاد في 17 أيلول/ سبتمبر 2012 إلى العراق، إذ أجرى في ألماني في 20 حزيران/ يونيو 2012 عملية جراحية لركبته تكللت بالنجاح.
ويعد طالباني واسمه جلال حسام الدين واحداً من أبرز الشخصيات الكردية في التاريخ العراقي الحديث، وهو خريج كلية الحقوق في جامعة بغداد. ويرأس طالباني حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، أحد الحزبين الكرديين الحاكمين في إقليم كردستان العراق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني. ومن أشهر قادة حزب الاتحاد هما برهم صالح وفؤاد معصوم.
وطالباني هو أول زعيم غير عربي يرأس العراق في التاريخ المعاصر، إذ تولى منصب رئاسة العراق في نيسان/ ابريل 2005 وأعيد تنصيبه رئيساً للعراق في انتخابات عام 2010.