"المحاربة": رؤية سينمائية مفزعة عن اليمين المتطرف في ألمانيا
١٣ ديسمبر ٢٠١١لو كان فيلم "المحاربة" قد عُرض قبل شهور قليلة، لأصابته سهام النقد وربما قيل إنه يبالغ في تقديم صورة نمطية لليمين المتطرف في ألمانيا. غير أن الواقع اليميني تجاوز الخيال السينمائي، وهو ما يجعل الأنظار تتجه إلى هذا الفيلم وصانعه، لا سيما أن الفيلم قد حاز حتى الآن على عدة جوائز دولية ومحلية بعد عرضه في عدة مهرجانات، كان أولها مهرجان ميونيخ السينمائي الدولي. وفي مطلع عام 2012 سيعرض الفيلم في صالات العرض الألمانية.
رموز نازية واعتداءات عنصرية
يحكي الفيلم حكاية الشابة ماريسا، وهي مراهقة تعيش في الريف الألماني الشرقي، وتربطها صداقة متينة مع مجموعة من الأصدقاء الشبان من الوسط اليميني المتطرف. تحيا ماريسا مع أصدقائها حياة ملؤها الكراهية والعنف تجاه الأجانب، لا تجمعهم سوى الحماسة للأفكار والرموز النازية. وبعد شجار مع لاجئين من أفغانستان، تفقد ماريسا السيطرة على أعصابها وتصدم شابين بسيارتها وتصيبهما إصابة غير مميتة. ما يحدث بعد ذلك من الممكن أن نطلق عليه عملية تطهير نفسي، إذ أن ماريسا تسعى لتقديم يد العون للشابين، بل وتساعدهما على الهرب إلى السويد.
قبل سنوات عديدة قام المخرج دافيد فنينت برحلة إلى القسم الشرقي من ألمانيا. كان هدفه من الرحلة هو تصوير المصانع المهجورة التي توقف العمل بها. خلال رحلته، يقول المخرج، قابل شباناً عديدين من اليمين المتطرف. "في قرى شرق ألمانيا يلح على المرء الانطباع بأن التطرف اليميني ظاهرة جماهيرية. هذا شيء أصابني بالرعب، غير أنه أثار اهتمامي أيضاً"، كما يقول المخرج. ولهذا بدأ فنينت بإقامة اتصالات مع يمينيين متطرفين، وخاصة مع شابات، إذ أن اللافت هو تزايد نسبة النساء في اليمين المتطرف في الآونة الأخيرة.
صورة شديدة الواقعية
يقدم فنينت صورة واقعية لاجتماعات الشبان المتطرفين، مظهراً إياهم وهم يشربون الخمر ويغنون الأغاني التمجيدية للنازيين أو يشاهدون أفلام البروباغندا النازية القديمة. ويضم الفيلم مشاهد تظهر اعتداءات النازيين العنصرية على الأجانب في الترام أو في الشارع، كما يضفي المخرج سمات شخصية على أبطاله، فيرى المُشاهد البيئة التي كبروا فيها، ويشعر بما يسيطر على الآباء والأمهات من عجز. كل هذا يُكسب الفيلم ملامح واقعية تجعل المشاهد يصدق ما يراه. الشيء الوحيد الذي يثير تساؤلات لدى المشاهد هو الكيفية التي حدث بها تقارب بين ماريسا والشاب الأفغاني - إذ ما الذي يجعل الشاب يلجأ للفتاة التي حاولت دهسه تحديداً باحثاً عن المساعدة؟ يظل المشاهد يبحث عن إجابة عن هذا السؤال حتى نهاية الفيلم، ولكن دون جدوى. الشيء نفسه ينطبق على تحولات ماريسا التي لا تبدو مقتنعة من الناحية النفسية.
بالرغم من أوجه القصور هذه فإن فيلم "المحاربة" يهز المشاهد من الأعماق. نجح المخرج في مسعاه في تقديم فيلم يسلط الضوء على اليمين المتطرف، ولكن بدون أن يتحول "المحاربة" إلى فيلم تربوي تعليمي، كما نجح فنينت في تقديم صورة واقعية عن هذا الوسط المرعب ولكن دون أن ينزلق إلى الصور النمطية. ينجح الفيلم في تقديم تفسير لأشياء تستعصي على التفسير، مثل: لماذا تنتشر معاداة الأجانب في الجزء الشرقي من ألمانيا؟ لماذا يهجر الشبان منازل آبائهم ويقبلون على الأفكار العنصرية؟ لماذا يقبلون على وشم أنفسهم بالرموز النازية؟
في فيلمه يقدم فنينت إجابات عديدة على تلك الأسئلة. الفيلم يسلط الضوء على المشاكل المنتشرة في الشرق مثل البطالة وانسداد الآفاق وقلة الفرص أمام الشبان، كما يظهر الفراغ الإيديولوجي الذي انتشر بعد سقوط جدار برلين وأثر ذلك في انتشار الأفكار المتطرفة. كل هذه الإجابات ليست جديدة، غير أنها مقنعة، لا سيما وأن المخرج نجح في تقديمها في شكل درامي جذاب - مفزع في واقعيته.
يوخن كورتن (س ج)
مراجعة: منصف السليمي