تأجيل اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية- تكتيك سياسي أم حماية للمصالح اقتصادية؟
٢١ أكتوبر ٢٠٠٩أرسل وزير الخارجية السوري وليد المعلم رسالة إلى الحكومة السويدية التي تتولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي يطلب فيها تأجيل مراسم التوقيع على اتفاقية الشراكة الأوروبية التي كانت مقررة في 26 من شهر تشرين أول/ أكتوبر الجاري. ونقلت وكالة فرنس بريس عن مصدر دبلوماسي قريب من الرئاسة المذكورة أنه " تم إرجاء التوقيع على اتفاقية الشراكة نزولا عند طلب سوريا إلى أجل غير محدد". وأفاد المصدر نفسه أن "دمشق لم تطرح في رسالتها أي سبب لطلب التأجيل وأنها بررت طلبها "بالحاجة إلى فترة لدراسة الاتفاقية مجددا".
التوقيع على الاتفاقية بين المد والجزر
ولم يكن قرار سوريا بتأجيل التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بالأمر المفاجئ، فقد كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد ألمح الأسبوع الماضي، أي في 14 من شهر أكتوبر/تشرين الأول، في دمشق إلى تشكيكه في إمكانية توقيع الاتفاق في 26 تشرين من الشهر الجاري في لوكسبورغ كما كان يأمل الأوروبيون، بحسب ما أوردت تقارير إعلامية. وكان الاتحاد الأوروبي الذي وضع مشروع الاتفاقية مع سوريا في عام 2004 قد جمّد عملية التوقيع لسنوات طويلة، مبرّرا ذلك "بوضع حقوق الإنسان في سوريا". في الوقت الذي وصفت فيه دمشق الأسباب "بالسياسية".
"دمشق تريد مراجعة نقاط ترى فيها تدخلا في شؤونها السياسية"
ويرى أستاذ العلوم السياسية في دمشق مروان قبلان في قرار سوريا إرجاء التوقيع على الاتفاقية إلى تحفظها على بعض النقاط التي تعتبرها دمشق تدخلا في شؤونها السياسية. ويشير بذلك إلى بعض الشروط السياسية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، كموضوع الإصلاحات السياسية وحقوق الإنسان، مشددا في الوقت نفسه أن "دمشق تعتبر ذلك من صميم شؤونها الداخلية التي ترفض أي تدخل أجنبي فيها". يذكر في هذا السياق أن اتفاقيات الشراكة، التي يبرمها الاتحاد الأوروبي مع دول البحر المتوسط العربية تربط منح المساعدات المالية بشرط التزام البلدان الموقّعة الاستمرار في بعض الإصلاحات واحترام حقوق الإنسان.
ولفت قبلان إلى أن هناك أيضا تحفظات على الصعيد الاقتصادي داخل سوريا، إذ قال إن هناك جهات سورية عديدة ترى أن توقيت اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي "قد لا يخدم مصلحة اقتصاد البلاد"، وأنه لا يزال "غير مستعد بعد للتعامل مع متطلبات هذه الشراكة"، لافتا إلى أن السلع الأوروبية بإمكانها الدخول إلى السوق السورية ومنافسة السلع المحلية". وكانت دمشق أعلنت أنّها بحاجة إلى دراسة بعض النقاط "كي ترى ما إذا كانت ما تزال تناسب مصلحتها السياسية والاقتصادية". ويقول قبلان إن قرار التأجيل في الواقع إنّما هو "رسالة تريد دمشق إيصالها إلى بروكسل، مفادها أنها لن تسمح بالتدخل في شؤون تعتقد أنها في صلب سيادتها". فيما يرى أن الاتحاد الأوروبي يسعى من خلال هذه الشراكة إلى كسب سوق جديدة، وصفها "بالواعدة" بقدر ما يسعى إلى "التأثير على سياسة سوريا الداخلية وعلاقاتها الإقليمية".
"الاتحاد الأوروبي يسعى إلى قطع العلاقات القوية التي تربط سوريا وإيران"
من جهته، أعرب الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط ميشائيل لودرز أن قرار سوريا تأجيل التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي يوجه رسالة واضحة مفادها "أن السوريين مستعدّون للتعاون مع الاتحاد الأوروبي، لكنهم لن يقبلوا بكل الشروط التي يفرضها الأوروبيون". ويلفت لودرز أن دمشق تسعى من خلال هذا التأجيل إلى كسب الوقت وإلى التلويح بأنها في موضع يسمح لها بالتفاوض بهدف التوصل أيضا إلى "حل لمسألة هضبة الجولان"، التي تحتلها إسرائيل. وبالتالي يتوقع لودرز أن تستخدم دمشق التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كورقة سياسية "لدفع الإتحاد الأوروبي إلى ممارسة ضغوط على إسرائيل بشأن الانسحاب من الهضبة". بيد أنّه استبعد في الوقت نفسه احتمال "استجابة الأوروبيين لغاية السوريين"، لافتا إلى أن "الاتحاد الأوروبي يسعى إلى كسب سوريا ضد ما "يمثله البرنامج النووي الإيراني من مخاطر".
ولفت لودرز إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى "قطع العلاقات القوية التي تربط سوريا بإيران"، لافتا إلى التخوف الأوروبي "من أن تنضم سوريا إلى نادي الدول في منطقة الشرق الأوسط"، التي تسعى لتطوير برنامج نووي على غرار الجارة إيران، مشدّدا بالقول "إن أوروبا لا تريد هذا التعاون الودي بين البلدين". ويتوقع لودرز أن يتم التوقيع على اتفاقية الشراكة بين سوريا والاتحاد الأوروبي في غضون "أسابيع أو بضعة أشهر"، مشددا في الوقت نفسه على أنه "من مصلحة دمشق أيضا إقامة علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي".
الكاتبة: شمس العياري
تحرير: ابراهيم محمد