تعاون سوري-أوروبي لتطوير القطاع الصحي الحكومي
٥ يونيو ٢٠٠٦استضافت العاصمة السورية دمشق خلال شهر مايو/أيار الماضي معرضاً عن أهم مشاريع التعاون السوري- الأوروبي. وشمل المعرض 14 مشروعاً تمولها المفوضية الأوروبية كلياً أو جزئياً بهدف دعم عملية تحديث وتطوير قطاعات الاقتصاد والتعليم والمرأة في سوريا. وشكل المعرض حسب الدكتور فرانك هيسكه، سفير بعثة المفوضية الأوربية في دمشق، فرصة هامة لعرض الإنجازات والفوائد، التي حققتها هذه المشاريع إضافة إلى إظهار أهميتها في دفع عجلتي الإصلاح والتحديث. ومن بين المشاريع، التي حظيت باهتمام كبير خلال المعرض، مشروع تطوير إدارة القطاع الصحي الحكومي في سوريا بتكلفة 21 مليون يورو. ويتم تمويل هذا المشروع من قبل البرنامج الأورومتوسطي الخاص بدعم من المؤسسات الصحية. وتعمل وزارة الصحة السورية بالتعاون مع مؤسسة التعاون التقني الألمانيةGTZ على تنفيذ هذا المشروع، وذلك بمشاركة كل من المؤسستين الاستشاريتين ايبوس الألمانية واوبشن البريطانية. ويتوقع أن يتم إنجاز هذا المشروع بحلول العام القادم 2007.
وعي متزايد بأهمية الإدارة
يقدم القطاع الصحي الحكومي في سوريا خدماته للجميع إما بالمجان أو بأسعار مدعومة من قبل الدولة بغض النظر عن مستويات دخولهم. وهكذا فإن بوسع أصحاب الملايين ومنخفضي الدخل والفقراء الاستفادة من خدماته، لذلك فإن البعض يتهمه بأنه غير عادل. غير أن مشكلة هذا النظام لا تكمن فقط في عدم عدالته وإنما في ضعف مستوى أدائه رغم الكفاءات العالية للكادر الطبي الذي يعمل به. فالنظام الإداري مثقل بالروتين والبيروقراطية والمركزية، التي تعرقل اتخاذ القرار في الأوقات المناسبة، ناهيك عن إهمال تطوير هذا النظام من قبل القائمين عليه لسنوات طويلة. وقد أدى ذلك إلى التركيز على الجانب المهني دون إعطاء التأهيل الإداري اهتماماً يذكر وعدم توفر الكوادر الإدارية القادرة على رفع أداء مؤسسات القطاع الصحي الحكومي سواء كانت مستشفيات أم مراكز علاجية. غير أن نظرة القائمين على هذا القطاع في وزارة الصحة السورية والإدارات التابعة لها أخذت تعي أهمية تحديث الإدارة وتأهيل الكوارد اللازمة لها. وبناء على ذلك اتجهت وزارة الصحة السورية مؤخراً إلى تطوير الكوادر الإدارية في مختلف المؤسسات التابعة لها. وفي هذا الإطار يأتي مشروع تحديث إدارة القطاع الحكومي الصحي الذي يدعمه الاتحاد الأوروبي.
إعادة النظر بآلية اتخاذ القرار
يهدف المشروع وفقا للدكتور لوتار شبرينغر، المدير الدولي المساعد للبرنامج الأورومتوسطي، إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية عن طريق تطوير الإدارة من جهة، وجعل القطاع العام الصحي أكثر جودة وعدالة من جهة أخرى. بالنسبة للنقطة الأولى يعني ذلك تأهيل العاملين في إدارة المستشفيات والمراكز الصحية بشكل أفضل من خلال إخضاعهم لدورات في أحدث مناهج الإدارة وتجهيز مكاتبكم بوسائل عمل أفضل. أما موضوع الجودة والعدالة فيعني إيجاد آليات تساعد على تقديم الخدمة الصحية بجودة أعلى مقابل سعر ولو محدود للأغنياء وأصحاب الدخول العالية، على أن تبقى الخدمة مجانية للفقراء ومن لا دخل لهم. وفي هذا الإطار سيتم إعطاء المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية مزيدا من الاستقلالية في اتخاذ القرار على الصعيدين الإداري والمالي. ومما يعنيه ذلك تطبيق نظام لا مركزي يغني عن اللجوء إلى الوزارة في العاصمة دمشق في كل شاردة وواردة. كما سيعني إعادة النظر بسياسة التشغيل التي اعتمدت حتى عهد قريب على عوامل اجتماعية في إطار سياسة تشغيل وطنية لن تكن تأخذ بعين الاعتبار الحاجة الفعلية للمؤسسات العامة كما ينبغي. إضافة إلى ذلك فإن الكثير من الوظائف شغلت من قبل أشخاص ليس أهلا لها على حساب من هم أجدر بها من ناحيتي التأهيل والخبرة. ويقف وراء ذلك الفساد والعلاقات الشخصية بين صناع القرار.
صعوبات وحلول
ورغم كل الجهود المبذولة والإنجازات التي تحققت فإن هناك صعوبات تواجه عملية التنفيذ. ولعل من أهمها وفقا للدكتور شبرينغر اختلاف أسلوب العمل وأولوياته بين القائمين على المشروع من الجانب السوري ونظرائهم من الجانب الأوروبي. "الشركاء من الجانب السوري يريدون أشياء ملموسة بشكل مباشر قبل وضع أسس وخطط ومراحل تنفيذ المشروع"، كما تقول حسناء المولوي مساعدة مدير البرنامج، التي تضيف قائة: "لقد استغرق توفير شبكة إنترنت خاصة بالمشروع عدة أشهر بهدف تحسين مستوى التواصل ورفع نسبة التنفيذ، غير أن غالبية الأطباء الذين تعاملنا معهم حتى الآن لا يدركون أهمية ذلك". وعليه فإنهم لا يستغلون الفرص التي تتيحها الشبكة لتحسين مستوى أدائهم. وهناك عوائق قانونية تقف أمام تنفيذ المشروع، إذ هناك الكثير من القوانين، التي ينبغي تعديلها ومراجعتها لكي تواكب عملية التحديث الإداري المخطط لها كما يقول الدكتور شبرينغر.
غير أن تطوير إدارة القطاع الحكومي الصحي بشكل خاص والقطاع الصحي السوري بشكل عام يعتمد على المدى البعيد وبشكل أساسي على عملية تطوير الخطة الدراسية والبحثية في الكليات والمعاهد الطبية. ومما يعنيه ذلك إدخال مواد الإدارة الحديثة في مناهجها التعليمية وتأهيل الكوادر الطبية من الناحيتين النظرية والتطبيقية. الدكتور شبرينغر يعلق على ذلك أهمية كبيرة جدا لأن الطبيب الناجح ليس فقط الطبيب المبدع في عمله المهني، وإنما الإداري الناجح كذلك. وانطلاقا من هذه الأهمية ومن ضعف مستوى التأهيل الإداري لدى الكادر الطبي السوري لاسيما في المستشفيات الحكومية يركز المشروع على تأهيل الكوادر في المستشفيات الحكومية السورية في مجال الإدارة ونظمها الحديثة. وقد تم حتى الآن إخضاع قرابة ثلاثين منهم إلى دورات بهذا الخصوص لمدة ثلاثة أسابيع في عدة دول أوروبية.