"تنامي مظاهر التشدد في تونس تدعو للحذر لكن ثورتها وتقاليدها العلمانية متينة"

بعد دراسته بتونس وبالسوربون في باريس، استقر المقام بسرحان ذويب بألمانيا التي حصل فيها على الدكتوراه ويعمل الآن أستاذا للفلسفة في جامعة كاسل. الباحث التونسي، سرحان ذويب، حصل مؤخرا على جائزة معهد غوته العالمية للفلاسفة الشباب.

وفي حوار مع دويتشه فيله، يدافع ذويب عن فكرة كونية القيم الانسانية ودور الفلسلفة في الحوار والتقارب بين الشعوب والثقافات، لكنه حذر من ربط قضايا الهجرة بالخلفيات الثقافية والدينية وبشكل خاص الإسلام. وأوضح ذويب أنه يعمل بالتعاون مع مؤسسات ألمانية لدعم التعاون بين الشباب في ألمانيا والعالم العربي والإسلامي.

وفيما يلي نص الحوار:

ما هو مضمون البحث الذي تقدمت به في مسابقة معهد غوته العالمية للفلاسفة الشباب؟

مضمون البحث يتعلق أساسا بفكرة حقوق الإنسان من المثاقفة(حوار الثقافات)إلى الكونية فهذا كان المحور الرئيسي، وقد حاولت معالجة مسألة كونية حقوق الإنسان في علاقتها بالتعدد الثقافي وذلك من وجة نظر بعض الفلاسفة العرب المعاصرين.وقد حاولت أن أجد خيطا ناظما لهذه المناظرة الفلسفية بين فلاسفة من أوروبا والولايات المتحدة وبعض الفلاسفة العرب.

وأن أدافع عن أطروحة مفادها أنه بإمكاننا أن نتحدث عن المثاقفة ولكن بإمكاننا أيضا أن نتجاوزها نحو تأسيس كوني للمسألة الحقوقية.واعتقد ان هذه الكونية لا تتعارض مع تعدد الثقافات وأن ما تأخذه بعين الإعتبارهو جهود بعض المفكرين العرب المعاصرين وبعض الفلاسفة، وبعض الحراك الذي يشهده المجتمع المدني في المنطقة العربية من أجل الدفاع عن فكرة كونية حقوق الإنسان ليس فقط باعتبارها فكرة معطاة وإنما باعتبارها مسارا تاريخيا يتطور ويخضع لحراك متنام ومتصاعد.

هل يمكن أن تلعب الفلسفة دورا لخلق جسور بين الثقافات؟

نعم باعتبار الفلسفة جهدا عقليا ونقديا، فالفيلسوف يقوم بنقد الذات كما ينقد الآخر ويفكر في مسائل كونية.في نظري لا توجد فلسفة شرقية وأخرى غربية بل توجد فلسفة واحدة بلغات متعددة وهذا لا ينفي أن لكل فلسفة خصوصياتها الثقافية وخصوصيات منطقتها.لكنني لا أدافع عن القسمة الحَدية والضدية بين عالمين لا يلتقيان، بل بالعكس أؤمن بقدرة الفلسفة على بناء عالم مشترك بناءا عقليا جيدا، وأيضا على الحفاظ وإنتاج الإختلاف المُوَلِّد للغيرية المبدعة، التي لا تنفي الغير وإنما تحاول أن تفكر معه وفي بعض الأحيان ضده.

لديك تجربة في المهجر بفرنسا ثم ألمانيا.كيف تتابع الجدل حول ربط قضايا الهجرة بالقيم والخلفيات الثقافية؟

انها مسائل شائكة واعتقد أن الجهد يجب أن يكون مشتركا.أقصد الجهد قصد التفاهم وللفهم، يجب أن يكون من قبل المهاجرين كما يجب أن يكون من قبل المؤسسات والأفراد والدول التي تحتضن هؤلاء المهاجرين.

وأعتقد أن الحديث عن حقوق الإنسان من شأنه أن يحل بعض المشاكل لأن هناك فكرة المعيارية التي يمكن أن تكون بالإتفاق بين جميع البشر.ففكرة الإتفاق الذي يبنى بناءا ديموقراطيا وعن طريق الحوار هي فكرة أساسية لبناء إندماج ناجح لا يقوم على الإستيعاب وعلى الإحتواء وإنما يقوم على التفكير في مسألة الإشتراك في المسائل أو في المعايير الأساسية التي هي مسائل تتعلق ببناء الدولة ومؤسسات ديموقراطية ووضع الإختلاف الديني، الذاتي، الثقافي في مرتبة أخرى تغذي غيرية مبدعة.هناك أصوات تعتبر الثقافة الإسلامية جزءا من الثقافة الغربية، لكن في المقابل هناك أصوات أخرى ضد تلك الفكرة.

وما هو رأيك في هذه المسألة؟

الفلسفة الإسلامية كانت منذ القرن التاسع رافدا من روافد الفكر الغربي ومن ينكر ذلك فهو يشارك في إنتاج الخوف وثقافة الإقصاء، فلا يمكن أن ننكر علاقة توماس الأكويني بابن رشد والرد عليه، ولا يمكن أن ننكر دور الرشدية اللاتينية، وأنا أرى أن هذا التأثير لا يمكن ملاحظته في الفلسفة فقط وإنما في جميع أشكال العلوم، الرياضيات، الهندسة والطب والميكانيك وغيرها.

لكن عبارة الإسلام فضفاضة وتحتمل أشياء كثيرة، ويجب أن نتحدث عن مشاركة عقلية وبناءة للثقافة العربية الإسلامية في الحضارة الأوروبية، دون أن نصل إلى درجة تضخيم دور هذا التأثير فهو تأثير قائم ولا يمكن أن ينكره عارف بالأمور، ولكن يجب اليوم أن نستعيده لما يخدم المشترك بين جميع الثقافات وهذه المسألة لم تكن غريبة لا على الفيلسوف الكندي ولا على الفرابي ولا على ابن رشد ولا غيرهم من الفلاسفة العرب والمسلمين.

بعد التطورات التي عرفتها بلدان شمال إفريقيا والشرق الاوسط لوحظ عودة التيارات الإسلامية إلى الواجهة السياسية.في تونس حيث التقاليد العلمانية لها تاريخ طويل، كيف تنظرون إلى مستقبل البلد في ظل حكم الإسلاميين وهل الصحوة الإسلامية تشكل خطورة على القيم الكونية التي تحدثتم عنها؟

أنا أنظر إلى المسألة بحذر شديد، فعندما نقرأ النصوص المؤسسة للتيارات الإسلامية فهي نصوص لا تدافع عن فكرة الكونية كما أريد أن أدافع عنها، فهي تدافع عن كونية دينية فكل كونية دينية إسلامية كانت أم مسيحية أم يهودية أم كونية أخرى من هذا القبيل هي كونية تقصي الآخر، ونحن لا نريد أن نقصي الآخر بل نعتبر أن الآخر الذي يعيش داخل مجتمعاتنا له القدرة على البناء الخلاق وعلى المشاركة السياسية.

ومن جهة أخرى، لدي حذر على المستوى النظري، فهناك أيضا تخوفات مما نشهده الآن من ممارسات سياسية في الجامعات وفي المجتمع ومن صعود لأشكال من التطرف لم نعهدها من قبل، ولكن لا يجب أن ننسى أن هذه الأحزاب تم انتخابها ديمقراطيا، ولذلك يجب أن نعطيها الفرصة لكي تعمل.

ولكن يجب أيضا أن نكون متيقظين تجاهها، وان كان ما يبعث على التفاؤل هو أن مستوى التعليم في تونس والثقافة المدنية والثقافة المبنية على احترام حقوق الإنسان وعلى احترام حقوق المرأة والمساواة والتأكيد على حق التربية والتعليم كلها أشياء راسخة لدى أغلب التونسيين إن لم أقل كل التونسيين، لذلك فنحن سندخل الآن في جدل نظري وعملي، فهناك قوة وعدتنا بأن تحافظ على هذه المعايير وهي القوة الإسلامية ولكن سنرى إن كان بمقدورها تحقيق هذا الوعد ولا نريد أن نبقى في مستوى احترام ما اكتسبناه بل نريد الإضافة.

ما هي أهداف مشروع الباحثين الشباب العرب والمسلمين الذي تشرف عليه؟

انه مشروع ينجز بالتعاون مع الهيئة الألمانية للتعاون الأكاديمي، وهو مشروع يسعى إلى التفكير في مسائل مصيرية تهم المجتمعات العربية والمجتمعات الأوربية وخاصة المجتمع الألماني، وقد نظمت مؤخرا لقاءا علميا شارك فيه حوالي 15دولة، واللقاء كان حول الهوية والثقافة ومسألة حقوق الإنسان نحو أفق كوني.المسألة تتعدى أن تكون مجرد حوار، فهي محاولة للتفكير في مسألة الاختلاف والتنوع، حول مسألة مهمة بالنسبة لنا جميعا وهي مسألة الثقافة والهوية ومسائل حقوق الإنسان إذ نريد الدفاع عن التنوع دون نفي الخصوصية.

وماذا عن مشاريعك الشخصية؟

صدر لي منذ أشهر قليلة عدد من مجلة كونكورديا حول الفلسفة وتحتوي على إسهامات العديد من المفكرين.هناك كتاب آخر أصدرته باشتراك مع أحد الزملاء الألمان وهو أندرياس يورغنس كتاب جماعي بعنوان "طرق في الفلسفة"عالجنا فيه مسألة الحق والمعرفة وحقوق الإنسان، وسأصدر أعمال الندوة التي قمنا بها في تونس، كما أنوي إصدار أطروحة الدكتوراه حول فلسفة الهوية لدى فريدريش شلينك.

الحوار أجراه عبد الرحمان عمار

مراجعة: منصف السليمي