حنين مدينة ألمانية إلى القرون الوسطى

عرفت الغابة المحاذية لمدينة ميسكيرش القريبة من بحيرة الأرض (Bodensee)الواقعة في جنوب ألمانيا استئصال جزء كبير منها. إذ ستبدأ هنا ورشة بناء بمعايير القرون الوسطى المبكرة. ورشة ستكون مفتوحة في وجه العموم ابتداء من الصيف القادم. وتسعى مدينة ميسكيرش خلال الأربعين عاماً القادمة إلى بناء المدينة الكارولنجية القروسطية كما كانت عليه إبان وجودها. وذلك باستعمال نفس طرق البناء التي كانت مستعملة في القرن التاسع الميلادي دون استعمال مواد وأجهزة البناء الحديثة. كما تسعى مدينة ميسكيرش إلى إنجاز تصميم دير سانت غالن على أرض الواقع. ويعتبر هذا التصميم أقدم تصميم معماري في الحقبة ما بين العصر الكلاسيكي والقرون الوسطى. وسيطلق على هذا البناء اسم "مجمع غالي".

ويعتبر بيرت غويرتن هو الموجه الروحي وصاحب فكرة هذا المشروع الطموح. وظل غويرتن الذي ينحدر من مدينة آخن في غرب ألمانيا يطوف مناطق ألمانيا طولاً وعرضاً لعرض فكرته لعلها تلقى القبول المنشود إلى أن وجد أخيرا في منطقة بحيرة الأرض النجاح الذي كان يبحث عنه.

البناء بطرق تقليدية

توجد نسخة طبق الأصل لتصميم الدير معلقة في مكان محادٍ لساحة السوق المعروفة في مدينة ميسكيرش. وعندما يتحدث بيرت غويرتن عن تفاصيل تحويل مخطوطات هذا التصميم إلى واقع، يلاحظ حماس كبير في بريق عينيه. ومن أهداف هذا المشروع بناء مدينة بكاملها تضم خمسين مبنى وكنيسة تسع لحوالي 2000 من الزوار. وسيتم البناء بطريقة تقليدية ستستغرق وقتا طويلا، وبإشراف خبراء متخصصين.

وعند سؤاله عن مصدر فكرته إنشاء مدينة تعود للقرون الوسطى، يلخص بيرت غويرتن جوابه في كلمة واحدة: قلعة غويديلون (Guédelon). هذه القلعة الفرنسية التي تجسد مظاهر العيش في القرن الثالث عشر، وتبعد على مدينة ميسكيرش بحوالي 600 كلم، تعتبر محطة جذب سياحية بامتياز. وتوجد هذه القلعة التي تتموقع في قلب الغابة منذ 15 عاما، بعدما بنيت بوسائل تقليدية تعود للحقبة التي تجسدها. وتستقبل قلعة غويليون، التي سخر البعض من بنائها في البداية واعتبرت ضربا من الجنون، 320 ألف سائح سنويا.

مشروع طموح

ويشبه المشروع الألماني في الأصل نظيره الفرنسي، لكنه يبدو أكثر طموحا. إذ تسعى ميسكيرش إلى بناء مدينة قروسطية بكاملها وليس فقط قلعة كما هو الشأن في غويديلون. ويشدد بيرت غويرتن على أنه لا يريد بناء "ديزني لاند" قروسطية، وإنما يطمح إلى إنشاء "مجمع غالي" / "Campus Galli" كتجربة علمية ومعلمة لجذب السياح في آن واحد. وهو ما نجحت في تحقيقه قلعة غالي الفرنسية. ومن المفروض أن يتم الانتهاء من هذا المشروع في عام 2053. وهو ما قد لا يشاهده بيرت غويرتن، الذي يبلغ الآن من العمر 64 عاما، والذي يقول: "أحس وكأنني موسى، الذي رأى الأرض الموعودة لكن قدماه لم تطأها".