كيف ستحقق الصين "حلمها" وما وعد به الرئيس في مؤتمر الحزب؟
١٨ أكتوبر ٢٠٢٢ألقى الرئيس الصيني شي جينبينغ خطابا لدى افتتاح المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، أشاد فيه الإنجازات التي حققها الحزب على مدى السنوات الخمس الماضية، لكنه تعهد في الوقت نفسه بالمضي قدما في حزمة من الإصلاحات لتحقيق ما يُطلق عليه "الحلم الصيني".
وأمام أكثر من ألفي عضو من الحزب داخل قاعة الشعب الكبرى في بكين، دافع الرئيس الصيني عن استراتيجية "صفر كوفيد"، قائلا إنها "وفرت حماية لحياة الصينيين وصحتهم".
وفيما يتعلق بسياسات الصين المتشددة تجاه هونغ كونغ، قال الرئيس الصين إن مبدأ "الوطنيون يديرون هونغ كونغ" الذي يسمح للجنة موالية للصين بفحص المرشحين وانتخاب الموالين لها في برلمان هونغ كونغ- قد ساعد في انتقال هونغ كونغ من "الفوضى إلى الحكم".
وقال إنه في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى إعادة توحيد تايوان بشكل سلمي، فإنهالن تتخلى مطلقا عن خيار استخدام القوة عند الحاجةفي سبيل تحقيق هذا الهدف. وأضاف "تجري عجلة التاريخ صوب إعادة توحيد الصين وتجديد شباب الأمة الصينية، لذا يتعين تحقيق توحيد كامل لبلادنا وبالتأكيد يمكن تحقيق هذا".
لا استراتيجيات محددة!
بدوره، قال وين تي سونغ، المتخصص والمحاضر في شؤون تايوان بالجامعة الوطنية الأسترالية، إن خطاب شي اتسم بنبرة أقل تصادمية عما كان يُتوقع. وأضاف في مقابلة مع DW من تايبيه، أن الرئيس الصيني تحدث عن "إعادة التوحيد الكامل للوطن الأم وأنه يجب أن يحدث، لكنه كان غامضا حيال كيفية تحقيق هذا".
وقال إن بعض المراقبين في تايوان كانوا يخشون أن يضع شي "استراتيجيات جديدة محددة لحل مشكلة تايوان"، مضيفا "خطاب شي كان يحمل في طياته رغبة أكبر في الاستمرارية بدلا من إحداث التغيير، فضلا عن أنه تحدث عن رغبة حزم في معارضة استقلال تايوان، لكنه لم يتحدث عن خطط أو نوايا أو إطار زمني لتحقيق هذا".
ورغم تأكيد الرئيس الصيني على نجاح الحزب الشيوعي في مواجهة جملة من التحديات، إلا أنه سلط الضوء على "التغييرات السريعة التي طرأت على الساحة الدولية". فيما أشاد بجهود الحزب في "دعم العدالة الدولية وفي الدعوة لتعزيز ممارسة التعددية الحقيقية فضلا عن المعارضة الواضحة لكافة سياسات الهيمنة والقوة".
وفي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الصين والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، قال إيان تشونغ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية، إن تركيز شي على التعددية يدل على أن الصين ماضية قدما ليس فقط فيتحدي الولايات المتحدة بل ومنافستها. وأضاف في مقابلة مع DW، أنه "عندما يتحدث عن التعددية، فإن هذا يعني في الغالب أن بكين ستعمل عبر مؤسسات دولية وفي المقدمة الأمم المتحدة لمواجهة ما تعتبره الصين نفوذا أمريكيا".
كيف يمكن تحقيق الرخاء المشترك؟!
ورغم أن البعض رأى خطاب شي باعتباره استمرارا للسياسات الحالية، فإن تشونغ يشير إلى أن تركيز الرئيس الصيني على الانضباط والأيديولوجية كان جديرا بالملاحظة، مضيفا أن "التأكيد على انضباط الحزب وأيديولوجيته يعد أحد الأشكال التي يحاول من خلالها الرئيس الصيني التعامل مع التحديات، خاصة تباطؤ الاقتصاد والتنافس مع الولايات المتحدة".
وفيما يتعلق برؤيته للسنوات الخمس المقبلة وسط التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجه الصين، قال شي إن حكومته ستمضي قدما في تعزيز الرخاء المشترك وتوزيع ثروات البلاد وتسريع تطوير نظام الإسكان فضلا عن ضرورة تحسين التعليم في البلاد.
من جانبه، قال ديكستر روبرتس، الباحث البارز في المجلس الأطلسي، إن الرئيس الصيني لم يفصح عن الكثير فيما يتعلق بمفهوم "الرخاء المشترك" في خطابه. وأشار في مقابلة مع DW، أن الخطاب لم يأت "بمعلومات حول كيفية تحقيق الرخاء المشترك. وأعتقد أن الازدهار المشترك أحد سمات إدارة شي وكيفية معاقبة الأثرياء خاصة وأن الإجراءات الصارمة ضد رجال الأعمال وكبرى شركات التكنولوجيا في الصين قد أثارت مخاوف حيال قضية البيانات والأمن الاقتصادي".
ورغم ذلك، قالت أيرس بانغ، كبيرة الاقتصاديين الصينيين في مجموعة "آى إن جي ING" المعنية بالخدمات البنكية والمالية، إن الصين ستسعي إلى إعادة صياغة مفهوم "الازدهار المشترك" عبر تسليط الضوء على حاجتها لتدشين نظام تعليمي وفق المستويات العالمية.
وأضافت في مقابلة مع DW"أعتقد أن الحكومة الصينية تبحث عن تحقيق تعليم عالمي سيوفر فرصة لجيل الشباب كي يتسلق سلم الثروة ولدى الحكومة طريقة للقيام بذلك بشكل صحيح".
وعلى وقع تنامي جهود أمريكا لمنع الصين من الحصول على تقنيات أشباه الموصلات، تعهد الرئيس الصيني بالتركيز على تحقيق "تنمية عالية الجودة" من شأنها إعطاء الأولوية للتعليم والعلوم والتكنولوجيا، وقال إن الصين "ستسرع خطواتها لتحقيق مستوى عال من الاكتفاء الذاتي في مجال العلم والتكنولوجيا وتحسين قدراتها اعتمادا على الذات".
بدوره، أكد روبرتس أن تشديد شي بشكل متكرر على مفهوم "الاعتماد على الذات" يوجه رسالة مفادها أن الصين بمقدورها "الاستمرار بمفردها" رغم أن هذا الأمر سوف يمثل تحديا أمام الرئيس الصيني.
تعزيز القوة العسكرية
ولم تخلُ كلمة الرئيس الصيني من التأكيد على حاجة الصين إلى المضي قدما في تعزير قوتها العسكرية، إذ تعهد بتسريع "عملية تحديث العقيدة العسكرية للجيش بما يشمل تنظيمه وعتاده وأفراده". وقال إنه من المهم تحسين مجموعة من "التدابير الأمنية" في الصين في كلمة رددها أكثر من خمسين مرة في خطابه داعيا إلى تعزيز أسس الأمن القومي في الصين مع تحسين أنظمة الإنذار المبكر وضمان إمدادات الغذاء ومصادر الطاقة.
بدوره، يرى ديفيد باندورسكي، المدير المشارك في مشروع "تشاينا ميديا بروجيكت" البحثي في جامعة هونغ كونغ، أن عبارة الأمن القومي كانت الأبرز في خطاب الرئيس الصيني.
وقال في مقابلة مع DW إن الامر يعد بمثابة "استمرار لما رأيناه في عهد شي. يمكن الافتراض على نحو دقيق أن الكلام موجه للولايات المتحدة، لكن مع التعبير عن مخاوف داخلية حيال أمن التنمية أو التوظيف."
كتابة التاريخ
أما هولي سناب، الخبيرة في السياسة الصينية بجامعة غلاسكو، فقالت في مقابلة مع DW إن خطاب الرئيس الصيني جاء تأكيدا على رؤية حزبه "الضيقة بشأن عملية تحديث البلاد". وأضافت أنه من المهم أن يقود شي هذه العملية لأنها "مكنته من تعميق وترسيخ الأفكار التي طرحها عام 2017".
من جانبه، يؤكد ديفيد باندورسكي على أن الخطاب السياسي الذي ألقاه الرئيس الصيني أمام الحزب الشيوعي يؤكد على إبراز "سلطته ووضعه في تاريخ الحزب"، مضيفا أن "التاريخ دائما يصب في صالح الحزب الشيوعي الصيني، إذ أن تفسير التاريخ يعد مفتاحا للإشارة إلى قوة شي حيث كل شيء يدور حول التأكيد على رواية أن السنوات الخمس الماضية كانت نجاحة وهناك أسباب لذلك".
ويتوقع أن تكون مساعي الرئيس شي جينبينغ للحصول على ولاية ثالثة، محور المؤتمر الذي يعقد مرة كل خمس سنوات فضلا عن ضخ دماء جديدة في قيادة الحزب.
تايبيه- وليام يانغ / م ع