صورة الغرب في المجتمعات العربية ضحية الحاضر والتاريخ
لا غرو أن انتشار أفكار وأحكام مسبقة عن المجتمع الغربي هو أحد الأسباب التي تؤدي إلى تقوقع المهاجرين العرب والمسلمين في المجتمعات الأوروبية. ومن أجل معالجة هذه القضية وتعزيز الجهود للحول دون تفشي مشكلة انعزالية المهاجرين المسلمين في ألمانيا، تشهد العاصمة برلين مؤتمراً فريداً من نوعه حول مفهوم "الاستغراب النقدي". لا سيما وأن كثيراً ما يشكو البعض من مدى القبح الذي تتسم به صورة العرب والمسلمين في الرأي العام الغربي. ومما لاشك فيه أن هذا الموضوع هو أحد أكثر المواضيع جدارة بالنقاش. لكن المثير للدهشة أنه لم يسبق لأحد من قبل إثارة الوجه الثاني للموضوع، ألا وهو مدى تشوه رؤية الشرقيين للعالم الغربي. وذلك بالرغم من أن الوجه الآخر يحمل نفس درجة الخطورة إن لم يكن أكثر. إذ أن للغرب منذ قرون عديدة آلاف المستشرقين والمستعربين أما العالم العرب فلا يضم عدد كافي من "المستغربين" أو خبراء متخصصين في حضارة الغرب يساهمون في نقل صورة حقيقية عنه. ومن الملاحظ هنا أن كلمة "استغراب" ليست من الكلمات الشائعة التي يتشدق بها المرء على غرار كلمة "استشراق" مثلاً. الجدير بالذكر أن مصطلح "الاستشراق" ظهر مع كتاب المفكر العربي - الأمريكي إدوار سعيد والذي يحمل نفس هذا الاسم عام 1978 . أما ما يخص "الاستغراب" فلقد جاءت خلال القرن المنصرم كتابات متناثرة وتدور غالبيتها حول الأنظمة السياسية والتيارات العلمية أو الفكرية، مختزلة الغرب في تصور ذي بعد أحادي ينحو إلى الإطلاق سلباً أو إيجاباً.
صورة الغرب في العالم العربي عبر التاريخ
"الحملات الصليبية" أول ما يترد في أذهان بعض العرب عندما يتعلق الأمر بصورة الغرب في المجتمع الإسلامي. وبالرغم من أن هذه الحملات الضارية على المقدسات الإسلامية والوطن العربي يعود تاريخها إلى القرون الوسطى، مما لا يدع أي مجالاً للشك أن هناك تطور قد طرأ على تعاطي الغرب مع العالم الإسلامي، إلا أن العديدين مازالوا ينظرون للأوروبيين كما لو كانوا بمثابة وحوش يتربصون لفريسة سهله هي المسلمون. أما الحملة الفرنسية التي قادها نابليون بونابرت إلى مصر عام 1798 فلقد كانت مقترنة بالنزاعات الأوربية الاستعمارية تجاه العالم العربي. وذلك بالرغم من أن هذه الحملة حققت العديد من النتائج المحمودة من قبل العلماء المسلمين، بالإضافة إلى أنها قد أدت بشكل أو بآخر إلى ظهور الحركات الإصلاحية الإسلامية ونزعات التحديث التي غلب عليها الميل إلى "الأوربّة" في شتى أرجاء العالم الإسلامي.
الطهطاوي والمجتمع الغربي
وللوقوف على سبب تفشي ظاهرة تشويه صورة المجتمع الغربي في العالم العربي أجري موقع دويتشه فيلّه باللغة العربية حواراً مع الدكتور محمد أحمد منصور، أستاذ اللغة الألمانية وآدابها بجامعة الأزهر في مصر. وعن الاستغراب قال منصور: "بدأ الاستغراب بشقه الاجتماعي مع بداية إقامة علاقات بين العالم العربي وأوروبا في العصر الحديث." ففي عهد محمد على باشا، الذي حكم مصر لعقود عديدة في القرن التاسع عشر، تم إرسال الوفود والطلاب إلى أوروبا لدراسة المدنية الحديثة. ولعل رفاعة رافع الطهطاوي خير مثالاً على ذلك ففي "كتابه تلخيص الإبريز في تخليص باريز سجل الطهطاوي أول رؤية عربية حديثة للمجتمع الغربي اتسمت بالاعتدال والبعد عن المغالاة" على حد قول منصور.
تشوه صورة الغرب في الوقت الحاضر
إذا كان معني التشوه هو تواجد صورة غير مطابقة للواقع"فإننا إذا نظرنا إلى العالم الإسلامي وأخذنا هذا المعنى بعين الاعتبار فسوف نلاحظ فعلا أن بعض العرب ينظرون إلى المجتمع الغربي كما لو كان بيئة منحلة يسودها الانحطاط في العلاقات بين الجنسين على سبيل المثال" حسب قول الدكتور منصور. ومما لاشك فيه أن مرد ذلك إلى وسائل الإعلام العربية التي تنقل صورة خاطئة عن المجتمع الغربي انتشرت بين الناس كالنار في الهشيم. "أما الناس الذين يسافرون إلى أوروبا فينقلون في الغالب الجوانب السلبية فحسب للحياة الأوروبية" على حد قول محمد منصور.
الغرب متنوع كتنوع الشرق
مما لاشك فيه أن الغرب ليس واحداً وليس مطلقاً. فهو يمتاز بالتنوع والفروقات والتناقضات والصراعات. ومن شأن التفكير فيه كآخر لديه تجاربه الإنسانية والثقافية المتنوعة أن يقلص البعد الأسطوري الذي اتسمت به صور الغرب.فالمجتمعات العربية تمتاز بدورها بالتنوع الثقافي والديني والاجتماعي. ولا يمكن بالتالي تحليل الصور المتكونة عن الغرب إلا انطلاقاً من هذا التنوع. أما الحل الوحيد الممكن لهذه ظاهرة "فيكمن في تصحيح الصورة على كلا الطرفين خاصة في وسائل الأعلام والأخذ في العالم العربي بعين الاعتبار أن للأوربيين فلسفتهم الخاصة في تشكيل حياتهم. حيث أن هناك مفاهيم أخرى للحرية الفردية المطلقة أو لعلاقة الرجل بالمرأة هناك نظرة أخرى لمسألة اعتبار الجسد ملك لصاحبة ملكية مطلقة دون أي تدخل أو رقيب ديني أو أسري" على حد قول منصور. أما إصلاح هذه الصورة فيتطلب تبادل وفود شبابية بين العالم العربي والغربي، وأن يتم عرض صورة الفكر الأوروبي عرضاً صحيحاً. وإيضاح أن تفهم الفلسفة الحياتية الأوروبية لا يعني بالضرورة الإيمان بها على حد تعبير الباحث المصري محمد أحمد منصور.
تقرير: علاء الدين سرحان