صوفي حداد: واجهت النظام السوري ونجت من بطش الاسلاميين
٣١ مارس ٢٠١٥عندالمساء، في العاصمة اللبنانية بيروت، كانت الشابة السورية صوفي حداد تنظر من نوافذ شقتها إلى مصابيح المدينة المضيئة. عيناها تتجه هنا وهناك، وكأنها تبحث عن شيء ما فقدته منذ زمن طويل. وبعدها تبدأ صوفي بالغناء: "تظاهرنا سلميا في الجامعة ورددنا بصوت عال: الحرية. لم نعد نخاف الموت بأصوات موحدة. لقد انتهى وقت العبودية ". وهذه العبارات كانت جزءا من أغنية كتبتها صوفي عام 2011 للثورة السورية.
صوفي حداد ليس أسمها الحقيقي، فقبل عام هربت من سوريا إلى لبنان. وقد تختلف قصتها عن قصة أغلب اللاجئين السوريين في لبنان الذي يبلغ عددهم 1.1 مليون شخص. اسم صوفي حداد الحقيقي موجود على قائمة المطلوبين من قبل نظام الأسد. وتنظيم "داعش" يود هو الأخر أن يراها ميتة. وتقول صوفي عن ذلك: "ليس آمنا لي أن أعود لسوريا قبل انتهاء الحرب".
قبل أربعة أعوام شاهد الشباب السوري بحماس كيف تسقط الأنظمة في تونس ومصر مثل قطع الدومينو. صوفي، والتي كان عمرها آنذاك 22 عاما، وكانت تدرس علم الآثار اتفقت مع زملائها الطلبة على تنظيم مظاهرة "يوم الغضب" أمام وزارة الداخلية السورية في دمشق. وتضيف : "في الليلة السابقة نمت في فراشي وعيناي محدقتان في السقف وتساءلت. ماذا سيجري ؟ أنا أعرف أن نظام الأسد دموي. لكنني كنت متأكدة من أن ثورتنا السلمية ستنتصر".
وفي يوم المظاهرة خرجت صوفي مع زملائها للتظاهر أمام وزارة الداخلية السورية وكانت هناك قوات من الجيش هجمت على المتظاهرين وفرقت المظاهرة بالعصي. واستطاعت صوفي الهروب من قبضة الأمن.
في شهر آذار / مارس 2011 خرجت احتجاجات أخرى في مدينة درعا في جنوب سوريا. وهناك سقطت أولى طلقات النار ضد المتظاهرين وقتل أربعة أشخاص، وكانوا أول ضحايا الثورة السورية. "لقد صار واضحا بالنسبة لنا بأننا سندفع دمائنا ثمنا للحرية في سوريا، وأننا سنعتقل وسنعذب وسنقتل"، كما تقول صوفي حداد. التي تضيف قائلة: لكن كنا مستعدين لذلك".
وعندما ارتفع عدد الضحايا في درعا وحمص والمدن السورية الأخرى قررت صوفي التعاون مع " الجيش السوري الحر" الذي بدء تشكيله حديثا وعملت على تهريب المواد الطبية والغذائية إلى المناطق التي تجرى فيها المعارك بين الجيش والنظام. الجيش الحر يتكون أغلبه من الجنود المنشقين عن النظام.
لم تتخذ صوفي قرارها هذا بسهولة، وتضيف عن ذلك قائلة: "لم أكن في البداية موافقة على حمايتنا بقوة السلاح. ولكن وبعد ارتكاب النظام لمجازر عدة في المدن السورية لم يكن لنا طريق أخر عدا ذلك".
في شهر آذار / مارس 2011 شاهدت صوفي بعينيها حجم الصراع بين قوات النظام وقوات الجيش الحر في مدينة حمص. ومدينة حمص الواقعة غرب سوريا بقيت لشهور تحت أحداث القتال العنيف. وتقول صوفي: "لقد دخلت مدينة الموتى. والنظام يدمر باستمرار شوارع كاملة من الجو. وكانت الأنقاض والحرائق تندلع في كل مكان. إنها بداية الحرب السورية الأهلية".
"كنت أعتقد أنه لا يمكن إصابتي"
صوفي ذهبت إلى حمص لتوثيق الدمار في المدينة بكاميرتها. ولم يشارك الكثير من الناشطين الاعلاميين في سوريا في الحرب آنذاك، خصوصا من بين النساء. وكانت صوفي إحدى أوائل النساء في هذا المجال، حيث تعرفت عن قرب على صور الرعب في الحرب".
وتضيف صوفي " قد تقول لي الآن أنني كنت مجنونة. لأني رأيت الكثير من الموتى ورغم ذلك استمرت في العمل. هذه المشاهد أعطتني جرعة مقوية جعلتني أعيش لغاية اليوم. أعتقدت دائما أني منيعة من الموت وأنه لا يمكن إصابتي".
خلال عام 2012 نجح النظام السوري بالتعاون مع ميليشيات حزب الله اللبنانية في السيطرة على بعض المواقع الإستراتيجية للجيش السوري الحر. وأصبحت المقاومة المسلحة أضعف من قبل. وبعد ذلك استلمت مجاميع إسلامية، مثل جبهة النصرة المنظمة جيدا، قيادة المعارك ضد النظام. وفي يوم ما وصل صوفي اتصال من قبل أحد قادة جبهة النصرة والذي طلب أن يراها. وتقول صوفي: كنت خائفة. ووجه الثورة تحول إلى وجه تجهمي. وكنت رافضة أن ينفرد الإسلاميون بالسلطة، ولذلك وافقت على التعاون معهم". صوفي ذات التوجهات العلمانية كانت مقتنعة بأن جبهة النصرة لا تريد إقامة دولة إسلامية.
شاركت صوفي لمدة عام ونصف في تهريب الكثير من المواد الغذائية والطبية، كما صورت الكثير من الأفلام تحت حماية الجيش السوري الحر وجبهة النصرة. لكنها لم تشعر أبدا بأنها آمنة، لأن الكثير من الناشطين الإعلاميين ممن حولها كانوا قد قتلوا. وكان المتهم الرئيسي في قتلهم تنظيم "داعش" الذي بدأ في الظهور مطلع سنة 2014.
لكن بعض الناشطين كانوا قد قتلوا أيضا في مناطق يسيطر الجيش السوري الحر عليها. وتقول صوفي : "كناشطين إعلاميين كنا نحاول أن نقدم الحقيقة حول الحرب في سوريا. ووجدنا أن بعض عناصر الجيش الحر كانوا خونة وكانوا يتعاونون مع النظام. وهؤلاء أرادوا إبعادنا عن الطريق".
البقاء في سوريا كان يعني الانتحار بالنسبة لصوفي. ولذلك هربت في آذار / مارس 2014 إلى لبنان. وفي نفس الشهر قتل حسب قولها 76 ناشطا وعضوا في الجيش الحر من معارفها، من ضمنهم خطيبها أحمد.
مر اليوم عام كامل على هروب صوفي حداد من سوريا. ويتساءل المرء اليوم عما تبقي من الثورة السورية. وتجيب صوفي عن ذلك قائلة: "أنا والكثير مثلي من الذين يعيشون الآن في خارج سوريا هم من بقي من الثورة السورية. ومن يريد من الثورة أن تعيش وتستمر، عليه أن ينجو بنفسه من الموت. وسيأتي يوما ما، عندما تنتهي هذه الحرب، وسنجمع قوانا لإعادة بناء بلدنا".
وبانتظار ذلك تريد صوفي الاستمرار في العمل الإنساني لمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان. فهي تقدم للأطفال والنساء علاجا بالموسيقى لمساعدتهم على التخلص من معاناة الحرب.