لا انتصار في معركة الموصل بدون عملية سياسية شاملة
٢٢ أبريل ٢٠١٧تشكل الطائرات من دون طيّار خطراً كبيراً على القوات المحررة لمدينة الموصل. فقد ذكر مقاتلون من الجيش العراقي أن التنظيم المتشدد يستخدم-بشكل متزايد- هذا النوع من الطائرات الصغيرة. يقوم أحد عناصر "داعش" بتسييرها من الأرض للإغارة على صفوف الجيش العراقي وإلقاء المواد المتفجرة عليهم.
مع مرور الوقت تكيفت القوات المتقدمة مع خطر الطائرات من دون طيار وعرفوا كيفية التعامل مع ذلك الخطر؛ إلا أن ذلك الخطر ما يزال كبيراً وخصوصاً في قتال الشوارع، حيث لا يملك المقاتلون متسعاً من الوقت للتركيز على الخطر القادم من الجو فضلاً عن الخطر الداهم على الأرض.
"معركة الموصل هي الأصعب والأكثر وحشية في الحرب على تنظيم داعش"، حسب ما يقول ضابط أمريكي من مركز "التقنيات العسكرية الدفاعية"، ويضيف بأن هذه المعركة هي "الأصعب والأكثر وحشية" من بين معارك التي شهدها في سنوات خدمته في الجيش الأمريكي.
تحدي عسكري، وأخلاقي أيضاً!
حسب التقارير الأمريكي والعراقي تشكل السيارات المفخخة خطراً أخر داهماً على القوات المتوغلة في عمق المدينة. ويحاول التنظيم الإرهابي بهذا الطريقة اختراق صفوف القوات المتقدمة. غير أن الجيش العراقي، حسب ما ينقل مركز "التقنيات العسكرية الدفاعية" أصبح أكثر دراية بكيفية التعامل مع ذلك الخطر؛ تضم كل وحدة قتالية جنود مدججين بالقنابل والعتاد يحاولون إيقاف تلك السيارات المفخخة قبل وصولها إلى صفوف وحدتهم القتالية.
تقوم القوات المحاربة لداعش بحفر مطبات في الشوارع المحررة في محاولة للحيلولة دون وصول المفخخات. كما تشكل المواد المتفجرة الموقوتة والمزروعة في الكثير من الأماكن اكبر تحد لها. وتنقل التقارير أن التنظيم الإرهابي قام، على سبيل المثال، بزرع مثل تلك المتفجرات في الأجهزة الطبية في المشافي الميدانية المهجورة.
والتحدي ليس عسكرياً فقط، بل وأخلاقياً أيضاً؛ فقد تم تسجيل حدوث كوارث على المستوى الأخلاقي. على سبيل الذكر لا الحصر، صوب الجيش الأمريكي من الجو نار أسلحته على سيارة مفخخة. وأدى الانفجار إلى تدمير بناء مجاور، كان الدواعش قد احتموا فيه واتخذوا من المدنيين دروعاً بشرية. على إثر الحادث لقي 200 شخص حتفهم.
"العنف المفرط يوّلد التربة الخصبة للجيل الجديد من الدواعش"
على الرغم من أن ثلاث أرباع المدينة تم تحريرها، إلا أن "التحالف الدولي ضد داعش" يُعد نفسه لقتال طويل الأمد. وهذا يعود، في أحد أسبابه، إلى أن عناصر "داعش" تحصنوا في المدينة القديمة، التي يصعب الوصول إليها. وأقام التنظيم هناك العديد من التحصينات الدفاعية. إذ سيحتم ذلك على الجيشين والميلشيات المتحالفة معهما القتال في ذلك الجزء من المدينة من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع.
وقد تسببت ضراوة ذلك القتال بنزوح ما يقارب نصف مليون مدني من المدينة. كما يتسبب دعم جزء صغير من السكان لـ"داعش" بتأخير التقدم. ومن بين أسباب تعاطفهم مع التنظيم المتشدد –حسب قناعتهم- هو السياسة التي تنتهجها الحكومة العراقية لصالح الشيعة العراقيين.
هذا فيما دفعت الهجمات العسكرية للتحالف بالبعض الأخر إلى أحضان "داعش". وتنقل مجلة مركز "التقنيات العسكرية الدفاعية" عن شيخ عشيرة سنية في المدينة قوله إن "الجيش العراقي وحلفاؤه قتلوا المئات، إن لم يكن الآلاف، من المدنيين". كما قامت الميلشيات الشيعية بأعمال عنف في الكثير من القرى السنية في محيط الموصل، والكلام دائماً لشيخ العشيرة السني، ويضيف: "نخشى أن يؤدي الاستخدام المفرط للعنف بحياة المئات أو ربما الآلاف. قد يتسبب ذلك بكوارث وقد يتسبب ذلك بتهيئة التربة الخصبة للجيل القادم من الدواعش. وربما لما هو أسوء من داعش".
"لا مفر من العملية السياسية"
منذ عمليات "التحالف الدولي ضد داعش" العسكرية في أغسطس/آب 2014 وحتى 18 أبريل/نيسان 2017 سجل مركز المراقبة "إير ويز" سقوط بين 8500 إلى 12630 مدنياً بين قتيل وجريح في كل من سوريا والعراق. ويقدر المركز أن عدد القتلى يتراوح بين 3100 و5000 مدنياً.
وحسب رأي مسؤول عسكري أمريكي فإن منع الأعداد المتزايدة من السكان السنة، التي تتحالف مع "داعش"، يتطلب أن تترافق الأعمال العسكرية مع عملية سياسية.
المستقبل لكل العراقيين
صرح الجنرال الأمريكي السابق، ديفيد بيتروس، بأن النصر على تنظيم "الدول الإسلامية" سيكون مجرد البداية. قاتل الجنرال السابق في عامي 2007 و2008 في العراق. حيث شهدت هذه الفترة أعمال طائفية تحالفت فيها بعض العشائر السنية مع الجهاديين من القاعدة. "كل شيء متوقف اليوم على قدرتنا على اجتراع حل سياسي لنحرم به المتطرفين من إيجاد تربة خصبة لهم"، يقول بيتروس في رسالة بالبريد الإلكتروني لمركز "التقنيات العسكرية الدفاعية".
وحسب تقديرات القائد العسكري الأمريكي، ستيفان تاونسيند، فإن ذلك يعني إعطاء أمل لسنة العراق، الذين تعرضوا للمضايقات والانتهاكات حتى الآن، بأن لهم مستقبلاً ينتظرهم في العراق. النجاح هنا يعني إمكانية تحقيق سلام طويل الأمد بالعراق. والفشل يعني أنه يجب علينا أخذ المزيد من الأعمال الإرهابية واستمرار الحرب في الحسبان، والكلام دائماً للقائد الأمريكي.
كريستين كنب/خ.س