لقاء على عتبات الكعبة مع "ميشائيل"و"جوزيه"

أشعر بإرهاق شديد، ككثير من الحجاج، في آخر أيام موسم الحج. ميشائيل أيضاً يشعر بالإرهاق، وهو ألماني اعتنق الإسلام كنت قد التقيته قبل سفري إلى مكة في أحد مساجد مدينة كولونيا. وشاءت الصدف أن أقابله في آخر أيامي هنا في مكة. وبالرغم من تطور وسائل الاتصال في عصرنا هذا، كالهواتف النقالة و"الفيسبوك"، إلا أنه لا يزال من الصعب أن تحدد موعداً مع شخص وأن تلتقيه بين مليوني ونصف المليون من البشر هنا في مكة.

الحج ما بين الانبهار والإرهاق

حول انطباعاته عن رحلته إلى مكة يحدثني ميشائيل قائلاً: "إنني منبهر بشدة من الحج". علامات التحمس واضحة في ملامحه مثل علامات الإرهاق، وهو يعاني – مثلي – من نزلة برد، وهو أمر طبيعي عندما تنتقل من وسط حرارة الحشود البشرية الضخمة إلى قضاء ليلة في خيمة، ومنها إلى ليلة في غرفة فندق درجة حرارتها أشبه بالثلاجة .

ميشائيل اسمه بالكامل : ميشائيل فينكنبرينك. لا يوجد لدينا سوى دقائق معدودات لإجراء المقابلة، فالحافلات التي ستنقلنا قرب مطار جدة تنتظر صعودنا. لكن بالرغم من انبهار ميشائيل بالحج، إلا أن حسه الألماني الناقد لا يفوت فرصة التذمر: "المرافق الصحية هنا دون المستوى المطلوب بشكل كبير إلا أن المرء يمكن أن يتحمل ذلك بضعة أيام،وهو أم مقبول أن أجلس لأيام على سجادة مملوءة بالرمال، أو أن أنام على حصيرة ليلاً، فلا فرق بين هذه الأمور ورحلات المخيمات".

وماذا عما تعلمته هنا؟ ما الذي اكتسبته روحانياً؟ يتابع ميشائيل بالقول: "لقد حظيت هنا بفرصة التعرف على كثير من أخواتي وإخواني في الإسلام، الذي يعرفون بالضبط ماذا يفعلون... لم أتمتع في حياتي بتعليم إسلامي ممنهج، لكن ما عشته هنا عوضني عن كثير مما أفتقده".

ميشائيل مقتنع بشدة بإيمانه إلى درجة انزعاجه من بعض العادات التي يتم إلصاقها بالإسلام دون وجود أصل لها في القرآن أو مصادر أخرى للتشريع الإسلامي، مضيفاً: "هناك كثير من المؤمنين الجاهلين ... أحد هذه الاعتقتدات هي أن هناك روحاً داخل الحجر الأسود في ركن الكعبة ... هذه أشياء لا تمت إلى الله بصلة". ما يزعج المواطن الألماني أيضاً، وهو المعتاد على النظام والنظافة في بلاده، هي أكوام النفايات التي تركها الحجاج في العديد من الأماكن، ما خلف رائحة كريهة، لافتاً نظري إلى مقولة طالما تتردد في دولنا العربية، ألا وهي أن "النظافة من الإيمان".

في نهاية حوارنا لا ينسى ميشائيل أن يبعث برسالة إلى من يقرأ يومياتي، وخصوصاً المسلمين في الدول غير الإسلامية مثل ألمانيا، ويحرص على إملاء رسالته حرفياً على المايكروفون الذي أحمله: "لا تنظروا إلى النفايات، بل إلى إخلاص الناس هنا... هذا الإخلاص هو الإسلام: أن تضع نفسك رهن إرادة الخالق. لا تنظروا إلى هذا الأمر على أنه تهديد". لكن ميشائيل يعلم – مثلي أيضاً – أن هذه أمنية يصعب تحقيقها، لأن كثيراً من التيارات المتطرفة تستغل الإسلام لخدمة أغراضها السياسية، مما يضع الدين الإسلامي كله محطّ الشبهات.

تكرار طواف الكعبة فرض أم لا؟

اضطررت لإنهاء لقائي مع ميشائيل على عجل، فالحافلة على وشك الانطلاق! تحت زخات المطر أسرع كي لا أفوتها. المطر مرحب به في مكة، على الأقل لأنه ينظف الشوارع إلى حد ما. جاري في الحافلة تكرّم وقام بوضع أمتعتي داخلها أثناء حواري مع ميشائيل. أدخل الحافلة مرتعشاً ومبللاً، لأكتشف أن الحاج الشهم بجانبي هو جوزيه روي غاندرا: برازيلي من أصول إيطالية.

نسيت نفسي وأنا أخوض نقاشاً معقداً مع خوزيه حول إذا ما كان تكرار الطواف حول الكعبة 7 مرات عدة أيام فرضاً على الحاج أم لا. في هذه المسائل الثانوية يسود الكثير من انعدام الثقة، وأحياناً تباين كبير للآراء. أحد الفقهاء نفى لجوزيه كون تكرار الطواف 7 مرات حول الكعبة فرضا ، لكنه لا يزال غير مقتنع بالإجابة – ربما لأنه لم يرد أن ينقص من مناسك الحج، رغم ما يعنيه هذا الأمر من العناء الإضافي.

حتى أنا قمت بالطواف عدة مرات حول الكعبة، بدافع الفضول الصحفي. أثناء طوافي تذكرت ما قاله لي أحد الحجاج والابتسامة تعلو شفتيه: "كلما زادت المشقة زاد عدد الذنوب المغفورة". هل هذا أعتقاد أيضاً؟ ربما، لكن هذا ليس مهماً بالنسبة لي، لأن على المرء احترام معتقدات الآخرين دائماً.

علي المخلافي

مراجعة: هبة الله إسماعيل